ماذا تريد إسرائيل حقا؟

تريد إسرائيل من حالة الفوضى المفتعلة فلسطينيا، توريط بعض الدول العربية المجاورة في استحقاقات المشهد الفلسطيني، بعد أن انتهى الدور الذي مثلته حقبة أوسلو في إطالة عمر الاحتلال، وتحمل أثمانه والتغطية على جرائمه وعدوانه …

ومع انتهاء هذا الدور، تنفجر الآن الفوضى الخلاقة في فلسطين …

فمن جهة لم يبرد بعد دم القتل الفلسطيني لأخيه الفلسطيني… وفي الجهة المقابلة، تقصف إسرائيل أسس الشرعية الفلسطينية، ومخطئ من ظن أن الإشكالية في انتخاب حماس أو في برنامج حماس، هذا القول يمكن أن نجد له مبرراً قبل تشكيل حكومة الوحدة وقبل اتفاق مكة، ولكن اليوم ما هو المبرر الدولي حقا لإبقاء الحصار؟

إذا، ما عادت الإشكالية سياسية، والقضية بالمناسبة لا ترتبط حقا بالأزمة الداخلية، التي تعايشها إسرائيل سياسيا وأمنيا … إسرائيل تريد ببساطة بناء معادلة جديدة، تتشكل من خلالها القضية الفلسطينية، بحيث لا يملك فيها الشعب الفلسطيني إراداته وخياره وحريته، وبالتالي كرامته … ويبقى مجرد صيغة أمنية لحماية أمن إسرائيل.

الجهد العربي الرسمي والشعبي مطلوب بقوة لكشف المخططات الإسرائيلية من جهة، والرفض القوي لأي صيغ إسرائيلية تورط الدول العربية بتحمل أثمان الاحتلال، فإسرائيل تحاصر الفلسطينيين وتغذي العداوة بينهم، وتقوي الأخ الفلسطيني على أخيه بالمال والسلاح، ما تنتجه إسرائيل مثل “طنجرة الضغط”، التي تنفجرفي وجه السلطة الضعيفة أصلا، بأشكال متعددة من الفلتان والسرقات والاعتداءات، وأيضا تنتج اقتتالا داخليا، يستسهل إراقة الدماء، ويمنع توصل الإخوة، الذي يقعون تحت احتلال، لأي اتفاق قوي ومتين …

وبذلك تكون إسرائيل قد ضربت البنية الاقتصادية، التي تولد مفاعيل اجتماعية، تختلط بها الفصائلية والعشائرية وحمية الجاهلية، وهذه المفاعيل تخلق فوضى في كل شيء، الهدف منها إسرائيليا، فرض واقع سياسي، يترجم إما بانتصار طرف على آخر، وهذا خيار دونه دماء كثيرة، وإما أن تقبل حماس بشروط الرباعية، وهذا خيار أكثر استحالة من الأول، وهي بالمناسبة مقابل ذلك لن تحصل في أحسن الأحوال الرواتب، وإما أن تترك حماس السلطة، فتقبل بدور ثانوي، وتعود لمواقع المقاومة، كما يتمنى البعض بحسن أو بسوء نية، وهذا بالمناسبة لن يعفيها من استحقاقات الفتنة، لأن المطلوب اليوم هو قوة حماس ومقاومة حماس، لذا ستجد حركة المقاومة ذاتها في دائرة الاقتتال مرة أخرى…. وإما أن تجري انتخابات مبكرة، وهذا أيضا لن يكون نافعا، لأن مراهنات إسرائيل على تغييب حماس ومصادرة وعي الناس، لن يكون بهذه السهولة.

إذا، ليس هناك من خيار سوى استدعاء أطراف خارجية، وتحديدا أطراف عربية، أو أية أشكال دولية تحمي إسرائيل، صحيح أن إسرائيل تتمنع والدول العربية القريبة منا ترفض الأمر بشدة، لكن على الجميع أن يُفعَل الضغوط، وبالمقابل الوعي بأهداف الاحتلال، حتى تنجو الحالة الفلسطينية من الكيد الإسرائيلي .. وهذا لا يتأتى إلا بالخطوات التالية…

(الأولى)، التوصل لهدنة ذات كرامة، وجدوى مع الاحتلال مقابل وقف الصواريخ … لأن إسرائيل أفرغت ما بجعبتها من مخزون رادع للفلسطينيين، ولم يتبق سوى الدخول البري لقطاع غزة، وهذا إغراء سيورط إسرائيل بعواقب شبيهة بزلزال لبنان …

(الثانية)، إصرار الفلسطينيين على حكومة وحدتهم وشرعية انتخاباتهم، ومهما بلغت الخلافات الداخلية، يبقى مهما أن نحدد مصيرنا بأنفسنا بأيدينا لا بأيدي إسرائيل ….

(الثالثة)، الإصلاح الفوري للمنظومة الأمنية القادرة فقط على ضبط الانفلات الاجتماعي …

(الرابعة)، الإصلاح العاجل لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي بدونها سيبقى البرنامج السياسي غامضا وأوتاد الوحدة، مائلة …

(الخامسة)، تفعيل المنظومة التكافلية بين أبناء الشعب الفلسطيني، فالحصار الاقتصادي لن يكون قصيرا، ولن ينتهي إذا ما ذهبت “حماس”، كما يتوهم البعض، فإسرائيل كانت تمسك عن إعطاء السلطة أموال الجمارك والضرائب قبل سلطة تقودها حماس ….إسرائيل تريد الكثير … المهم ماذا نريد نحن؟ … ونحن قادرون؟