الأحد 11/مايو/2025

هل اجتازت حماس عوامل عزلها ؟؟

أ. حسن القطراوي

ربما أن الأمر ما زال في بدايته لكي يتسنى لنا الجزم بأن حركة المقاومة الإسلامية حماس قد اجتازت بالفعل العوامل التي أدت إلى عزلها عربياً دوليا ومنعتها من الممارسة الحقيقة للحياة السياسية في فلسطين خصوصاً بعد مرور أكثر من عام على حصار دولي رهيب شل الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية لكن الجدير ذكره اليوم هو أن حماس بلا شك قد تعاملت مع ملفات كانت قد وضعت لها ” كفخ سياسي ” إلا أنها قد تعاملت وما زالت بدرجة عالية من الوعي السياسي الذي لربما أزعج صناع القرار العالميين خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على حد سواء للحالة العصية التي تتمتع بها حركة تحررية رغم كل المحاولات والتدابير والعراقيل التي اتخذت ووضعت من أجل عزل حماس عن محيطها المحلي الفلسطيني والإقليمي العربي ومعه العالم الإسلامي لم تنفع جميع تلك المحاولات في الحصول على المطلوب منها ووضع حماس بالزاوية كحركة لا تتمتع بالقبول لا الدولي ولا العربي ولا الإسلامي لأنها أصلاً لا تقبل بالقرارات الدولية والشرعيات المختلفة كما يقولون والتي تؤمن بها هذه الحكومات وبقيت حماس تحافظ على هذا التوازن الغريب في المزج بين مراعاة المتطلبات التي لا تمس المنطلقات الأساسية للشعب الفلسطيني والثوابت الأصيلة له من دون التنازل الفاضح ولا التعصب الواضح في أفكارها بل عاشت دور الحركة الوسطية التي لا تتخذ من التعصب سبيلاً لتحصيل الأهداف المعلنة لها ومن التنازل طريقاً لتحقيق ما عجز عنه التعصب والغلو .

ثم إنه لم تتخذ حماس في مشوارها الجهادي والمقاوم على أرض فلسطين من ردود الأفعال منهجاً لتبرير طريقها وبرنامجها المقاوم بل ارتأت التعامل من باب الحق الفلسطيني الخالص والواضح الذي تكفله كل الشرائع السماوية والاتفاقيات والشرعيات الدولية والعربية والذي بدأت حماس التعامل معه على هذا الأساس بما لا يتنافى أيضا والأخلاقيات التي يتمتع بها شعبها والتي تنطلق من الحفاظ على تلك العلامة الفارقة عن كل شعوب المنطقة سيما تلك التي تعاني النزاعات وهي أن قضية فلسطين هي القضية المحورية والأكثر أخلاقية وإنسانية في قضايا العالم والتي من خلالها يمكن الانطلاق لتسوية كافة الملفات ذات العلاقة وانه بدون الاهتمام بالقضية الفلسطينية كأساس تبقى كل النزاعات الدولية على حالها .

ثم إن حماس كان لها ماضٍ سعيد ومشّرف للعلاقة مع الدول العربية والإسلامية حيث ما عرف عنها بتاتا ضرب مصالح الدول العربية والإسلامية  التي تتواجد على أراضيها وان اختلفت معها سياسيا كالأردن مثلاً أو حتى فكريا أيديولوجيا كسوريا ولربما أنها الحركة الفلسطينية الوحيدة التي استطاعت أن تتعامل مع كثير من الدول العربية المختلفة التي يشوب العلاقات مع بعضها البعض كثير من التوتر وربما يصل الأمر إلى قطع العلاقات بينهما إلا أن حركة حماس استطاعت بحنكة كبيرة وخبرة غير معهودة التعامل مع تلك الدول من نفس المسافة بدون الميل الى اتجاه دولة على حساب الأخرى ولم يعرف بتاتا أن هذه الحركة الفلسطينية تدخلت بشكل مباشر أو حتى غير مباشر في قضايا داخلية لتلك الدول كسوريا ولبنان أو مصر وإيران على سبيل المثال، بقيت حماس على تلك العلاقات الطيبة التي تجمعها بالدول العربية والإسلامية الأمر الذي أدى الى حفاظ الدول بنفس القدر من التعاطف والحب مع هذه الحركة حتى الدول الصديقة لواشنطن وإسرائيل بقيت تتعامل مع حماس على نفس الوتيرة التي كانت تتعامل فيها قبل أن تدخل حماس العملية السياسية وتصبح على رأس الهرم السياسي الفلسطيني وهو الأمر الذي أدى الى فرض حصار مرعب على حماس كحكومة التزمت به الدول العربية والإسلامية وبعض الدول الغربية والإقليمية الصديقة مرغمة لضعف حضورها الدولي وحتى الإقليمي وعدم تأثيرها السياسي والاقتصادي العالمي الأمر الذي زاد من أعباء حركة حماس  لرفع الحصار من دون تأييد عربي وإسلامي رسمي والذي جعلها في تحدٍ مع ذاتها لإثبات عدم عزلتها لا الدولية ولا الإقليمية ناهيك عن المحلية لأنه وحسب الشواهد الأخيرة فإنه لا يوجد أحد قادر على عزل حماس في داخل فلسطين على ما يبدو لا بالقوة العسكرية ولا السياسية ولا حتى الاقتصادية كحركة مما سهل على حماس الانطلاق الى المجتمعين العربي والدولي بقوة  لمحاولة تفادي وكسر عوامل العزل المفروضة والتي لربما نجحت حماس في تخطي أكثر من النصف في هذا الاتجاه .

على المستوى العربي :

لا شك في أن حماس استطاعت الحصول على تأييد شعبي لا يستهان به بتاتا في المجتمع العربي وان كان هذا التأييد غير رسمي فقد كان مدخلا مهما لزيادة الضغط على الحكومات الرسمية لحفظ ماء وجهها أمام شعوبها التي أيقنت أن حكوماتها ما هي إلا أدوات في يد الدول الكبرى ” الرباعية الدولية ” لذلك لم يكن أمام الحكومات العربية من مفر سوى التعامل مع حماس وان كان ” بشكل خجول ” ما قبل اتفاق مكة وهو الاتفاق الذي أسس لحكومة وحدة وطنية شجعت الدول العربية على دعم تلك الحكومة التي تترأسها حماس وبذلك تكون حماس قد حصلت على قسط رائع وجامع من الدول العربية في قمة الرياض الأخيرة بمعنى أن حماس دخلت المنظومة العربية وانتزعت منها الاعتراف رغم الحصار الدولي وعصا أمريكا الغليظة لذلك كان لثبات حماس وحنكتها دور بالغ في استشعار المجتمع الدولي لليأس بمدى نجاعة الحصار في فرض الإملاءات التي على ما يبدو قد ولى عهدها .

على المستوى الدولي:

لن نكون منصفين بتاتاً ولا عقلانيين إذا ما قلنا إن حركة حماس اجتازت الحصار الدولي المفروض عليها وعوامل عزلها لأن الحصار باختصار مازال مفروضا وما زالت إسرائيل تتمتع بقدر غير معهود من” الدلع الدولي” إلا أننا نستطيع القول بأن حماس إنما تسير في الطريق السليم لرفع الظلم عنها وعن حكومتها لكونها لم تهدد بالخروج عن السيطرة أو ضرب مصالح أي من الدول التي تفرض الحصار أو أنها قد قامت بذلك فعلياً على الأرض وأن حماس مازالت تقيم اتصالات ربما سرية في معظمها مع كثير من الدول الغربية ومنها بريطانيا الأمر الذي يجعل تلك الدول أمام مطالبة ذاتية وشعبية في مراجعة حساباتها في الكثير من السياسات التي تعاملت على أساسها مع القضية الفلسطينية من جهة ومع حماس التي لم تسئ بتاتاً لتلك الدول ولم تهدد أمنها كحركة ولا كحكومة .

وبالرغم من ذلك فإن حدوث جدوى من ذلك على المستوى الدولي في الوقت الحالي والقريب لربما ضعيفة كون المصالح التي تربط الدول الكبرى بعضها ببعض اكبر من أن يضحى بها لأجل الشعب العربي كله وليس لأجل حماس فقط، لذلك فإن نجاح حماس في تخطى الحصار الدولي في الوقت الحالي مع بقائها في رأس السلطة ومن دون تلبية ما يسمى شروط المجتمع الدولي وهي الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف ” المقاومة” والالتزام بالاتفاقات الموقعة غير ممكن إلا بحصول معجزة أو تغيير في المنظومة الدولية برمتها .  
 
* كاتب وإعلامي فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات