أية أبعاد لاندفاع أطراف فلسطينية في تسويق هدنة مجانية مع الاحتلال؟!

وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد عرض على الفصائل الفلسطينية اقتراحا بتهدئة مع الكيان الصهيوني، تشمل وقف إطلاق صواريخ المقاومة، انطلاقاً من قطاع غزة مقابل وقف غارات جيش الاحتلال وهجماته والانسحاب من أطراف قطاع غزة.
ثم تكرّر حديث عباس عن التهدئة نفسها، حينما ذكر أنه سيبحثها في لقاء مرتقب له مع رئيس حكومة الاحتلال إيهود أولمرت، الأسبوع القادم.
دهشة واستغراب
وبرأي مراقبين؛ فإنّ الاختلافات في وجهات النظر حول موضوع التهدئة مع الكيان الصهيوني، ضمن الصف الفلسطيني؛ قد بدأت تطفو على السطح بعد تهجّم أسماء مثيرة للجدل مثل ياسر عبد ربه، على صواريخ المقاومة التي تسهم في ردع عدوان جيش الاحتلال، والتي تتعاظم شكاوى الشارع الصهيوني بشأنها، نظراً لما ألحقته من أذى بسكان المغتصبات، لاسيما “سديروت”. وبينما وصف عبد ربه تلك الصواريخ بـ”الحمقاء”، لأنه “لا علاقة لها بمقاومة المحتل” وفق وصفه، معتبرا أنها تطلق “للتغطية على مخططات داخل غزة، لتوسيع مساحة نفوذ بعض الفصائل” على تعبيره؛ فإنّ محمود عباس ذاته وصف إطلاق الصواريخ “بأنه لن يؤدي إلى فائدة تذكر”، وذهب إلى أبعد من ذلك معتبراً أن إيقاف إطلاقها “يمكن أن يشكل أرضية تصب في صالح الفلسطينيين”.
ورداً على هذه الادعاءات، التي اعتبرت الصواريخ إضرارا بالمصلحة الوطنية؛ اعتبر رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل، أنّ تلك الصواريخ هي على النقيض من ذلك، لأنها من وسائل الردع التي تكفّ بأس العدو أو تخفف من حدّة هجماته على الفلسطينيين، مشيراً إلى أنّ “الصواريخ إحدى وسائل الدفاع عن النفس التي يمارسها الشعب الفلسطيني، ضد آلة القتل والتدمير، والعدوان الصهيوني”، وأبدى دهشته من أن “يُلام الشعب الفلسطيني عندما يدافع عن نفسه”.
أسباب رفض الفصائل لمقترح التهدئة
ولأسباب كثيرة رفضت فصائل فاعلة على الساحة الفلسطينية، وقوى المقاومة، مقترح التهدئة مع الكيان الصهيوني، لاسيما في ظل الظروف الراهنة، وأهم هذه الأسباب:
1- عدم وجود جدوى من هذا الطرح أو من هذا العرض الفلسطيني، خاصة مع رفض الاحتلال المعلن لاقتراح التهدئة، فقد قرّر المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية في حكومة الاحتلال في الثلاثين من أيار (مايو) الماضي، الاستمرار في عمليات الاغتيال المكثفة لقادة وكوادر المقاومة، في الضفة الغربية وقطاع غزة، بدعوى الرد على إطلاق الصورايخ نحو المغتصبات. وجدّد المجلس رفضه لأي تهدئة مع الفلسطينيين، مشيراً على لسان مصدر سياسي مسؤول فيه إلى أنه لن تجرى أي مفاوضات مع الفصائل الفلسطينية حول وقف لإطلاق النار، مشدداً على مواصلة “الضغط العسكري على هذه الفصائل لاسيما حركتي حماس والجهاد الإسلامي”.
ولعل هذا الموقف، الذي يمثل عملياً رفضاً صهيونياً لمقترح رئيس السلطة الفلسطينية، والذي ينم عن غطرسة وعدوانية معهودة؛ هو الذي دفع وزير الإعلام الفلسطيني الدكتور مصطفى البرغوثي للقول إنّ ذلك يُعدّ تأكيداً على أنّ المسؤول عن التصعيد الحاصل هو حكومة الاحتلال.
2- إنّ الاحتلال يتحمل أساساً مسؤولية التطورات الأخيرة التي حدثت، فهو الذي قام بخرق تهدئة طويلة كانت الفصائل الفلسطينية قد التزمت بها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وذلك بعد تنفيذه سلسلة اعتقالات واغتيالات واختطافات في الضفة الغربية، ما دفع المقاومة لإنهاء التهدئة المعلنة في أواخر نيسان (إبريل) الماضي، والردّ على اعتداءاته وخروقاته التي تكرّرت، وتم الصبر عليها طويلاً. وقد أوضح المتحدث باسم حركة “حماس” فوزي برهوم أنّ “المشكلة ليست في الطرف الفلسطيني، إذ أنّ الفلسطينيين التزموا بالتهدئة لفترة طويلة، مع حتى مع استمرار العدوان الصهيوني”.
3- لا مجال للقبول بتهدئة في ظل استمرار الحصار والعدوان ضد الشعب الفلسطيني ـ كما هو الحال الآن ـ وفقاً لرأي كثير من الفصائل الفلسطينية، ومنها حركة الجهاد الإسلامي. وترى تلك الفصائل أنّ مبدأ التهدئة يجب أن يقوم على “التبادلية”، أي أنه ليس إعلاناً من طرف واحد، ولذا فإنها أكدت – كما أكدت فصائل أخرى- على حق الشعب الفلسطيني في الاستمرار في مقاومة المحتل، وصدّ العدوان، والدفاع عن الأرض والمقدسات، بكل الوسائل التي تمتلكها المقاومة، وبالتالي فلا مجال للحديث عن “هدنة مجانية”، وهي برأيها “مرفوضة رفضاً قاطعاً”.
واتساقاً مع هذا الفهم؛ ربط نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، الدكتور موسى أبو مرزوق، في تصريح له، بين توقف المقاومة في إطلاق الصواريخ على المغتصبات والمعسكرات الصهيونية؛ وإيقاف الاحتلال لعدوانه بصورة متزامنة.
4- تشترط الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة “حماس” وكذلك الحكومة الفلسطينية؛ أن تكون التهدئة شاملة ومتبادلة ومتزامنة، بحيث تشمل قطاع غزة والضفة، بينما لا يريدها الكيان الصهيوني في الضفة الغربية. وترى الفصائل أن تهدئة من هذا النوع تعني موافقة فلسطينية بأن يواصل الاحتلال عمليات الاختطاف والاغتيال والقصف لمدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها، مثلما حدث عندما قامت سلطات الاحتلال خلال الأسبوعين الماضيين باختطاف وزير الدولة لشؤون جدار الفاصل العنصري المهندس وصفي قبها، ووزير التربية والتعليم العالي الدكتور ناصر الدين الشاعر وثلاثة نواب آخرين، وعدد من رؤساء البلديات والسلطات المحلية، بلغ عددهم أربعين شخصية، أما حصيلة خسائر الشعب الفلسطيني فقد بلغت أكثر من خمسين شهيداً، وجرح حوالي مائتي شخص جراح بعضهم خطيرة.
الزمن في صالح المقاومة
في واقع الأمر؛ لا ترى غالبية الفصائل الفلسطينية جدوى من إعطاء الاحتلال هدنة مجانية، لذا تنحاز إلى مواصلة المواجهة مع الاحتلال ومقاومته، حتى لو استمرّ التصعيد الصهيوني الذي كلّف الفلسطينيين عشرات الشهداء ومئات الجرحى، لأنّ التوقف يعني الإذعان لشروط الاحتلال الذي لا يريد أن يُلزِم نفسه بتهدئة تبادلية شاملة من جهة، كما أنّ ذلك يعني أنه سيكون بمنأى من أي رد على ضرباته، حتى لو كان الرد غير متكافئ من جهة أخرى. وانسجاما مع هذه الرؤية؛ أوضحت حركة “حماس” أنّ العدوان على الشعب الفلسطيني لن يزيد الفلسطينيين إلاّ تمسكاً بمقاومتهم وحقوقهم، وقد شدّد رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” خالد مشعل على حق المقاومة في إطلاق الصواريخ، بصرف النظر عن فعالية هذا السلاح، عندما قاله “إنّ المحتلين لديهم دائماً وسائل تلحق الضرر بالشعوب التي يسيطرون عليها، والفلسطينيون لديهم وسائلهم المتواضعة للدفاع عن أنفسهم قدر استطاعتهم”.
وبناء على ما سبق؛ فإنّ فصائل المقاومة تعتقد أنّ التصعيد الصهيوني المستمر، ينبغي أن يُقابَل بالأسلوب نفسه، حيث دعت حركة “حماس” الفصائل لتوجيه ضربات موجعة للعدو الصهيوني، والعمل على لجم عدوانه، مؤكدة “أنّ عدوّنا لا يعرف إلاّ لغة القوة، وعليه دفع الثمن تجاه جرائمه التي يرتكبها بحق شعبنا صباح مساء”.
وتعتقد هذه الفصائل أنّ الزمن في صالح المقاومة، وليس في صالح الاحتلال، وللتدليل على ذلك استشهدت باضطرار رئيس الحكومة الصهيونية الأسبق شارون للانسحاب من قطاع غزة، والإرباك الذي تعيشه أكبر قوة في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية) في العراق.
مشروع فتنة داخلية
وباستعراض هذه التفصيلات المتصلة لعرض التهدئة؛ فإنّ عديد القوى في الساحة الفلسطينية ترى أنّ لقاء “عباس- أولمرت” المرتقب؛ سيكون “لقاءً عبثياً لا فائدة منه” بحسب تصريحات للقيادي في حماس محمد نزال، لأنّ المستفيد الأول من هذه الاجتماعات هو “العدو الصهيوني، حيث تعطيه الغطاء السياسي لمواصلة عدوانه”، ففي الوقت الذي يتعرض فيه الفلسطينيون لاعتداءاته، يريد أن تُظهِر هذه اللقاءات للعالم زيفاً وزوراً أنه يمد يد السلام وغص الزيتون للفلسطينيين.
وإزاء اندفاع فريق فلسطيني بصورة منفردة لتسويق تهدئة غير عادلة مع الجانب الصهيوني، ومحاولة حمل الشعب الفلسطيني عليها، في ظل عدم توفر الظروف الموضوعية الملائمة لها، وبدون مقابل يذكر؛ فإنّ مراقبين يخشون من أن يفضي ذلك إلى إثارة فتنة جديدة في الساحة الفلسطينيةه، خصوصاً إذا كان من استحقاقاتها تشويه صورة سلاح المقاومة (وتحديداً الصواريخ)، ومحاولة الضغط لمنع توجيهه صوب أهداف الاحتلال ـ كما تشي التصريحات الصحفية لهذا الفريق ـ ، لاسيما مع وجود ضغوط إقليمية ودولية تحرِّك هذه الرغبة، وتتحرّك دبلوماسياً في مثل هذه المساعي، بالتزامن مع ارتفاع نبرة الأصوات في الشارع الصهيوني التي تطالب بوضع حد لصواريخ المقاومة سواء بالأساليب العسكرية أو التفاوضية.
ويأمل المراقبون في ظل العجز الواضح لحكومة الاحتلال، في منع إطلاق صواريخ المقاومة أو الحد منها، والتي استمرّت مع حملاتها العدوانية، ووضعها الداخلي المرتبك والمثقل بفضائحها، وتراجع شعبيتها، واحتمالات رحيلها مبكرا؛ أن لا يرضخ الجانب الفلسطيني للضغوط المطالِبة بمنح تلك الحكومة العاجزة طوق نجاة، على حساب المصالح العليا للشعب الفلسطيني، خصوصا إذا كان المطلوب أن يكون ذلك مجاناً أو بثمن بخس أو حتى مقابل ضرائب إضافية تثقل كاهل الفلسطيني بمزيد من الالتزامات والأعباء.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...