السبت 10/مايو/2025

مناورات واشنطن للتفاوض مع سوريا وإيران لن تنقذها من الهزيمة

عمر نجيب

وسط ضجة إعلامية كبيرة وتوقعات متباينة عقد الاجتماع الأمريكي الإيراني حول العراق في بغداد يوم الاثنين 28 مايو حيث مثل واشنطن سفيرها ريان كروكر، وإيران السفير حسن كاظمي القمي.

 المفاوضات التي حضرها من جانب الطرفين أشخاص من عدة أجهزة أمنية واستخباراتية وعسكرية في زي مدني استغرقت أربع ساعات وقد اتفقت التصريحات التي صدرت عن السفيرين على أن اللقاء كان ايجابيا ، حيث جرى بحث قضايا هامة كانت ايران على وجه الخصوص تشعر بالقلق تجاهها، وقد تم التأكيد خاصة من الجانب الأمريكي أنه لم تطرح قضية جدولة الانسحاب الأمريكي من العراق، وأن جدول أعمال المحادثات لم يتطرق إلا الى موضوع واحد فقط هو الملف الأمني في العراق.

وقال كروكر الذي كان حذرا جدا في اختيار كلماته خلال لقاء مع الصحفيين، ان الايرانيين عرضوا مقترحات وتصورات بشأن الوضع الامني، اذ ان هدفنا جميعا من هذا اللقاء هو تحسين الوضع الامني، واعداد وتجهيز القوات العراقية، وتابع ان هدفنا وضع الية جديدة.

اقدام واشنطن على فتح مفاوضات علنية مع طهران لأول مرة منذ 27 سنة شكل تحولا كبيرا في السياسة الأمريكية، وقد أقدم الرئيس بوش على هذه الخطوة التي كان قد عارضها بشدة منذ صدور تقرير بيكر هاملتون في شهر نوفمبر 2006 حول سبل إيجاد مخرج للولايات المتحدة من المأزق العراقي والذي نصح بالحوار مع سوريا وإيران لعل ذلك يساعد في وقف أو الحد من عمليات المقاومة العراقية للإحتلال.

قبل المفاوضات العلنية مع ايران كانت واشنطن قد ارسلت مبعوثيها الى دمشق لإجراء محادثات كذلك حول العراق.
لجوء ادارة الرئيس بوش الى دمشق وطهران لمساعدتها على وقف مقاومة الشعب العراقي دليل جديد على أن المحافظين الجدد الذين يحكمون واشنطن لا زالوا يجانبون الحقيقة ويتعلقون بالأوهام، تماما كما فعلوا بعد الأشهر الست الأولى لاحتلالهم بغداد حيث ادعوا ان المقاتلين العرب هم الذين يشنون الحرب على القوات الأمريكية وان الشعب العراقي في غالبيته يرحب بما سموه تحرير واشنطن لهم من حكم حزب البعث.

في هذه المرة ايضا وبعد اكثر من اربع سنوات من الاحتلال نسفت المقاومة العراقية أوهام البيت الأبيض فبينما كان الأمريكيون يتفاوضون مع الإيرانيين والسوريين، شنت عليهم أعنف الهجمات منذ اشهر وكبدت القوات الأمريكية يوم الثلاثاء 29 مايو 14 قتيلا وأسرت من وسط بغداد وقلب وزارة المالية خمسة مستشارين بريطانيين.

ساسة البيت الأبيض يعرفون وبناء حتى على تقارير مخابراتهم وجيشهم التي تسربت محتويات البعض منها الى الصحف، ان الثورة العراقية المسلحة ضد الاحتلال عراقية بنسبة 98 في المائة وأن ما يسمى بتنظيم القاعدة والمقاتلين الأجانب لا يتجاوز نسبة 2 في المائة. والأمريكيون الذين قتلوا حتى شهر أكتوبر سنة 2006 أكثر من 665 الف عراقي حسب تقارير رسمية صادرة من مكاتب دراستهم يدركون أنهم رغم هذه الجرائم لم ينجحوا في ثني شعب بلاد الرافدين عن مواصلة حرب التحرير، تماما كما لم تنفع مؤامرات إثارة الفتن الطائفية والاغتيالات الجماعية في تحويل اهتمام المقاومة عن هدفها الأساسي.

الثورة العراقية من الحركات الفريدة في التاريخ الحديث فهي لا تحصل تقريبا على أي سند من حكومات دول الجوار بل على العكس هناك حصار حولها، غير ان ذلك لم يمنعها من تكبيد أكبر قوة عسكرية في التاريخ نكسات عسكرية. فعراق ما قبل الغزو في سنة 2003 كان يملك جيشا نظاميا وتنظيمات عسكرية يفوق تعدادها المليوني رجل، زيادة على انه كانت لدى المواطنين العراقيين أكثر من 90 مليون قطعة سلاح أي أكثر من 3 قطع لكل فرد أطفالا وشيوخا، ففي كل بيت كانت هناك اسلحة ولدى كل عشيرة وقبيلة الاف قطع السلاح، كما كانت هناك في مخازن الجيش العراقي والحرس الجمهوري ملايين الأطنان من الذخائر والأسلحة المختلفة التي وإن كانت قديمة نوعا ما وغير ملائمة لحرب نظامية إلا انها نافعة في حرب عصابات كالتي يخوضها العراقيون الآن.

ويجب التذكير بأمر آخر وهو ان العراق كان حتى الغزو يملك أحد أفضل المدارس والكليات العسكرية ليس في المنطقة الشرق أوسطية وحدها بل في العالم أجمع وهذا بحسب اعتراف الغرب نفسه، كما توفر العراق على مئات الآلاف من الخبراء العسكريين الذين تكونوا خلال الصراعات العسكرية التي خاضها بلدهم، وفي العراق كانت هناك قاعدة صناعية عسكرية بنت الصواريخ التي ضربت اسرائيل في سنة 1991 وكان مداها يقارب 1500 كيلومتر، كما عرف علماء العراق اسرار الذرة وكل العلوم الحديثة، ولهذا فليس العراق او العراقيين في حاجة الى خبراء أجانب ولا تدريبات أو أسلحة من الخارج ليواصلوا ضرب الاحتلال وعملائه.

المقاومة العراقية قالتها بوضوح ولعدة مرات، لا تفاوض مع الولايات المتحدة سوى على جدولة الانسحاب ولا شيء آخر ولن ينفع لجوء بوش إلى أي طرف خارجي في إنقاذه من الهزيمة الحتمية في بلاد الرافدين. وبما أن المحافظين الجدد في واشنطن يعرفون هذه الحقائق ويجانبونها فإن العديد من المراقبين لا يستبعدون ان يكون التفاوض مع دمشق وطهران مناورة لإرضاء الديمقراطيين الذين يسيطرون على الكونغرس ومحاولة لكسب الوقت. التاريخ سجل دائما ان الإمبراطوريات الاستعمارية تجانب الحقائق دائما وحتى النهاية أي حتى الهزيمة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات