السبت 10/مايو/2025

الثالوث المستهدف

سوسن البرغوتي

تزامنت التفجيرات في مناطق مختلفة في بيروت مع القصف المتبادل بين فتح الإسلام والجيش اللبناني، في وقت دعا السيد حسن نصر الله الى تشكيل حكومة إنقاذ وطني، مما سارع بتيار التدويل في لبنان إلى اختلاق أزمة، لها دلالات عدة، غير تلك المعلنة من جميع الاطراف المعنية، كما أن تسارع بناء جسر جوي أمريكي، أثار هواجس المقاومة الفلسطينية واللبنانية .

وبالعودة الى قرار 1701، فإنه لا يدعو للشك، في نوايا نزع سلاح المقاومة تأديباً وإنهاءً لأي محاولة مواجهة مع الكيان الغاصب، وتمهيداً لتطبيق المبادرة العربية، وعلى ضوء اجتماعات سرية، غير معلنة، للالتفاف حول حق العودة،والتفاوض نيابة عن الأصحاب الشرعيين للحق، وذلك بالتعويض أو التوطين، واستبعاد رجوع أهل المخيمات إلى أراضيهم، وتعويضهم عن سنوات التشرد والشتات.

بعدما فشلت جميع الخطط الأمريكية في العراق، وخوف الجوار المتزايد من اتساع رقعة الفتنة الطائفية، التي تهدد أمن الأنظمة الحاكمة، وهو ما نوه عنه بوش إبان إعلان الخطة الأمنية باستراتيجيته الجديدة، إن فشلت، فستعاني البلدان المتحالفة، من فوضى مدمرة للأرض والإنسان.

الظروف ومناخات الانقسام العربي مهيئة، لضرب عدة أهداف بآن واحد، لعل وعسى يداري الاحتلال خيباته المزودجة في العراق والجنوب اللبناني، وفي محاولة لزيادة الضغط على المقاومة الفلسطينية لدفعها للاستسلام، ورفع الراية البيضاء لصالح تيار المنفصلين عن المصلحة العليا للشعب وقضيته، وقد بدأت ملامح انفصال علني من خلال تصريحات بعضهم بمقارنة الأوضاع بين الضفة الغربية والقطاع، كونه يحكم السيطرة على مدن الضفة الغربية.

وبعد هزيمة الكيان الغاصب الصيف المنصرم في الجنوب اللبناني، واندحار أسطورة (الجيش الذي لا يُهزم)، وعجزه عن الرد أو معاودة الهجوم للوصول إلى عقر دار المقاومة اللبنانية في الجنوب، بات من المهم نقل التخريب والدمار إلى مناطق لبنانية أخرى، والتخلص من الفلسطينيين، بإقحامهم في أتون حرب لن تكون بأي حال إلا إنهاكا للفصائل الفلسطينية وتدمير قواعدها، وعودة لاستنزافهم بحرب المخيمات، خاصة وبعض الفصائل تطالب القضاء على فتح الاسلام، وتدخل بشكل تدريجي في لعبة خطيرة على لبنان والمخيمات.

أما الجيش اللبناني وعدم كفاءته عسكرياً، فهو حافز ومحرّض لتبرير طلب النجدة من القوات الحليفة للحكومة اللبنانية، وهذا يذكرنا بما حدث سابقا من سرعة تواجدهم في الخليج، وتلبية الطلبات بشكل يذهل ويفاجئ العالم، والخطط جاهزة ومسبقة الصنع.

لم يعد لبنان مستقلا، والقوات الدولية تسرح وتمرح على أرض الجنوب، والقوات الأمريكية ستحكم الإطباق على شمال لبنان، أما المنطقة الوسطى فهي مسرح لاختراقات الموساد وسطوة القوات اللبنانية وغيرها من المليشيات التابعة لجنبلاط، والغاية من هذا كله تصعيد الأحداث لضرب عدة أهداف بحجر ما يسمى بفتح الإسلام، وإظهار أن الإسلاميين متطرفون إرهابيون مخربون.

اشتعلت النيران أسرع من المتوقع، ووصلت النجدة الأمريكية، ولكن لمصلحة مَن وضد مَن؟!.

المتضرر من الوضع اللبناني غير المستقر، جميع اللبنانيين، لكن المتضرر الأكبر هي الحكومة الفاقدة للشرعية بالدعوة لتشكيل حكومة إنقاذ وطنية، فالتفجيرات المفتعلة هنا وهناك لم تجد نفعا، ولا ضخ أموال العرب المعتدلة، لتطويق المقاومة اللبنانية والفلسطينية، والرضوخ لمشروع المستقبل “المعتدل”.

أما الحلقة الأضعف في هذه الأحداث، فهم الفلسطينيون الذين لا ناقة لهم ولا جمل ويتعرضون للقصف العشوائي، وحشد الأسلحة الثقيلة في المخيمات، ودون علم مسبق بما يجري، ومبرر فتح الإسلام من المواجهة واهية، فهل التصدي للجيش للقضاء عليه، أم سحب قواته من الجنوب وتشتيت طاقاته، أم الشغب المقنن، وازدياد مخاوف المقاومة اللبنانية بظهور طرف آخر ومحسوب على الإسلام المتطرف، حسب زعمهم؟، وذلك بالمحصلة يعني جولة اقتتال جديدة بين أصحاب الدين الواحد، مما سيحد من فعاليات إيجابية وانشغال المقاومة اللبنانية بالعدو الجديد، وبالمطالبة بالإصلاح الداخلي، ورد أي اعتداء “إسرائيلي”، ويقوي من موقف قوى 14 شباط، ويجعل من الإرهابيين الجدد عنواناً لتحالف سريّ لتطويق المقاومة من كل الجهات، ومبرراً للهجوم على المخيمات الفلسطينية.

الدعم العسكري والمالي الأمريكي لحكومة السينورة، ليس من أجل القضاء على مجموعة مسلحة، إذ كيف أصبح لها هذه القوة، ومن له مصلحة في تمويلها ودعمها وتقوية شوكتها، ولماذا في هذه المرحلة وهذا التوقيت، وما مبرر التصادم مع جيش نظامي، في حين من اقتحم مكاتبهم بطرابلس شعبة المعلومات؟، أليس هذا الذي حدث بفعل تدخل خارجي مباشر لإنقاذ تيار تدويل لبنان، وتوريط آخرين لمحاربتهم، وهي سورية وفصائل المقاومة الفلسطينية في لبنان، كي نكون واضحين؟.

ورغم التصريحات المبطنة باتهام سورية فالمنطق ينفي ذلك، إذ كيف يمكن لسورية أن تدعم جماعات “سنية”، وهذا يتناقض مع تحالفها مع المقاومة اللبنانية ومع إيران. أما الأنظمة العربية المعتدلة، فهي التي تطالب بالوقوف إلى جانب السنة في حربها المعلنة ضد الشيعة، ولعل الفتوى بعدم جواز الوقوف إلى جانب المقاومة اللبنانية كونها شيعية، تُظهر مجدداً أوراق الفتنة الطائفية في لبنان بعد العراق، وكل الأوراق والوسائل، تدخل في الإطار العام لخطة توسع دائرة الفوضى والحرب على العرب.

 
الدور الخفي الذي وقف مع المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الروس، ثم تبرأ منهم وانقلب عليهم، هو من يقف وراء دعم ما يسمى بفتح الإسلام في لبنان، وسينقلب عليهم مع وصول قوات أمريكية، وإعلان أن “آخر الطب الكي” بنار دخول لبنان في مرحلة حسم المواقف بالسلاح. فالإدارة الأمريكية استنفذت كل المحاولات السرية والعلنية، والكيان الصهيوني رغم ضعف وتهالك الحكومة والمؤسسة العسكرية، إلا أنهما كنظام احتلالي، يشتركان في إخفاء فشلهما، وتطبيق نظرية أن خير وسيلة للدفاع هي في الهجوم، والهجوم العشوائي على وجه التحديد.

اتضحت صورة استخدام أمريكا وحليفتها، لأدوات عربية وفي كل بلد، نجدهم نفس الزمرة بوجوه مختلفة، لكن التأثير الأقوى على الشارع العربي، كان الإعلام البديل، وما استطاع تحقيقه من انقسام في جبهة الممانعة والمقاومة المدنية- السياسية، ولهذا فإن الشارع العربي على المحك، وإعلان حالة الطوارئ في الجمعيات الوطنية والالتفاف حول المقاومة، هو أول خطوة تسد ثغرات الاختلاف والخلافات، وتحول التفاف الشعوب مع المقاومة المسلحة، وعندها يعيد الشارع العربي عافيته وبوصلته إلى مكانها الصحيح، فتيار سلطوي يدفع بكل قوته ودعم أمرو- صهيوني لإنكار حق الشعوب، وتيار آخر يدافع عن إنقاذ ما تبقى لنا كعرب من كرامة وارادة، فأيهما ينجح في مساعيه، خاصة أن المقاومة في فلسطين ولبنان، صمدا لسنة ونيف في ردع تنفيذ الفتن الطائفية والحزبية، وإدخالهما في مواجهات داخلية شاملة، والغاية إضعاف البنية التحتية لكليهما، فما موقف الشعوب العربية من الخطط الأمريكية المتنقلة؟!.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات