الإثنين 12/مايو/2025

العزلة الأزلية: اليهود من أين إلى أين؟

العزلة الأزلية: اليهود من أين إلى أين؟

«المشروع الصهيوني كله بات يبدو كأنه قد تحول إلى منشأة وقود وغاز مرشحة للاشتعال، وإنه ليس هناك ما يمكن عمله بهذا الشأن (…)، المدن والبلديات والمصانع والشوارع تبدو كأنها لم تبن ولم تشق ولم يتم تطويرها بشكل مهيب، طوال مائة سنة من العمل الشاق والتضحيات بالذات«. (يديعوت أحرونوت)

الفقرة السابقة نقتطفها من احد أهم الصحف التي تنشر وتباع في ما تحتله «المدللة« من أراض فلسطينية، وهذه الفقرة أعلاه تتوقع ضمن مفرداتها هنا وضمن مفردات النص الكامل زوال الكيان الصهيوني من الوجود «حتماً« نتيجة الخوف والذعر الرهيب اللذين تعيش فيهما بكل أوصالها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. إنه على حد تعبيرنا المتواضع نقول إنها زفرات الرمق الأخير لهذا النبت الشيطاني المغروس جبراً في أرضٍ لا تحمل على بساطها سوى شجر مديد العمر طويل النفس مثمر كشجر الزيتون وأغصانه المعطاء.
 
هذا من جهة، من جهة أخرى هناك اليوم في أقطار العالم الكبير من اليهود العقلاء والشرفاء والمبدعين من يرون في هذه المدللة داء آن أوان استئصاله من جسد اليهودية كدين سماوي يدعو إلى المحبة والتسامح ليتمكنوا من إخراج اليهود من العزلة التي فرضتها عليهم هذه المدللة اللعوب وجعلتهم يركنون إليها في أقطار العالم الذي ينتمون إليه منذ أمد طويل، وهي عزلة ليس مثلها عزلة في تاريخهم الطويل وتيه ليس مثله تيه ومعاناتهم الإنسانية الذاتية المنشأ في أحيان كثيرة والسبب كما يقول الرائع اليهودي «كافكا« انهم لم يتعلموا تغيير صناعتهم.
 
في مقال بل قُل دراسة شائقة طويلة تغوص عميقاً بعنوان «مائة عام من العزلة اليهودية: اليهودية من أين إلى أين؟« يصحبنا فيها الباحث الكاتب «جلعاد أتزومن« في رحلة شائقة لتاريخ الصهيونية المظلم ومساوئها الكبيرة والكثيرة على الديانة اليهودية السماوية واليهود اتباعها الصادقين، يفتتحها بعبارة يستلفها من خطاب «ماكس نوردو« وهو خطاب ألقاه في المؤتمر السيئ الذكر الأول للصهاينة بتاريخ التاسع والعشرين من شهر أغسطس عام 1897 ميلادي، والعبارة تقول التالي: «اليهودي المُحرر غير آمن بالنسبة إلى علاقاتِه بزملائه الكائنات، خجول مَع الغرباء، مرتاب من الشعور السري لأصدقائِه. سلطاته الأفضل منهكة في القمع، أَو على أقل تقدير في الإخفاء الصعب لشخصِيته الحقيقية«.. ثم يعرج بنا الكاتب إلى فقرة شديدة الوطأة على الصهيونية لا ريب في ذلك حيث يجيء: «الصهيونية لَمْ تَعُدْ حركة فتية وشابة إنها اليوم عجوز شمطاء«. سقطت أسنانها وخفت سمعها وراح بريق بصرها إن كان لها بريق أصلاً، هي «اليوم أبعد ما تكون عن حركة أيديولوجية موحّدة«. تتخبط في كل اتجاه تبحث عن لوح طافح على بحر الإنسانية العظيم لينتشلها مما هي فيه ومن نهايتها الحتمية التي تراها ماثلة أمامها كحقيقة لا مفر منها: الغرق في طوفان العدالة. وإنه بعد مضي ما يقارب من ما يزيد على المائة عام من تاريخها السيئ ومضي «تسعين عاماً« على وعد «بلفور« (1917) (وهو في الحقيقة ليس وعداً قاطعاً إذا ما تمعنا جيداً في ظروفه ومفرداته) ومضى ما يقارب من ستين عاماً منذ «حدوث التَطهير العرقي الجماعي للأغلبية الواسعة للسكان الفلسطينيين الأصليين«.. يقول: الحركة «هي اليوم أبعد ما تكون عن حركة أيديولوجية موحّدة« اليوم لا يعرف لها مقر رسمي فالكاتب لا يعرف إذا ما كانت مكاتبها في «القدس« عند «أولمرت« أو قريب منه أو في «الوول استريت« شارع المال في مدينة «نيويورك« ويتساءل بداية عما إذا كان هناك «استمرارية أيديولوجية خطيّة بين الرؤية الإسرائيلية لمصالح الشرق الأوسط ومصممي مشروع القرن الأمريكي الجديد؟« وهَلْ هناك استمرارية بين الجريمة التي تُنفّذُ ضدّ الشعب الفلسطيني في غزة باسم الحرب على الإرهاب والجريمة ضدّ الشعب العراقي باسم «تحرير؟« الكاتب لا تنقصه الشجاعة الادبية أو المفردات والحقائق لكي يجيب عن مثل أسئلة كهذه. يقول: إن الصهيونة عملت ضمن ما عرف بينهم بـ «المصالح اليهودية الأساسية« وهي كذبة كبيرة جداً لم تنطل على الكثير من اليهود التي انتابهم «قلق اخلاقي« كما يذكر الكاتب، ناهيك عن غير اليهود، وهذه «المصالح« تقتضي «احتلال فلسطين« «تعبئة الرأي العالمي من أجل الدعم« «يحول المحافظون الجدد الجيش الامريكي قوة تحارب الجيوب العربية المناهضة لقيام هذه الدولة« وهم اليوم يقول الكاتب يصورون أحمدي نجاد على انه «هتلر العصر« مع قوى «الاسلام الفاشستي« المتأهبين لإتمام العمل الاجرامي النازي في تصفية الصهيونية واليهود. يقول «الصهيونية اليوم« هي اليوم موجودة «لتقدم تصور حاسم« لـ «الهوية اليهودية المُعاصرة بالإضافة إلى الشؤون اليهودية«.
 
يقترح الكاتب أن يؤخذ بفكرة اعتبار الحركة الصهيونية «كمشروع عشائري لحفظ اليهود«. (اليهود يغفل الكاتب انهم حافظوا على هويتهم طوال بضعة آلاف من السنين من دون الحاجة إلى حركة كالحركة الصهيونية لتحافظ عليهم بطرق ملتوية) أو يقول «كحركة عالمية يهودية التي تهدف إلى منع الاستيعاب«. او «كملغم« لـ «فلسفات متعدد« تتخصص في «اشكال متعددة من التحرر« ومثل هذا التفسير يقول إنه سوف «يوسع دائرة النقد« و«قَدْ يُسلط بَعْض الضوء الجديد« على: «القوة المهمة للصهيونيةِ العالميةِ، الدعم العام العالمي لليهود لدولة اسرائيل«. «وقد« يقول «نُدركُ للمرة الأولى دور تلك الأصوات اليهودية المتقطعة التي تعارض الصهيونية«. وبهذا يقول «قَدْ نَكْسبُ فَهْما أعمق للعقيدة (…) عندما نُدركُ ما هي الصهيونية، وقَدْ نكون أيضاً قادرين على الفَهْم للمرة الأولى فقط الذي يُعارضُ الصهيونيةَ الحقيقية«. الكاتب يعرج على التاريخ وعلى أمور أخرى كالأخذ بفكر الالحاد وغيرها ليؤكد أن اليهود حتى إن تخلصوا من الله أي أصبحوا ملحدين أو غير ذلك فإنهم لايزالون يختنون أولادهم ومازالوا يصرون على الاعجاب بتاريخهم ومازالوا يحبون التحدث بلغة «اليديش« ويؤكدون انهم جزء لا يتجزأ من الجالية اليهودية في أي مكان ويؤكد الكاتب ان اليهود لا يختلفون عن الكاثوليك والمسلمين والهندوس وغيرهم ممن تركوا ديانتهم وديانة آبائهم فهم مازالوا يعتبرون أنفسهم ضمن تلك المجاميع البشرية ويورد نصاً مقتبساً لأحد اليهود المنعتقين من الدين يقول التالي: «أردتُ أَنْ أَبْقى يهوديا«. أُريدُ إثْبات أنّ هناك طريقة وجود يهودية لا تَتضمّنُ قول الصلواتِ إلى اله لا تُؤمنُ به«. ثم يذكر الكاتب عن نفسه بأنه «فلسطيني يتحدث العبرية« وبكل فخر «يهودي كاره لذاته«.

يخلص الكاتب إلى أن النمط الحالي لليهودي واضح وجلي في كثير من الأحيان فهو يريد أن يحيا ويحافظ على حياته عن «طريق العزلة« نتيجة إزهاق كثير من الأرواح بينهم فهم لذلك «يكرهون زعماءهم المسئولين عن وضعهم في مثل هذا الحالةِ الفوضوية«. ويسخر من الديمقراطية الاسرائيلية «ديمقراطية تحرّرية غربية فخور« و«الوحيدة في الشرق الأوسط« لكونها ديمقراطية تجلب «الموتَ والتَطهير العرقي«. واليهود اليوم يذكر الكاتب يكرهون «أولمرت« «لعمله الانتقامي في لبنان« كما كرهوا من قبل «شارون« (مصاص الدماء) وإن هناك «استياء كبيرا« لمثل هذه الاعمال غير الانسانية داخل «إسرائيل« ونتيجة لذلك هناك «نزاع حادّ ضمن الروحِ الجَماعية الإسرائيلية« وإن «الإسرائيليين يَكْرهونَ أنفسهم، يَكْرهون حالتَهم المنكوبة. يَكْرهون الحقيقة بأنهُمْ لَرُبَما فَقدوا الجيتو للأبد«. وإنهم حتى هذه الساعة لم يحالفهم النجاح، بل أخفقوا أيما إخفاق «في الانْضِمام إلى مجموعة الدول«. يختتم الكاتب بالقول: إن هناك طرقا ثلاثا أمام الصهيونية أولها: التحول إلى «قبيلة يهودية سياسية« ثانيا تحويل الجيتو إلى «منتدى بلا نوافذ« والخيار الثالث هو «الانعتاق من اليهودية« أو «أيّ شكل آخر مِنْ القبليّةِ اليهودية«.
 
مع كل ما تقدم يجب ألا ننسى ان نقول للغربيين المعاصرين أحفاد صانعي ومروجي «الصهيونية« الحديثة بكل مساوئها إن اليهود وإن رأى بعضٌ منهم (اليهود) انهم من كوكب آخر أو «شعب الله المختار« هم من هذه الأرض العربية ومنها منبعهم وهم ليسوا غريبين عنا إطلاقاً، نحن نعرف أنبياءهم عليهم السلام ونعرف عن تيههم وعن مبدعيهم وعن رجال كثر منهم عبر التاريخ لهم بصماتهم ونعرف عنهم أشياء كثيرة ونعرف انهم قد رحلوا بملء إرادتهم عنا إليكم في الغرب كما رحل كثير من البشر وانتشروا في ارض الله الواسعة لكي يضيفوا شيئاً جميلا إلى حضارة الغرب المظلمة يوم ذاك حيث جعلتموهم «وسيلة« لا «غاية« ورأيتم فيهم «عبئاً على الحضارة الغربية«، ذلك اليوم الأغبر في تاريخكم نتمنى ألا يعود، اليوم أنتم أيها الغربيون (الصهاينة والمتصهينون ومن هو في جداول قوائمهم المشبوهة) تحاولون جهدكم ترحيلهم إلينا من جديد بطرق ملتوية تشوبها شوائب عدة وتناصرون القتلة الذين قد تبرأ منهم اليهود أنفسهم لأن قلوبكم وفلسفتكم لاتزال في غيها وطغيانها ولا يمكن لها أن تستوعبهم لا كـ «وسيلة« وكـ «غاية«، كما يجب علينا ألا ننسى أن نذكركم بأننا بعثنا إليكم المسيحيين والمسيحية والمسلمين والإسلام ونرجو ألا تفعلوا بهم الشيء ذاته إذا ما اسودت الدنيا في أعينكم. إنكم يا أهل الغرب لم تحسنوا معاملة ضيوفكم يومذاك نتيجة جهل عظيم وعذبتموهم أيما عذاب وأريتموهم نجوم الظهيرة في عز مجدها وجعلتم منهم مسخا كما جاء في كتاب الرائع كافاكا وهو يهودي. رجاء نقول اتركوا لنا يهودنا ومسيحيينا ومسلمينا، نحن أقدر منكم كما يثبته تاريخنا الطويل والعريق منكم في التعامل معهم بإنسانية ورحمة. نحن نرحب بعودة أبنائنا الضالين والمغرر بهم كأي مواطن مخلص. أما هذه المدللة المغرورة والمغرر بها بوقوفكم إلى جانبها لسبب مازال ضمن الأسرار الكبرى أو لسبب شعوركم بالذنب لما جرى عليهم بين ظهرانيكم فسوف نعلمها درساً لن تنساه أبد الآبدين. فقط انتظروا فصور الحقيقة والحق سوف تأتي تبعاً. نختتم : «قطعة غيم سوداء بينك وبين الشمس، تحجب ضوءها عنك، وأصغر خطيئة فيك، تحجبُ نورك عن سائر الناس« .

 
* صحيفة أخبار الخليج البحرينية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....