الأحد 11/مايو/2025

حقيقة الخيار العربي

وائل كريم

لعل أهم النتائج التي أفرزتها المواجهات الأخيرة التي شهدتها الساحة الفلسطينية هو عودة الحديث مجدداً عن الخيارات العربية فقد بات واضحاً للعيان أن شيئاً ما يحاك الآن بواسطة أقطاب الاعتدال العربي !
بل تعدى الأمر ذلك ليصبح التلويح بالخيارات العربية بصيغها المختلفة مثار جدل بين النخب العربية كحل جذري لمشكلة الصراع الدموي الذي تشهده الأراضي الفلسطينية فقد جرت العادة أن أبواق النظام الرسمي العربي من إعلاميي و مثقفي هذا الزمان يأخذون دورهم كأداة لجس النبض و قياس رد فعل الرأي العام حيال المشاريع السياسة التي يجري الإعداد لتطبيقها . و قد يتعدى دورهم إلى تهيئة الرأي العام لقبول تلك المشاريع .

ارتباط تلك النخب بالنظام الرسمي العربي يضع كثيراً من النقاط على الحروف و يعلل لنا السبب الحقيقي وراء تشويه معادلة الصراع في فلسطين لتغدو في تلك الصورة البائسة. فحماس وصلت للسلطة من خلال انتخابات حرة نزيهة شهد العالم لها لكن الفلسطينيين ينقصهم الكثير من الخبرة في “فنون الديمقراطية ” و هذا النقص في الخبرة الديمقراطية يفرض على الجامعة العربية أن يكون لها دور في تلك المعادلة حقناً لدماء الفلسطينيين و تحقيقاً للدور الريادي للجامعة العربية !

بعيداً عن الاستغراق في تفاصيل ما يحدث في فلسطين .. لكن قراءة أخرى صادقة و دقيقة لما يجري ستعطينا صورة أخرى غير تلك التي يروج لها نخب الاعتدال العربي . فالمعطيات على الأرض تشير إلى نصر سياسي إعلامي عسكري حظي به أحد طرفي الصراع دون الآخر الأمر الذي أسس لإيجاد متغيرات جديدة في المعادلة تضمن كبح جماح التفوق السياسي و الإعلامي و العسكري لحماس .. (و توقفوا كثيراً عند التفوق العسكري !) .

ما حدث في غزة لم يكن مجرد صراع أجندات كما يحلو للبعض تقزيمه بل كان تحدياً واضحاً و صريحاً للمشروع الأمريكي في المنطقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى فقد استطاعت حماس أن تتعامل مع الموقف بكل حنكة و دهاء و أن تتخطى الإطار الضيق للصراع الذي عمدوا على تأطير الصراع داخله لتغدو مواجهة شاملة أحد طرفيها حماس كجهة تمثيل شرعية للفلسطينيين و ثوابتهم مقابل الطرف الآخر ممثلاً بالاحتلال الصهيوني و وكلاء المشروع الأمريكي في فلسطين..

أمام عجز و تقهقر وكلاء المشروع الأمريكي في فلسطين و التخبط الذي تغص فيه المؤسسة العسكرية الصهيونية و فشل النظام الرسمي العربي في إدخال حماس لبيت طاعتهم.. كان لابد من إيجاد صيغة أخرى و متغيرات جديدة في المعادلة.. و هنا لابد من الإشارة لما يجري في العراق فسقوط و تقهقر المشروع الأمريكي هناك يرتبط ديناميكياً بما يجري في فلسطين بل و يلعب دوراً هاماً في طبيعة الخيارات الجديدة.

ما يروج له الآن من خيارات هو دخول قوات تحت راية الجامعة العربية تتكفل بحفظ الأمن داخل المدن الفلسطينية و تتكفل بالإشراف على المعابر بين الفلسطينيين و الصهاينة و تتولى شخصيات عسكرية عربية مهمة إعادة صياغة المؤسسة الأمنية الفلسطينية !!!
طبعاً لا بد من تهيئة المناخ المناسب لدخول تلك القوات.. و يتأتى ذلك من خلال هدنة بين الفلسطينيين و الصهاينة و تتولى تلك القوات مهمة الإشراف على تلك الهدنة !

تساؤلات عديدة تطرح نفسها هنا حول مغزى و حقيقة هذا الخيار فالمتابع لدور الجامعة العربية في قضايا و أزمات الأمة العربية يجده دوراً باهتاً خالي الوفاض من أي إنجاز يذكر.. لكن لا مناص الآن من إحياء الجامعة العربية و الحديث عن دورها الريادي سيما وأن حساباتنا الإستراتيجية تنحصر فقط في مبادرة السلام العربية ..!

بعيداً عن العبث و التضليل لا يمكننا قراءة هذا الخيار إلا في سياق تهيئة المناخات المناسبة لتطبيق مبادرة السلام العربية وفق التفاصيل و الحسابات الأمريكية بعد أن ثبت فشل وكلاء المشروع الأمريكي في فلسطين في خلق مناخ مناسب لتطبيق تلك المبادرة وفق الرؤية الأمريكية.

طبعاً هذا الخيار يأتي متزامناً مع التطورات التي تشهدها الساحة اللبنانية من تعزيز لموقف وكلاء المشروع الأمريكي هناك عسكرياً و سياسياً في مواجهة حزب الله كأحد أقطاب الممانعة في المنطقة ..

كبح جماح حماس سياسياً و عسكرياً في فلسطين مضافاً إليه تحجيم حزب الله في لبنان سيلقي بظلاله على الملف السوري مما يستتبع تغيرات جذرية في الموقف السوري سيما وأن الموقف الآن في الكيان الصهيوني يسير في اتجاه تقديم “تنازلات مؤلمة” في الملف السوري تأسيساً على أن تلك التنازلات سيكون لها أثر إيجابي لصالح الكيان الصهيوني .

كل ذلك مضافاً إليه ما تعرضنا له خلال سنة و نصف تقريباً من حصار و اغتيالات و فوضى خلاقة و عبث إعلامي لم يكن سوى الخطة (أ) التي في حال فشلها يمكن استغلالها كأرضية للشروع في تطبيق الخطة (ب) .

و ها هي الخطة (ب) تأتي في ثوب الإجماع العربي لتنتزع صفة التمثيل الشرعي للفلسطينيين من حماس . و من ثم يأتي الوقت المناسب لتصفية القضية الفلسطينية في صيغة شمولية أكثر و ذات بعد عربي يدرك مصلحة الفلسطينيين أكثر من فصائله المتنازعة على مناصب و كراسي !!
ألا سحقاً لكل مؤامرات التصفية و سحقاً لكل الوكلاء بل سحقاً للإجماع العربي إن انعقد على حساب ثوابتنا و حقوقنا ..

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات