الإثنين 12/مايو/2025

بازار المساومات افتتح في «العمل»

بازار المساومات افتتح في «العمل»
أنهى حزب العمل ليلة أمس الأول تصويته في الانتخابات التمهيدية لاختيار زعامة الحزب، لكنه لم ينتخب زعيماً. فقد عجز أي من المتنافسين عن نيل النسبة التي تسمح له بأن يكون زعيماً. ومع ذلك فإن الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، زعيم الحزب ووزير الدفاع حالياً عمير بيرتس، كان في الوقت نفسه الرابح الأكبر. فقد خيب آمال خصومه وبرهن على أنه يمتلك معسكراً مبلوراً يضم حوالى خمس أعضاء الحزب، ما جعله في موقع الحكم بين معسكري خصميه إيهود باراك وعامي أيالون.

وبعد ظهور النتائج النهائية وحصول باراك على 35.6 في المئة الأصوات، وأيالون على 30.6 في المئة من الأصوات، بادر الجميع إلى توجيه التهنئة لبيرتس على نيله 22 في المئة من الأصوات. فبيرتس، الذي أعلن مسبقاً أنه سيتنازل عن وزارة الدفاع، بات عملياً الرجل القادر على تتويج أي من خصميه. فإذا أفلح في إبرام صفقة مع باراك فإن رئيس الحكومة الأسبق سوف يقود حزب العمل في الانتخابات المقبلة. وإذا عقد الصفقة مع أيالون، فإن أميرال البحرية هو من سيكون زعيم حزب العمل المقبل.

وبكلمات أخرى، فإن أسهم بيرتس تضاعفت في بورصة السياسة الإسرائيلية برغم خسارته لزعامة الحزب. ويوم أمس كان بيرتس الوحيد بين المرشحين الذي ألقى خطاب انتصار، أكد فيه أن لديه معسكراً متكاملاً وقوياً ذا جدول أعمال اجتماعي وأنه سيعمد في القريب العاجل إلى ترسيخ مكانة هذا المعسكر في مفاوضاته مع الآخرين. وليس لذلك من معنى سوى بدء المساومة الكبرى على موقع بيرتس في الحزب والحكومة، خاصة أنه من أنصار البقاء في حكومة أولمرت.

ومن المقرر أن تجري الجولة الثانية من الانتخابات بعد أسبوعين بين كل من باراك وأيالون. وبرغم تفوق باراك على المرشحين الآخرين وفق نتائج الانتخابات التمهيدية، فليس في ذلك ما يشير إلى النتائج النهائية، إذ ان حزب العمل منقسم عملياً بين أعداء باراك وأعداء بيرتس. وهذا يعني أن قراءة واقع حزب العمل تتطلب ما يزيد كثيراً عن النظرة الظاهرية.

فبين المرشحين الخمسة، كان داني ياتوم هو الأقرب إلى باراك، فيما القرابة الفكرية والسياسية أوضح وأوثق بين أيالون وكل من بيرتس وأوفير بينس. وبحساب أولي، فإن باراك وياتوم سوية حصلا على أقل من 40 في المئة من الأصوات. وفي المقابل، فإن أيالون وبيرتس وبينس حصلوا على أكثر من 60 في المئة من الأصوات.

غير أنه حساب أولي، لأن نسبة التصويت والقدرة على تجنيد الأصوات في الجولة الثانية هي على الدوام أقل مما هي في الدورة الأولى. حينها تغدو المعسكرات الأشد تنظيماً الأقدر على المحافظة على الزخم وحسم المعركة. وعدا ذلك فإن اعتبارات أخرى تتداخل مع الشأن الحزبي في انتخابات الدورة الثانية، بينها طبيعة الظرف السياسي والأمني. فزعيم الحزب هو من سوف يخوض الانتخابات ضد زعماء الأحزاب المنافسة، وفي الذهن هنا على وجه التحديد، زعيم الليكود بنيامين نتنياهو.

وبينت الانتخابات التمهيدية في حزب العمل أن البرامج السياسية أو الاجتماعية لم تؤد أي دور حاسم في الانتخابات، ربما جراء إيمان الأعضاء بعدم صدقية هذه البرامج. ولهذا السبب تحدث كثــير من المعلقين في إسرائيل عن غرائب التصويت في حــزب العمل. فقد نال باراك نسبة عالية من الأصوات في الوسط العربي الذي يعتبر أحد مراكز الثقل الانتخــابية داخل حزب العمل. (ومن أجل توضـيح الصــورة، فإن القانون الإسرائيلـي يلزم المــواطن بألا ينتــسب في الوقت نفسه لأكثر من حزب سياسي واحد من دون أن يعني ذلك الالتزام بالتصويت لهذا الحزب في الانتخابات العامة).

ولأسباب كثيرة، تنتشر في الوسط العربي مظاهر المقاولة السياسية في كل ما يتعلق بعضوية الأحزاب. ويمكن لمقاولي الأصوات أن يوفروا قوائم عضوية لأي من الأحزاب بما في ذلك الأحزاب الصهيونية، طالما أن ذلك لا يلزم بالتصويت لهذه الأحزاب في الانتخابات العامة.

وتقاسم باراك الوسط العربي مع بيرتس بشكل أساسي، نظرا لقوة علاقات بنيامين بن أليعزر، المقرب من باراك، في أوساط مقاولي الأصوات العربية. ويمكن أن تكون لحرب لبنان صلة بتراجع تأييد الوسط العربي لبيرتس، فيما لم يحظ أيالون تقريبا بأي وزن لدى العرب.

ومن جهة أخرى لا بد من الملاحظة أن باراك، المقرب من أوساط رجال الأعمال ورأس المال، نال تأييــداً واسعاً في «مدن الضواحي» في الجنوب والشــمال. وعنى ذلك أن الأوساط الفقيرة والدنيا في حزب العمل تميل إلى الرجل الأمني الذي يمثله باراك، فيما تريد المدن والشرائح العليا الاستقرار الذي قد يجـلبه أيالون.

ومن المؤكد أن هذا يجعل الصورة النهائية لنتائج الانتخابات لزعامة حزب العمل بعد أسبوعين مشوشة. ففي إسرائيل يقال ان كل شيء ممكن في السياسة. ولا ريب أن بازار المساومات قد افتتح وأن الأسبوعين المقبلين سيشهدان أكبر عمليات مقامرة وابتزاز على الصعيد الداخلي في حزب العمل.

كما أن من المؤكد أن نتائج الانتخابات ستؤثر بشكل كبير على مستقبل حكومة أولمرت. ومن المعروف أن أيالون وبينيس أعلنا عدم قبولهما البقاء في حكومة برئاسة أولمرت. وليس هذا موقف بيرتس الذي يرى أن البقاء في الحكومة هو تأكيد على الاستقرار السلطوي الذي تحتاجه إسرائيل حاليا. ويؤمن باراك أن بالوسع البقاء في حكومة برئاسة أولمرت، طالما أن هناك اتفاقا على تقديم موعد الانتخابات.

 
* صحيفة السفير اللبنانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات