الأحد 11/مايو/2025

إلى الذين يخرقون السفينة!

د. وليد المدلل

ما أن قدم وزير الداخلية استقالته حتى كشف عورة الوضع الهش، الذي لم يكن بحاجة إلا أن تهزه رياح الحقيقة ليتهاوى، وهو المسنود بقشة، مرة أخرى تنحرف البندقية عن وجهتها ويصبح القتل على الهوية عنوان المرحلة، ويتبلد الشعور، ولا نعرف عن أي النكبتين نتحدث عن تلك التي صنعها أعداؤنا أم أخرى نصنعها بأيدينا. علينا أن نرفع القبعة لهذا الرجل الذي لم يبهره بريق المنصب في أن يتحمل المسؤولية ومقتضياتها، وحين عجز أو شعر بالعجز رماها في وجه من أراد أن يجعل منه حصان طروادة.

المشاهد المتوالية للشارع الغزي بخاصة تعيد إلى الذاكرة المجهدة حالة الاقتتال التي كان عليها هذا الشارع قبل شهور قليلة، على الرغم من تعهد الأطراف في مكة المكرمة بكبح جماحه، لتطل علينا ومن جديد هذه الحُمى التي تحتاج إلى وقفة جادة، فعلي الرغم من القبول الواسع الذي حظي به اتفاق مكة لدي قطاعات واسعة من شعبنا، إلا أن هذا الاتفاق لم يكن في حقيقة أمره أكثر من صلح عشائري، صحيح أنه أحدث حالة من الراحة والرضي أعقبت حالة من الانشداد والتناحر، لكنه في الحقيقة ليس أكثر من جرعة من المياه الغازية أثناء الأكل، فالاتفاق لم يعالج الأسباب الحقيقة التي أدت إليه، صحيح أن الاتفاق أوقف النزيف، لكنه لم ينظف الجرح ولم يخيط اللحم الذي تمزق، وكان من الضروري متابعة الأمور وبشكل فعال لإنهاء جميع الملفات العالقة، والعمل ليل نهار من أجل تحقيق ذلك وضمان عدم التهاب الجراح مرة أخرى، كما لم يتعاط مع القضايا المتفجرة وأهمها العلاقة بين الرئاسة والحكومة، وما يتعلق بها من صلاحيات، وكذلك ملف الشراكة السياسية، ومنظمة التحرير، حتى بدا تحريك أي من هذا الملفات يحتاج إلى تسونامي فلسطيني، وهو ما يستدعي نظرة أعمق وأدق لتشخيص الحالة.

يجب الاعتراف ابتداءً أن هناك من يخرق السفينة، وأن الخرق يتسع على الراتق، ويتبدى ذلك فيما يلي:

أولاً: بدأ الخرق باتفاق أوسلو الذي شق الشعب الفلسطيني من رأسه وحتى أخمص قدميه، حين كان أوسلو خروجاً على الإجماع الوطني، وحين لم يستشر أحد في السفينة.

ثانياً: افتراض أن اتفاق أوسلو وملحقاته يمثل “مشروعاً وطنياً”، وزاد الخرق حين لم تف إسرائيل بالتزاماتها.

ثالثاً: محاولة حمل الناس على هذا الاتفاق المشؤوم بقوة الحديد والنار، عبر العديد من الأجهزة الأمنية ذات اللون الواحد، والتي دخلت في مطاردة مستمرة لبعض القوى الوطنية والإسلامية لإدخالها في بيت الطاعة، وهو ما كان كفيلاً بزرع العداوة والبغضاء، مع ما ترتب على ذلك من حصاد مر.

رابعاً: أحدث أوسلو خرقاً أمنياً على صعيد النظرية الأمنية الفلسطينية والذي تمثل في تحميل الفلسطيني مهمة حماية الاحتلال، وهو ما نسف نظرية الأمن الفلسطيني التي اعتبرت الاحتلال على الدوام السبب الرئيس في فقدان هذا الأمن، وهو ما طرح إشكالية أمنية وأخلاقية وطنية ما زالت قائمة حتى اللحظة.

خامساً: التقوي بالخارج واعتماد مشاريع وبرامج وأجندات خارجية لا تعكس أولويات وضرورات وطنية.

سادساً: التربية الحزبية الشوهاء، القائمة على ثقافة الكراهية واحتكار الحقيقة، والصراع مع الآخر الوطني وليس على التنافس والتكامل معه، وهو ما أنتج ثقافة اللون الواحد، وأورثنا الكثير من العداوة.

سابعاً: بغض النظر عن المبررات والتسويغات التي تقف خلف الصراع الداخلي، فإن ذلك يؤدي إلى خدش وتشويه الصورة المشرفة والنبيلة للمقاومة والالتفاف حولها داخليا وخارجياً.

ثامناً: غياب أجندة وطنية للمقاومة، وهو ما يجعل المقاومة خاضعة في بعض الأحيان لأجندات فصائلية، ويتسع الخرق حينما نختلف على تحديد ما هو وطني.

تاسعاً: تبدل أولويات المشروع الوطني أمام حالة الاشتباك الداخلي والحصار الخارجي، ومن ثم تهميش أو إهمال التعاطي مع قضايا جوهرية ومصيرية مثل قضية القدس، اللاجئين، الجدار العازل، الاستيطان، تهويد الخليل، وغيرها، وأضحى الحديث حول هذه القضايا حديثاً موسمياً، دون خطط أو برامج.

عاشراً: تناسي أو نسيان وجود الاحتلال الصهيوني، وهو ما يدفع البعض إلى الإغراق في أخطائه وخطاياه في التعاطي مع حقائق الواقع وخياراته الممكنة والمحتملة.

ختاماً إن حرق السفينة وليس خرقها لا يبقي أمامنا من خيار سوي التنازع والتقاتل الذي يذهب بالريح ويخلف الفشل، وصدق الله العظيم إذ يقول: ‏{‏وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ‏}‏‏.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات