السبت 10/مايو/2025

الضمير الغائب

سوسن البرغوتي

اعتداءات يومية.. غارات لا تتوقف.. حصار وتجويع.. قتل وتشريد وعقاب بلا جريمة في معتقلات جماعية، جدار يلتف حول المدن والقرى الفلسطينية كالأفعى المسمومة.. والقدس تهوّد.. والشعب يُعاني من ويلات متتالية، وسلطة مأمورة مفرغة تماماً من محتواها، وثالثة الأثافي كل همه الالتقاء مع أولمرت، وتبادل القبلات مع بيرتس.

وماذا بعد.!؟

إنها محرقة جماعية، ليست ضد السامية بل ضد الإنسانية، وعار على إنسانية العالم، القبول والسكوت عن حصار شعب بكامله، بل ويُدفع به كي يتخلى عن حقه..

عار على الأنظمة العربية الوقوف مكتوفة الأيدي، تلك الأنظمة التي فرضت على شعوبها الخنوع، فلا صوت يناصر، ولا أحد يعترض، وأمامهم على مرأى العين شعب عربي يعاني من ويلات الأسر، لأنه يرفض أن يرفع راية الاستسلام.

لا المفاوضات، ولا للتصريحات المنافقة، ولا لاتفاق مكة ولا للقمم العربية.. فهل منكم من يتحرك قيد أنملة لنصرة شعب يعاني من ويلات الظلم؟.. كيف وقد أتقنوا الخرس، ووقفوا يتفرجون على خيباتهم وتآمرهم العلني، وأتقنوا فن الركوع على امتداد الوطن العربي!.

الشعوب الإسلامية، تصرخ ثم تستكين بعد كل انتهاك لمقدساتنا وشعائرنا، وهي تُنتهك جهاراً نهاراً ، ليس أكثر من زوبعة في فنجان، لا تلبث أن تهدأ، ولا أمل يُرجى من مناشدات المرابطين في المسجد الأقصى، فهل هو أقصى الفلسطينيين، أم هي الأرض المقدسة مهبط الرسالات جميعا، ومهد كل الأديان؟.

ألا فليخجل من يحمل لواء التحضر والتطور، وهو يشهد محرقة همجية بكل ما في الكلمة من معنى تحرق شعباً بأكمله.. فما نفع الكتابات والرسوم والصور، وما نفع الاحتجاجات ومنظمات حقوق الإنسان، إن لم تضع حدوداً للسفاحين، وما نفع الماء إن لم يحرك النهر ليأخذ مجراه الطبيعي، أم تراه تحوّل إلى مستنقع تملؤه الطحالب النتنة لتقتل الحياة!.

من مخيم التنف في العراق إلى نهر البارد في لبنان، مروراً بمجازر غزة اليومية، كلها لا تعني إلا ممارسة منظمة لتصفية الشعب الفلسطيني في المخيمات، وهم يعلمون أن فلسطينيي الشتات في أوربا والخليج والعالم، أبعد من أهل المخيمات الذين يشكلون لبّ المعضلة، لذلك فالمطلوب حلاً التفافياً يلغي حق العودة، لتأتي المبادرة العربية فرصة ثمينة بما جاء فيها من بنود، لدخول الأنظمة المتهالكة متاهات تفاوض يدوم ويدوم ولا يثمر غير الفجيعة، في الوقت الذي يمضي فيه “الإسرائيليون” تقتيلاً وتشريداً للشعب الفلسطيني، على أمل تحقيق أمن لحدود عروشهم..
لا.. لن يهنأوا بالأمن ما دام شعب يعاني من الظلم، ولن يقوم سلام على إنكار وجوده، ويرفض أن يُنتزع منه حقه بالمقاومة لتحقيق أهدافه.

لقد صرحت رايس بأن المقاومة مرفوضة بجميع أشكالها، تكريساً لنظرية استعباد البشر، وبدأت خطة دايتون حيز التنفيذ،
وليبرمان خليفة السفاح شارون، يمارس تنفيذ محرقة حقيقية جماعية “وليست وهمية” على أهلنا بالأرض المحتلة، إلى جانب سياسة التطهير بالمخيمات الفلسطينية المستحدثة في العراق، وفي مخيم  نهر البارد، فما ذنب المدنيين العزل، في قتال بين فصيل من القاعدة والجيش اللبناني، وما الهدف من هذا كله، إلا التخلص من الإنسان الفلسطيني وكسر إرادته؟.

أما الأنظمة العربية، فمن يراهن على ثلاث رُفع القلم عنهم، فهو يناضل سراباً، فالحاكم العربي، إما مسلوب الإرادة، أو يدعم مشروع مملكته الخاصة، بمنأى عن استقرار بلده، وإما يزاود بشعارات فارغة من مضمونها، مكشوفة وعارية ليداري فساد عهد تسلّطه وحكمه الذي فرض التخلف على بلده وعلى جميع الأصعدة، وهو شريك بجريمة علنية.

يبقى الرهان على الشعب العربي في  كل أقطاره وأمصاره، وما يمكن أن تمثله الجبهة العريضة للمقاومة الشاملة، فماذا تعني المقاومة للشعب العربي، وهل يمكن تتويج مقاومة في بلد، واحتكار النضال على حدود معينة، وإستراتيجية ورؤية خاصة ضيقة، أم هي شاملة، بنتائجها وأهدافها وغاياتها؟، في الوقت الذي يشهد العالم والشارع العربي القضاء على  حصون المقاومة المشروعة.

أيها العالم الظالم… الشعب الفلسطيني لن يغفر ولن ينسى ولن يسامح من تسبب في تشريده وظلمه وحصاره وتجويعه وقتل أبنائه، ولن ينسى آلامه وجروحه ومعاناة أطفاله وشيوخه ونسائه، والكل شريك في إيقاع هذا الظلم والإجحاف، فالساكت عن الحق شيطان أخرس وشريك بطريقة ما. هذه هي ثقافة الحقد التي تزرعونها، وسيأتي اليوم الذي تجنون فيه أشواك زرعكم..

اجتماعات ومؤتمرات، مظاهرات ومناشدات، وأوضاع أهلنا في الداخل تمضي من سيئ إلى أسوأ، ورغم كل ما يحدث من عذابات وقتل لم تتوقف التنظيرات الوهمية لحظة، الشعب يُذبح بسياسة ممنهجة، والعرب يختلفون حول تورط حماس بالسلطة، فلتذهب السلطة إلى الجحيم، ولتحيا الثورة. نعم ثورة على المفسدين والعابثين، على كل ما سببته اتفاقية أوسلو من ذل وخنوع، وعلى المسلطين على رقابنا، والمستورثين والمستوزرين.
تلك النغمة الجديدة في هجومات الفتاوي التي ما أنزل الله بها من سلطان، فمن يقول “القاتل والمقتول في النار”، يعلم يقيناً أن أبا بكر الصديق ليس كمسيلمة الكذاب.

يدفع الشعب الفلسطيني منذ النكبة الأولى، ضريبة الدفاع عن هوية العروبة، لتقف الآن في وجهه سدود من نوع جديد عمادها فتاوى من هنا ومن هناك، فتاوى مفصّلة على قدر تسلط المتنفذين، ولكل مقام مقال، في الوقت الذي تمرر الخطة الخبيثة للتخلص من شعب بأكمله، وتحل النكبة الكبرى، والتنفيذ جارٍ على قدم وساق. وماذا بعد، فهل نستطيع أن نجد تفسيراً لمن يمارس الاستهبال وهو ينتمي إلى العقلاء؟. نقولها في اللحظة ألف مرة.. عار علينا أشباه الرجال، ولا رجال.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...