السبت 10/مايو/2025

المؤسسات الأمنية الفلسطينية بين الشرعية و اللاشرعية

م. بدر الدين حمدي مدوخ

الملاحظ و المتابع للشأن الفلسطيني يلاحظ حملات بين الحين و الآخر من قبل الفئات و الفصائل المكونة لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليس لها هدف سوى التشويش على برنامج المقاومة الذي تنتهجه القوى الأخرى و خصوصاً الإسلامية منها، و التشويش على شعبيتها و على برامجها، لكن هذه الموجات و الحملات سرعان ما ترد إلى عقول مدبريها فتربكها لعدم تناسقها أو ملاءمتها لواقع تفكير الناس. فبعض العقول ما زالت تظن أنها أقدر على فهم الواقع من غيرها، ولذلك تجدهم –بحكم واقعيتهم المزعومة- ينتقلون من سقوط لآخر و من هاوية لأخرى، ومع ذلك زينت لهم أهواؤهم أفعالَهم، كما قال الله عن فرعون في سورة غافر ” و صُدَ عن السبيل ” أي صده هواه عن سبيل الحق.

فلو رجعنا لما قبل انتخابات كانون الثاني من العام الماضي لرأينا مثل هذه الحملات، كاعتراضهم على الكتابة على الجدران، واعتراضهم على ما يدعونه أنه تهميش للعلم الفلسطيني على الساحة الفلسطينية من قبل التنظيمات في المسيرات و غيرها، وكذلك الحملات على المساجد بحجة أنها تتبع تنظيمات و غيرها، و لعل من أسذج ما تم طرحه – من الواقعيين آنذاك– وجوب استئذان المقاومة للسلطة قبل أن تقاوم، ومن أكثر الأمور غرابة أن يعترض البعض في بداية انتفاضة الأقصى على وضع حركة حماس شهادة التوحيد شعاراً لها.

ومن الملاحظ أن الموجة الجديدة هي موجة الشرعية و اللاشرعية! فبدأنا نسمع عن القوات الأمنية الشرعية و القوات غير الشرعية!

فمن هي هذه القوات الشرعية و القوات غير الشرعية؟ و ما هي معايير الشرعية و اللاشرعية عند هؤلاء و غيرهم، ومن أين تُستمد الشرعية؟

فالأجهزة الأمنية المُسماة بالشرعية العاملة على الساحة الداخلية الفلسطينية، فريقان: الفريق الأول هو امتداد لأجهزة سابقة كانت عاملة ضمن إطار منظمة التحرير، واستمر عملها لتنتقل للداخل، كجهاز المخابرات العامة، و القوة 17، و الجيش الذي أُعطي اسم الأمن الوطني، وغيرها…

أما الفريق الآخر، فهي أجهزة تم استحداثها بعد تأسيس ما يُسمى بالسلطة الوطنية، كجهاز الشرطة بكافة فروعه و الدفاع المدني والأمن الوقائي.

القاسم المشترك الأول بين الفريقين بكل مكوناتهما أنها ما كان لها العمل في داخل الأراضي الفلسطينية إلا بعد موافقة الاحتلال الصهيوني على ذلك، و الموافقة حتى على ما يدخل من معدات و إمكانيات لها أو بناء مقرات لها، أي أن شرعيتها استمدتها من العدو الصهيوني الغاشم ومن ثم تم لفها بغطاء وطني.

القاسم المشترك الثاني، هو وظيفة هذه الأجهزة و التي تمثلت في حماية خطوط التماس بيننا و بين العدو و حماية مستوطناته و جنوده، وملاحقة المقاومين، و إفشال مخططاتهم ضد العدو الصهيوني، وتبادل المعلومات الأمنية مع أجهزة الأمن الصهيونية، لدرجة أن هذه الأجهزة اعتقلت العديد من المقاومين و المناضلين من مكونات منظمة التحرير نفسها و الذين رفضوا هذا التوجه و على رأسهم الشهيد القائد جهاد العمارين و غيره، ناهيك عن مئات إن لم يكن آلاف المجاهدين الذين تم اعتقالهم و العشرات الذين تمت تصفيتهم.

إذا أضفنا لما سبق ممارسات العديد من أفراد هذه الأجهزة و ممارسة العديد من قيادات هذه الأجهزة، للمسنا حقيقة شرعية هذه الأجهزة و شرعية وجودها!

فلو نظرنا إلى معظم قادة هذه الأجهزة لوجدنا الغنى الفاحش و القصور و البيوت الفارهة والثروات العديدة من عقارات و تجارات و بيارات و أراضٍ وسيارات و وظائف و غيرها.  ثم لننظر لسلوك العديد من أفرادها وكيف أن العصابات و الجرائم يكون خلف العديد منها أفراد هذه الأجهزة، وما معبر رفح عنا ببعيد، لتتضح كيفية السمسرة حتى على حقوق الناس الطبيعية و على معاناتهم.

ثم نجد شرعية هذه الأجهزة تتمثل جلياً بأوامر الانسحاب من أمام أي توغل لقوات الاحتلال داخل أراضي السلطة وإبلاغ الاحتلال لهذا التوغل مسبقاً، و تتمثل بالسماح للبعض منها بالتنقل بين الضفة و غزة، وكذلك السماح للعديد من قادتها بالدخول و الخروج للوطن كما يريدون، وتتمثل هذه الشرعية جلياً بإغلاق بعض المؤسسات الاجتماعية و الخيرية، وكذلك فرض الإقامة الجبرية على الشيخ القعيد أحمد ياسين رحمه الله، وهو الذي فتحت له كل الدول و البلدان الإسلامية بكامل أجهزتها أبوابها، وضاقت بوجوده أجهزتنا الشرعية العتيدة، ثم تمثلت شرعية هذه الأجهزة بمحاولة اغتيال الشهيد الرنتيسي في بيته، و كذلك بمنعها لموكب رئيس الوزراء إسماعيل هنية و بعض النواب، طبعاً لأنهم غير شرعيين، لأن الاحتلال يرفض شرعيتهم ولذلك ليس لهم شرعية!

إن أبهى و أفضل صورة لشرعية هذه الأجهزة تمثل في محاربة بعض أفرادها لشرع الله جهاراً نهاراً منذ نشأتها وحتى اليوم، حيث اللحى ترهب هذه الأجهزة و يرهبها النقاب و المسجد و طهر الشباب العفيف المجاهد، ولم لا وقد أرهبت اللحية و النقاب و طهر الشباب و الفتيات دولاً عظيمة في عمالتها لأعداء الله و الوطن كتونس و تركيا و غيرها، وهزمت هذه برغم بساطتها قوى عظمى كفرنسا و من لف لفيفها.

أما القوى غير الشرعية التي يجب أن تنسحب من الشوارع – على حسب مفهوم العقلانيين و الواقعيين – فهي القوة التنفيذية و فصائل المقومة التابعة فقط لغير المتعاونين مع العدو و الرافضين للتنازل عن الحقوق. هذه القوى، وخصوصاً التنفيذية ليست شرعية لأن الاحتلال لم يوافق عليها، حيث أن الحكومة التي قررت إنشاءها حكومة وطنية شريفة جاءت لتحافظ على ثوابت الشعب و الأمة ولحماية حقوق اللاجئين و القدس و منع عصابات بعض أفراد الأجهزة الشرعية من عربدتها. هي غير شرعية لأنها تلقت أوامر من الحكومة العاشرة غير الشرعية بالتصدي لقوات الاحتلال، وهي كذلك غير شرعية لأن العديد من أفرادها بعد دوامهم يجلسون في الثغور و يدافعون عنها، وهي غير شرعية لأن العديد من أفراد قوى الأمن الشرعية الشرفاء بدأوا يتوجهون لها لأخذ حقوقهم، وهي غير شرعية لتصديها لمن أراد أن يغير نتائج الانتخابات (الخاطئة) و يصححها على حسب رؤى الاحتلال الشرعية.

العاقل هو الذي يدرك أن الشرعية تستمد بدايةً من عقيدة و ثقافة و تاريخ الأمم، وتتمترس خلف ثوابتها و حقوقها، و تسقى من مبايعة الشعوب، وما عدا ذلك فهو هباء، كما هو حال شرعية الأنظمة العربية إلا من رحم الله.

إن الذي لا يخجل من وصف قوة، كالقوة التنفيذية، بغيرالشرعية، إنما يطعن في شرعيته هو، فإن كان نائباً عن الشعب فعليه احترام إرادة الشعب التي جاءت بمن أنشأ القوة التنفيذية، وعليه احترام إرادة الشعب الذي فرح بوجود هذه القوة على الأرض، وعليه احترام تطبيق القانون الذي لا تكاد جهة في غزة تعمل على فرضه سوى القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية. كما ينبغي عليه أن يخجل و يؤجل قوله قليلاً و لو بعض الشيء حتى يتم جفاف دماء أبناء هذه القوة الذي سال على يد اليهود تارة و يد “الشرعيين” على أرض غزة تارة أحرى.    

هذه القوة التنفيذية التي يقولون إنها غير شرعية – و التي لا تريد الفضائية المسمى بفضائية فلسطين، مع أن فلسطين منها براء، أن تذكر اسمها حتى و القصف الصهيوني واقعَ عليها – لا يريدها البعض، لأنه يخجل من نفسه فتاريخ أربعة عشر عاماً من النضالات المزعومة لم يتوج بإنشاء قوة شرعية دون موافقة الاحتلال كهذه القوة. نعم يخجل من نفسه لأن ثباتها على الأرض سيفضح فساده و تاريخه.

الشرعية أيها العقلاء تستمدها الحكومات و القوى الأمنية من شعوبها لا من المحتل، وكان عليكم أن تتعظوا كيف أن الشرفاء رفضوا دخول المجلس التشريعي تحت مظلة أوسلو و دخلوه تحت مظلة الوفاق الفلسطيني في القاهرة و بإرادة شعبية سُقيت بالدماء و الجهد و العرق و التضحيات.

وهنا أختم هذا المقال بتحميل جميع الحركات المقاومة و على رأسها حركة حماس مسؤولية مجرد التفكير بالتخلي أو التفريط بهذه القوة أو تجييرها لفصيل محدد، لأننا بحاجة لنموذج شريف و صحيح و أمين للأجهزة الأمنية الشرعية الحقيقية لا الشرعية الاحتلالية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات