الأسير عماد فاتوني .. صفحة مشرقة في سفر الرعيل الاستشهادي الأول

كان عماد، وكنيته “أبو العبد”، عضواً في أول خلية قسامية قام بتشكيلها المؤسس الأول للكتائب في الضفة الغربية زاهر جبارين، وجهّز أولى عملياتها المهندس الشهيد القائد يحيى عياش، وقد تكونت الخلية من المجاهد الأسير أحمد حسان، والمجاهد عبد الفتاح معالي، وهما من سلفيت، وكانت أولى مهامها تنفيذ عملية استشهادية في مستعمرة “رامات أفعال”، قدر الله لها أن تُكتشف قبل بلوغ هدفها، ولكنها مثّلت الأساس لما تلاها من عمليات استشهادية أخرى.
شجرة الورد
في ليلة الجمعة 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 1992 كان الأسير عماد على موعد مع عمليته البطولية التي طالما حلم بها واستعد لها. حيث جهز الشهيد المهندس يحيى عياش سيارة مفخخة بخمسين كيلو غراماً من المتفجرات، وانطلق بها عبد الفتاح معالي نحو الهدف المنشود في مغتصبة “رامات أفعال” هو وزميلاه أحمد وعماد فاتوني.
وقبل وصول الهدف بلحظات؛ رصدهم أحد أفراد الأمن الصهيوني بشكل عابر نتيجة لتعطل أحد الأضواء الخلفية للسيارة، ثم جرت ملاحقة المركبة المفخخة، وتم اعتقال رائد حسان في اللحظة نفسها، وبعدها بيوم اعتُقل عماد فاتوني عندما كان متخفياً وراء إحدى شجيرات الورد الكثيفة قرب منطقة الحادث، في ما استطاع عبد الفتاح معالي الإفلات من الطوق الأمني الذي ضُرب حول المنطقة.
رحلة تحقيق قاسية
إثر هذه العملية النوعية والأولى من نوعها، أُخضع الأسير عماد لرحلة تحقيق قاسية كادت تفقده حياته، ففي معتقل طولكرم؛ كان التحقيق الوحشي معه، حيث كان مقر التحقيق المركزي التابع للاحتلال. وبما أنّ عماد هو أول عنصر يتم كشفه في أول خلية قسامية؛ فقد تم التشديد عليه كما درجت عليه مخابرات العدو، وقد انعكس ذلك على طول مدة التحقيق، والتي بلغت أربعة أشهر متواصلة.
تعرض عماد لصنوف شتى من التعذيب أثناء التحقيق معه في معتقلات الاحتلال، فمن الشبح تحت الأمطار والبرد القارس، حيث يتجمد الدم في العروق والأقدام، إلى الشبح في “الخزانة” الخاصة بالتعذيب بطول متر في متر، حيث لا يقدر الأسير على مد رجليه، إلى وضع الكيس ذي الرائحة الكريهة في رأسه، إلى الضغط على حلقه، فمحاولة خنقه عبر الضغط على فمه وأنفه معاً. فضلا عن منعه من النوم لعدة أيام متواصلة، وتعريضه لصوت الموسيقى الصاخبة، إلى التهديد بممارسة انتهاكات لا أخلاقية بحقه، إلى الشبح على شكل موزة .. وغير ذلك من ألوان التنكيل القاسي.
ثلاثون سنة سجناً
ولأنها كانت أول عملية نوعية ضد الاحتلال على هذا النحو؛ فقد كانت مدة الحكم الصادر بحق الأسير القسامي ثلاثين سنة سجناً، وقد صدر من محكمة اللد داخل الأراضي المحتلة عام 1948، بعكس المحاكمات الأخرى للمعتقلين الفلسطينيين التي كانت تجرى عادة في محاكم الاحتلال بالضفة الغربية.
ويُنقل الأسير الفاتوني من سجن طولكرم إلى سجن جنيد، حيث يقضي فيه ثلاث سنوات متواصلة، ومن ثم يُرحّل إلى سجن نفحة وعسقلان وبئر السبع، ومنها إلى نفحة مرة أخرى. وفيه يتم وضعه لمدة عام ونصف العام في العزل الانفرادي، لتنديده بالمعاملة الوحشية لإدارة السجون الصهيونية بحقه، وأخيراً يُنقل إلى سجن جلبوع الذي يُحتجز فيه حالياً.
محاولة الهرب من الأسر
حاول الأسير عماد الهرب بشكل فعلي مرتين، وقام بعملية ناجحة لنشر أحد الشبابيك في سجن جنيد مع زميله أحمد حسان، لكنّ محاولته مع رفيق دربه الجهادي انكشفت في ليلة الهروب، وبسبب ذلك أُحيلا إلى التحقيق مرة أخرى، وحُكم على كل منهما مرة أخرى بإضافة ست سنوات سجناً، وكرّر الفاتوني المحاولة في سجن آخر فانكشفت قبل تنفيذها.
حوّل الأسير المقاوم سجنه إلى مدرسة ينهل فيها من معين العلم والثقافة، إذ تمكّن من حفظ كتاب الله عز وجل، وأتقن التحدث بلغتين هما الإنكليزية والعبرية، وهو يُعدّ من المداومين بصورة يومية على مطالعة الكتب.
عُرف بدمائة خلقه وطيب معشره، لذا فهو محبوب من كل عرفه وخالطه في السجون والمعتقلات.
لا زيارات كباقي الأسرى
رغم مرضه؛ فإنّ الأسير القسامي حُرم من زيارة أهله منذ عدة سنوات، وتقول خوله فاتوني زوجة شقيق الأسير عماد عبد الرحيم فاتوني والمعتقل منذ أكثر خمسة عشر عاماً في سجون الاحتلال؛ إنّ والديْ عماد قد تُوفيا أثناء اعتقاله وكانا محرومين من زيارته قبل موتهما، وأضافت بأن سلطات الاحتلال تمنع ذويه من زيارته، حيث لا يوجد من يزوره منذ أكثر من أربعة أعوام، خاصة مع تردي حالته الصحية، ومعاناته من أمراض مزمنة في القلب، وعدم توفير العلاج اللازم له.
وتنقل زوجة شقيقه عن عماد أنه يعتبر السجن مصنعاً للقادة ومدرسة الثوار الأبطال، بالرغم مما يتعرض له من قبل سلطات سجن جلبوع، كما يعدّ البلاء رغم شدته بوابة لرضوان الله، وخلوة يذوق فيها حلاوة الإيمان، وهو ما يزيده قوة وصلابة في مواجهة أعدائه.
سيرة المجاهد البطل عماد الفاتوني صفحة في سفر الرعيل الأول من القساميين الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والصمود والتحدي: إقدام في ملاقاة العدو والتصدي له في ميادين العمليات البطولية، وصبر على معتقلاته وسجونه مهما بلغت وطأة القيد أو طالت مدة الاعتقال وراء القضبان، فاستحقوا أن يكونوا نعم القدوة والأسوة لمن أتى بعدهم، وواصل مسيرة دربهم الجهادي العظيم.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...