الثلاثاء 13/مايو/2025

بلدة الخليل القديمة تعيش نكبة يومية

بلدة الخليل القديمة تعيش نكبة يومية
 
 
رفعت الحاجة ” أم أنيس ” من سكان البلدة القديمة في الخليل يداها ، وذرفت عيناها الدموع ابتهالا لله، لرفع ما تعانيه وسكان البلدة من معاناة وألم جراء ممارسات أقل من خمسمائة مستوطن يحتلون قلب المدينة وبحماية أكثر من ألفي جندي يسهرون على راحتهم و يوفرون لهم الحماية والأمن ، ليحولوا حياة ما يزيد عن خمسة وعشرين ألف هم سكان البلدة إلى جحيم متواصل مليئة بالرعب والخوف ، ويعيشوا النكبة المتجددة بشكل يومي.  

وتقول أم أنيس إننا نعيش تحت مستوى معيشة الإنسان العادي لأننا لا نرغب في ترك بلدتنا وبيتنا ، وللحافظ على هويتها العربية والإسلامية ، مشيرا أن البلدة القديمة هي رمز الخليل.

وأضافت أن سكان البلدة القديمة يعانون معاناة شديدة ، جراء ممارسات المستوطنين اليومية ضدهم لإفراغها ، وليسرحوا ويمرحوا وحدهم ، مؤكدة أن ذلك لن يحصل وأنها ستبقى والسكان صامدين حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .

تهويد للأبد

وكشفت مصادر فلسطينية في المدينة عن نية الاحتلال تنفيذ خطة تقضي بتحويل الخليل القديمة لمنطقة يهودية للأبد” نظيفة من العرب ” ، مشيرة تلك  المصادر أن الخطة الاحتلالية طرحت على بعض المؤسسات الفلسطينية ذات العلاقة المباشرة بالخليل القديمة قبل أسبوعين ، من قبل الحاكم العسكري وضباط الإدارة المدنية الإسرائيلية ، من خلال جولة ميدانية على الشوارع والمناف المغلقة ، بعد طلب محكمة العدل الإسرائيلية ، من السلطات الإسرائيلية بوضع خطة لتسهيل حركة الفلسطينيين في المنطقة .

وتقضي الخطة التي من المتوقع تقديمها للمحكمة العليا الإسرائيلية في الرابع والعشرين من حزيران القادم ، للبت بقضية اغلاقات الخليل القديمة ، بوضع سواتر إسمنتية في منطقة باب الخان بعرض متر أمام المحلات المغلقة بأوامر عسكرية ، والتي سيسمح لها بفتح أبوابها فيما بعد ، بالإضافة إلى وضع اسيجة في العديد المناطق المغلقة وسقف مناطق أخرى بالسياج على غرار الواقع المفروض في شارع الشلالة القديم من الخليل منذ سنوات.

وأكدت المصادر الفلسطينية رفض المؤسسات الفلسطينية هذه الخطة جملة وتفصيلا ، وطالبت قوات الاحتلال بإعادة الحياة الطبيعية للخليل القديمة لما كانت عليه قبل العام 1999م.

تعيش نكبة

وأكد عماد حمدان ، المدير الإداري في لجنة اعمار الخليل ، أن البلدة القديمة من الخليل تعيش نكبة من حيث الحصار المفروض عليها وإغلاق كافة المداخل الموصلة إليها ، إضافة الى الحصار الداخلي ، مشيرا انها مقطعة ومجزأة فهناك العديد من المناطق والشوارع المغلقة داخلها ، عدا عن اعتداءات المستوطنين المتكررة بحماية الجيش الإسرائيلي ، التي تنفرد بها البلدة القديمة مثل التفتيش الليلي شبه اليومي و حجز المارة وإعاقة مرورهم عبر الحواجز المنتشرة فيها وخاصة الشباب ، موضحا انه لا يكاد يمر شاب عبر حاجز دون ان يتم احتجازه لمدة لا تقل عن ساعة .

وأوضح حمدان أن المسافة بين الحاجز والآخر في البلدة القديمة لا تزيد عن 100م فقط ، مشير أن عدد الحواجز في منطقة (H2 ) وحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ما يقارب 101 حاجز في مساحة لا تزيد عن 18 كم2 .

وأضاف ان إعاقة وصول المتسوقين للبلدة التي تعتبر مركزاً تجارياً رئيسياً ليس فقط للخليل ومحافظتها بل للضفة الغربية بأكملها ، وما يمارس من إجراءات ضد المواطنين وسكان البلدة أدى إلى إحجام العديد من المواطنين عن الإقدام على السكن في البلدة القديمة ،موضحا ان كافة الإجراءات هي تداعيات نكبة ومن الأمور التي تؤدي إلى اعتبار البلدة القديمة منطقة تعيش نكبة مستمرة .

ارتفاع نسبة البطالة

وبين حمدان انه في الفترة ما بين عامي 2000-2003 عاشت البلدة أكثر من 600 يوم منع تجول و هذا أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بين سكان البلدة القديمة ، حيث أن معظمها من الطبقة العاملة ، ويعملون بشكل يومي ، وأصبح القطاع الخاص في منطقة ( H1 ) يتجنب استقطاب عمال البلدة القديمة ، ولا يعتمد عليهم بسبب كثرة أيام التجوال ، وبعد رفع منع التجول يصبح المواطن العامل يبحث عن عمل ، فكل هذه الفترة وما بينها هي أيام عطل لأيام البلدة وسكانها وأصبحوا يعانون من ضائقة مالية واقتصادية كبيرة .

وأشار ان المدة الطويلة من تكرار منع التجول دفع العديد من أصحاب المحال التجارية في البلدة إلى إغلاق أبواب محالهم والانتقال إلى مناطق أخرى لإنشاء  محال تجارية جديدة  أو البحث عن أعمال أخرى .

ضربات قاسمة

وأوضح ماهر الهيموني مدير عام غرفة تجارة وصناعة الخليل بأن البلدة القديمة من المدينة تعرضت لضربة قاسمة من قبل الاحتلال بفعل إغلاقها لأكثر من 1610 محال ومصلحة تجارية في منطقة كانت تشكل قلب الخليل الاقتصادي لما كانت تشهده من حيوية تجارية وحركة متسوقين كبيرة جدا في أسواق كانت تصطف محالها الكبيرة والصغيرة جنبا الى جنب ، وكان الناس لا يكادون يجدون موطئ قدم لهم في الازدحام الذي كانت تشهده ،  ولكن المنطقة هجرت وتحولت الى  بلدة أشباح ، وأضحى وصول المواطنين إليها أو محاولته التجول في الطرقات المجاورة أمرا صعبا ومغامرة محفوفة بالمخاطر وسط الإجراءات والتدابير العسكرية الإسرائيلية المرتبطة بإجراءات الحصار والإغلاق وتضييق الخناق، وسط الحواجز الإسمنتية والثكنات العسكرية، في الوقت الذي يتجول فيه المستوطنون بحرية كاملة ويمارسون صنوفا مختلفة بحق المواطنين وممتلكاتهم.

شهادات وفاة

وأشار إلى أن هذه المحال التجارية أصدرت بحقها أوامر عسكرية إسرائيلية بالإغلاق ، مشيرا ان تلك الأوامر هي شهادات وفاة لهذه المحال والمناطق الموجودة فيها، كشارع الشهداء والشلالة والسهلة ومنطقة البلدية القديمة ومحيط الحرم الإبراهيمي، وتتجدد هذه الأوامر كل ستة شهور ، في الوقت الذي تحول مئات التجار وأصحاب هذه المحال من تجار ونشيطين اقتصاديين إلى متسولين وفقراء وجعل أسرهم عرضة للعوز والفقر والحاجة الشديدة .

سياسة فصل

وكانت رابطة حقوق المواطن ومنظمة بتسيلم لحقوق الإنسان الإسرائيليتان ، قد نشرتا تقريرا عن مدينة الخليل ، مشيرتان ان المدينة تشهد سياسة فصل على خلفية قومية ، في مناطق مجاورة لمساكن المستوطنين، حيث أجبر الاحتلال السكان على إخلاء أكثر من 1014 وحدة سكنية، تشكل 41.9% من إجمالي الوحدات السكنية و1829 محلا تجاريا جراء ممارسات المستوطنين وجيش الاحتلال ، وخاصة منذ بداية انتفاضة الأقصى ولغاية الآن .

وأشارت المنظمتان أن الخليل تشهد أيضا عملية تدمير للبنية المعيشية الفلسطينية، نتيجة القيود الصعبة على الحركة التي يفرضها جيش الاحتلال الإسرائيلي على المواطنين الفلسطينيين، كمنع السير المطلق في شوارع رئيسية وإغلاق متاجر بقرار عسكري، والامتناع عن اتخاذ أي إجراءات ضد المستوطنين الذي يمارسون العنف ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم.

وأضافتا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يمارس سياسة العنف والمضايقات  تجاه المواطنين الفلسطينيين، حيث امتد فرض منع التجول على الفلسطينيين في وسط المدينة لمدة تزيد عن 377 يوما على فترات متفرقة خلال الثلاث سنوات الأولى من الانتفاضة الثانية، في حين استمر المنع، في بعض الأحيان، لعدة أيام متتالية، ورفع المنع لساعات من أجل التزود بالمواد الغذائية، وذلك إلى جانب الممارسات العنيفة التي يمارسها المستوطنون ضد المواطنين الفلسطينيين، مستخدمين أساليب مختلفة، منها الاعتداء بالضرب، وإلقاء الحجارة والنفايات، وتسميم آبار المياه  .

لجوء للمحاكم الدولية

و يدرس الفلسطينيون في المدينة  اللجوء للمحاكم الدولية من اجل رفع الحصار الخانق على سكان البلدة القديمة ، الذي أدى إلى التهجير غير المباشر عن طريق الضغط  بإغلاق العديد من المنافذ والشوارع وأماكن سكنية ومحلات تجارية ، بعد استنزاف كافة الإجراءات الداخلية من تقديم دعاوٍ والتماسات للمحاكم الإسرائيلية .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات