الرصاص الإعلامي.. والدم الفلسطيني !!

أن تكون ناطقاً أو متحدثاً .. ليس أمراً هيناً أو سهلاً يقتصر على مداعبة غرائز حب الظهور والجاه وتعزيزها في نفسك المريضة التي تتعلق ببريق الأسماء وأضواء الشهرة .. فإن تصريحاً واحدا أو كلمة واحدة بذاتها كفيلة بإشعال ثورة وإراقة دماء وتفجير الواقع بشكل لا يحمد عقباه أبداً .. وأن تسرع متحدثاً دون توخي دقة المعلومة ذنب عظيم لا تطهره مياه الأرض كلها .. لكنها مسألة متجاوزة في الواقع الداخلي لبعض التنظيمات التي انتهجت نهجاً استراتجياً فاق التصور البشري في الفذلكات الإعلامية والتلفيقات الماجنة .. فأصبح الهدف مصلحة خاصة والغاية أجندة شخصية .. وعنوان المرحلة لا تعدو غير كيل الاتهامات ورميها على جهة بعينها حتى لو وصل الأمر لتحميلها مسؤولية ذوبان الجليد في القارات المتجمدة ..
لقد أصبح الواقع الداخلي لبعض الفصائل الفلسطينية عبئاً ثقيلاً على القضية الفلسطينية .. وهماً عظيماً لكل أبناء هذا الشعب الذي لا يدري من أين يقاوم .. من الاعتقالات الصهيونية والاغتيالات والمداهمات المستمرة وقضايا التهويد .. أم من فصيل حصل على أعلى شهادات الآيزو في شحن الأجواء وتوتير الساحات .. والانحطاط في درجات المصداقية من أعلى هرمه التنظيمي -المقلوب- إلى أدنى مستوى فيه ..
لقد كان لمرحلة البغي الثانية التي تعرضت لها حركة حماس والتي شهدت كثافة نسبياً مع مدتها الزمنية القصيرة والتي تركزت في قطاع غزة شأناً عظيماً يؤكد حقيقة ما تحدثنا به وأن الأمر بذاته ليس محض افتراء على ذلك الفصيل .. وإنما يؤكد أيضاً ما كتبه الكثيرون بفحوى أن اتفاق مكة لا يعطي صكوك غفران لأحد .. فالسياسة ذاتها وإن اختلف القائمون عليها .. وقد أُشبع أفرادهم تلقينا حتى حملوا هذا الهمّ بأشد من حملهم لقضية شعبهم وأمتهم .. فالكل يمارس “الخمسة بلدي” ..
لقد ابتلع البعض في مكة الاتفاق على مضض .. وليس غريباً أن يلفظوه لفظاً مقيتاً نتناً .. ليخرج على أسوأ مما كان عليه .. فقد وقعوا الاتفاق رضوخاً للواقع الميداني المغاير تماماً لرغباتهم وطموحاتهم للقناعة التي ترسخت عندهم في مقدرة حماس على حسم الميدان خلال ساعة واحدة في قطاع غزة إن أرادت الأخيرة ذلك .. لذلك من اللحظة الأولى لتوقيع الاتفاق توقفت بنادقهم -نسبياً- عن الرصاص وتواصلت أبواقهم بالنعيق مشكلة أرضية خصبة لبغي قادم .. وتأسيساً لمرحلة قادمة تكال فيه الضربات الإعلامية بشكل يوتر الساحة وتجر فيه حماس إلى المربع الدموي من جديد الأمر الذي تؤكده التدريبات العسكرية في مصر وأريحا .. والدعم المادي لحرس الرئاسة والقوات الدحلانية في الضفة والقطاع .. ويمكن الرجوع إلى المواقع الإعلامية لتسجيل أكثر من أربعين تصريح صحفي إعلامي من شأنه تفجير الأراضي الفلسطينية ..
وهذا ما حدث فعلاً .. فقد كان الشرف في إطلاق الشرارة الأولى لمرحلة البغي والتمرد الثانية لأحد متحدثي حركة فتح الذي لم يتورع بتاتاً عن اتهام حماس بمقتل أبو جراد دون التحقق من صحة ما حدث .. وتسلسلت الأحداث ونزفت الدماء .. ولنا ما يلي ..
(*) إن حركة حماس التي تعرض أحد أبنائها للقتل على أيدي شقيق أبو جراد .. كانت أول من نعى أبو جراد وأعلن عن المطالبة بالتحقيق في مقتله ومحاسبة الجناة أياً كان انتماؤهم .. وقد أعلنت حماس عدم مسؤوليتها وبراءتها من دمائه ..
(*) إدراك حركة فتح الحقيقة المتمثلة بحجم العداوات التي يكنها العديد من أبناء فتح لـ”أبو جراد” والمعادلات الصعبة التي يشكلها أبو جراد داخل فتح ..
(*) لم تتورع حركة فتح في اتهام حماس .. ولم تنتظر التحقيق في القضية الأمر الذي قد يفهم -إن صدقت النوايا- أنه تسرع من متحدث وخطأ عابر في التصريح .. مع أنه كلف الشعب نزيف الدماء الفلسطينية .. والاحتمال الأقوى وهو السائد ولا يحتاج إلا إلى أدنى مستوى من الذكاء لاكتشافه .. وهو تنفيذ السياسات والمخططات التي من شأنها النيل من حماس على جميع المستويات .. لقلب الطاولة رأساً على عقب ..
(*) توالت السباقات الماراثونية من جميع إعلاميي فتح في التصريحات التي انتقت عباراتها انتقاءً جيداً من قواميس الهجاء .. وبدأ التحفيز والدعم الإعلامي لأبطال الميدان .. الذين تفننوا هذه المرة في الإيذاء والغدر والدماء .. حتى وصل الحال لتقديم صك البراءة لدبابة صهيونية اعترفت بقتل التسعة من أفراد الكتيبة الرابعة في جهاز الأمن الوطني .. وكأن صدق الترسانة الصهيونية في ظنها بأن ما قصفته سيارة قسامية شفع لها عند إعلاميي فتح على قاعدة “عدو عدوي صديقي” .. وكال الإعلام الفتحاوي التهم لحماس .. ضارباً بعرض الحائط تقارير جهاز الطوارئ والإسعاف الذي يبرئ جند حماس بأيديهم الطاهرة .. الأمر الذي أطلق قريحة أبطال مرحلة البغي الأولى في الضفة الغربية ..
(*) من الأهمية الكبرى دراسة الموقف وردة الفعل .. فهو بحد ذاته ينبئ عن مقدار مستوى المصداقية لدى هذا أو ذاك .. فأول تصريح صدر عن حركة حماس في استشهاد التسعة من أفراد الأمن الوطني .. كان نعياً لهم وترحماً عليهم .. ومطالبة لجميع الأجهزة العسكرية للفصائل بالرد الفوري على الاحتلال “بإمطارهم بالصواريخ” على حد قول الحركة .. ولم يكن هذا التصريح مغازلة إعلامية بل نفذته الأيدي القسامية فكان منها الرد الأول .. في حين أصرت فتح على موقفها المعزز للفتنة الداخلية من خلال إعلامها بشكل عام ..
(*) هنا مسألة هامة .. وهي المداهنة الإعلامية لحركة فتح وقادتها من قبل وسائل الإعلام ووكالات الأنباء التي نعتبرها إلى حد ما حيادية .. وقد لعبت دوراً أساسياً في شحن الأجواء واعتماد الرواية الفتحاوية وعدم الالتفات إلى ناطقي حركة حماس وموقف الحركة وروايتها الأمر الذي قد نعزي الكثير منه إلى الخوف من تكرار التجربة السابقة في تعرضهم للتهديدات المباشرة .. فقد غرست مرحلة البغي الأولى التي استمرت خمسة شهور تقريباً في وسائل الإعلام خشية ذاتية تتمثل باستشعار الرقابة الفتحاوية من أجل السلامة البحتية .. فمالت كفة الإعلام ميلاً واضحاً لدى عدد وسائل الإعلام .. واتضح هذا جلياً في تهميش ملف الخمسة من رجال القسام الذين أعدموا علناً على أيدي الأمن الوقائي .. وكذلك عدم الالتفات إلى دخول المئات مما سمي بتنفيذية فتح من معبر رفح ..
(*) الحيادية والموضوعية ومحاولة التقريب بين الطرفين التي تحلى بها الكثيرون شكلت جداراً أخفى حقيقة المجريات على أرض الواقع .. وعلى سبيل المثال لا حصر .. عدم ذكر ما حدث أمام مرأى الوفد المصري من اختراق الاتفاق بمحاولة لاغتيال الناطق باسم الحكومة الأستاذ غازي حمد وممثل حماس في المكتب المشترك الأستاذ أيمن طه .. وكذلك عدم نشر ما تحدث به مدير عام الإسعاف الطوارئ الذي أكد أن منطقة استشهاد التسعة من أعضاء الكتيبة الرابعة لم تكن منطقة اشتباكات فلسطينية ..
(*) لقد ظهر جلياً التأني والترقب الفتحاوي في التعامل مع المرحلة الحالية .. فالمرحلة الأولى التي سبقت اتفاق مكة شكلت تجربة لا بأس بها دُرست إيجابياتها وسلبياتها من أجل إدارة حقيقية قادمة لأي فرصة سانحة لبغي جديد .. وهذا ما حدث فعلاً .. فالاهتمام الكبير كان مركزاً على الحصاد الإعلامي لما ينفذ في الميدان .. فأصل المسألة كما وضحنا شرارة إعلامية ..
(*) إن المبادرة التي قدمتها حركة حماس .. أثبتت للجميع حرص الحركة على المصلحة الوطنية العليا .. التي قدمت دماء أربعة من أبنائها فداء للوحدة الوطنية على أعتاب اتفاق مكة وكان منهم الشهيد القائد محمد أبو كرش الذي أعدم على جدران بيت محمد دحلان .. وحتى هذه اللحظة لم نسمع تصريحاً واحداً من متحدثي حركة فتح يعلن قبول المبادرة .. مما يدل على انسجام رؤية فتح مع ما يجري على أرض الواقع .. ولقد تمثلت الحكمة من حماس في إطلاق المبادرة التي حقنت الدماء وأكدت على استراتيجية الحركة في تغليب المصلحة الوطنية العليا .. وحجّمت التمرد .. بكونها في حدها الأدنى تكشف مدى عمق المخطط الذي يجري تطبيقه على الأرض وامتداداته .. وكذلك يكشف بالتحديد الدقيق العديد من الخفايا في هذه المسألة ..
(*) لم تحترم حركة فتح مبادرة حماس التي من شأنها إخماد الفتنة .. فقامت باثني عشر تجاوزاً خلال الأربع ساعات الأولى من المبادرة .. تضمنت استشهاد ثلاثة من أبناء القسام .. الأمر الذي يلجم كل الأفواه التي دعت إلى إعلان حالة الطوارئ .. فأي حالة طوارئ تلك .. وكلمة الرئيس الفلسطيني لا تلقى آذاناً صاغية لدى أصغر عنصر فتحاوي .. أم نعتبر من الآن فصاعداً أن أي تصريح للقائد العام لحركة فتح “أبو مازن” له معنى مغاير تماماً لقصده .. كتكتيك ذكي من الحركة العملاقة ..
لم أرغب في الكتابة على غرار ما اعتدنا سماعه من الكثيرين من توصيف لمقدار الألم الذي يعصف بالقلوب ومقدار الدموع المذروفة حزناً وهماً .. وغيره من الكلام الذي يرتد حين يصطدم بصخر القلوب المتحجرة التي تمتهن الفتنة .. فأن تكتب بألم على ضوء الحقيقة أولى من توصيف الألم بذاته .. وهذا ما أردت أن يعيه الجميع .. إن كل الأبواق التي نعقت في محاولة لاحتواء الأزمة السابقة والتي لا ندري هل انتهت أم لا حتى اللحظة .. عليها أن تخرج قليلاً من نظريتها المقيتة التي تنافق وتداهن باسم الموضوعية والحيادية .. ولا تحقق أياً من أهدافها حين تخفي حقيقة ما يجري .. وتنأى بنفسها عن الوقوف بجانب الحق .. وستحترق حتما بنور الحقيقة الساطعة التي لن يغطيها أي غربال .. ولن يرحمها التاريخ .. في المقابل لا تطلب ممن يتعرض بيته للسطو والاغتيال بأقل من أن يدافع عن نفسه!!
إن الضغط على الزناد إعلامياً .. أمر سهل .. لكن العاقبة تتجاوز ما قد يتصوره الإنسان .. حين تسيل الدماء .. وتدخل الرصاصة كل بيت فلسطيني .. وتؤخر عجلة التحرير .. وتدنس تاريخ شعب وقضية ..
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...