إنذار بحجم الوطن وقضيته .. مخططات الانقلابيين لا تستهدف حماس وحدها

وقد أوضح مراقبون أنّ الاستهداف المشترك التي طال القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية، ومواقع أخرى لفصائل المقاومة، وعناصر تابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام على وجه الخصوص؛ في الأيام الأخيرة وبتوقيت متزامن مع قصف طائرات جيش الاحتلال من الجو من جهة، ونيران قوات الأمن الوقائي وحرس الرئاسة والانقلابيين في حركة فتح على الأرض من جهة أخرى؛ هو في مجمله نتاج وصفة متكاملة. وإنّ التصريحات والتصرفات المتناغمة التي صدرت عن قيادات هذين الفريقين، الاحتلال والانقلابيين، تمثل تأكيداً جديداً لأنّ وراء الأكمة ما وراءها، وأنّ هناك ما دُبِّر بليل، في سابقة خطيرة لن يمكن غض الطرف عليها. وبهذا؛ فإنّ التفسير الجاهز الذي ينظر إلى ما جرى باعتباره “صراعاً على السلطة” بين حركتي “حماس” و”فتح”؛ يختزل في ثناياه الكثير من الحقائق ويقفز على معطيات ملموسة.
وطبقاً لأولئك المراقبين؛ فإنّ ما يحدث على الأرض في إطار هذا المخطط، يكشف عن التقاء فعلي بين مصالح العدو الصهيوني (المعروفة)؛ ومصالح ضيقة لفئة محدودة جداً في قيادات بعض الأجهزة الأمنية وحركة فتح، وهي قيادات تقود تمرّداً ضد حكومة الوحدة الوطنية، وضد تطبيق الخطة الأمنية التي سبق وأن أعلن عنها وزير الداخلية المستقيل هاني القواسمي. ومن الواضح أنّ هدف ذلك التمرد في العاجل هو خلط الأوراق من جديد، في محاولة لإعادة أجواء الفلتان الأمني والاقتتال الداخلي التي سادت قبل اتفاق مكة المكرمة، وتسميم الأجواء والنفخ في نار التوتر الداخلي مجدداً. أما الأهداف الآجلة؛ فتتجاوز ذلك بالتأكيد؛ وهي موضوعة أيضاً على سكة المحاولات الصهيونية ـ الأمريكية لإعادة تشكيل الوضع الفلسطيني بمجمله وفق أجندة مفروضة.
بداية التحرك الجديد
ولا يتجاهل المراقبون حقيقة أنّ التحرك الجديد للتيار الإنقلابي بدأ عقب اللقاء الأخير الذي جمع بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية، وإثر الاتفاقات التي تمت بينهما بشأن إجراء بعض التعديلات في المؤسسات الأمنية، وإعادة صياغتها وفقاً لأسس وطنية تُخضعها لسلطة وزير الداخلية، وهو ما دفع بعض شخصياتها للبدء في تطبيق خطة أمنية استباقية، نزلت بها إلى الشارع دون تنسيق مع الحكومة وفقا لأجندتها الخاصة، وهي غير الخطة التي كان وزير الداخلية المستقيل ينوي الشروع فيها.
ويبدو أنّ هذا التحرّك متواصل على قاعدة ضرب المقاومة ومؤسساتها، والنيل من فصائلها المسلحة، بحيث تتواصل الغارات الجوية لجيش الاحتلال على معاقل المقاومين، مع عمليات لاستهداف قياداتها من أطراف أمنية أو من مجاميع معروفة في “فتح”، ولعل هذا ما دفع على ما يبدو حركة “حماس” في بيان صدر عنها إلى إطلاق “تحذيرات ساخنة جداً تشير إلى أنّ العدو الصهيوني وبالتعاون مع الخونة والمجرمين يعملون على مراقبة قادتنا وأماكن تواجدهم لتنفيذ عمليات اغتيال كبيرة”.
الاحتلال يدعم الإنقلابيين
ولم يُخْفِ الاحتلال في إطار التقاء مصالحه مع ما يُعرف بالتيار الانقلابي في “فتح” والأجهزة، عن استعداده لتقديم الدعم العسكري لذلك التيار ضد حركة “حماس”، وكان من بين من أعلن عن ذلك وزير الحرب الصهيوني عامير بيرتس.
وقد بدأت بوادر هذا الدعم تطفو على السطح، ومنها ما كشفت عنه القناة الثانية في التلفزيون الصهيوني من أنّ المصابين من متمردي أمن الرئاسة والأمن الوقائي ومسلحي التيار الانقلابي في حركة “فتح”، الذين أصيبوا بجراح جراء الاشتباكات التي درت في غزة، يتلقون العلاج في مستشفى “برزيلاي” الصهيوني في مدينة عسقلان. ويأتي هذا الأمر في الوقت الذي تُغلق فيه قوات الاحتلال معبر بيت حانون أمام العمال الفلسطينيين، وأمام الحالات الإنسانية من المواطنين المرضى الذين يتلقون علاجاً في المستشفيات الواقعة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، دون أن يُسمح لهم بالعبور لتلقى العلاج.
وتصل حدود الدعم إلى الجوانب الأمنية والعسكرية المباشرة، فقد سمحت قوات الاحتلال الصهيوني قبل يومين بعبور 450 عنصراً من عناصر مسلحي حركة فتح بعد أن تلقوا تدريبات خاصة في جمهورية مصر العربية. وقالت مصادر أمنية مطلعة إنه سُمح لهؤلاء بالعبور مع بدء انفجار الأحداث في غزة “من أجل المشاركة ومساندة الأمن الوقائي وحرس الرئاسة في حربهما المعلنة على حركة “حماس” وكتائب القسام والقوة التنفيذية”.
اتفاقيات أمنية مع الاحتلال
أبعد من ذلك؛ ثمة من يعتبر من المحللين السياسيين أن ما حدث خلال الأيام المنصرمة ما هو إلا تحصيل حاصل، ونتيجة طبيعية للتعاون الأمني بين الكيان الصهيوني وشخصيات بارزة في هذا التيار مثل محمد دحلان مستشار الأمن القومي ورشيد أبو شباك مدير جهاز الأمن الوقائي، مشيرين في هذا الصدد إلى اجتماعات التنسيق الأمني في الشهور الأخيرة بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني، برعاية أمريكية، والتي ناقشت ما عُرف بخطة “اختبارات التنفيذ”، والتي تحدثت عن ضرورة قيام السلطة الفلسطينية بوقف صواريخ المقاومة تجاه أهداف تابعة للاحتلال، وأن يأمر رئيس السلطة محمود عباس بنشر قوات من “حرس الرئاسة” في المناطق التي تطلق منها، مقابل تسهيلات محدودة على المعابر والحواجز الصهيونية.
وقبل ذلك تم نسج “خطة دايتون”، التي دعت إلى تقوية طرف فلسطيني على آخر، وقدمت مبلغاً يزيد عن خمسين مليون دولار لتقوية حرس الرئاسة، والسماح بوصول أسلحة وعتاد عسكري له بموافقة سلطات الاحتلال.
ويعيد المواكبون لتلك التفاصيل إلى الأذهان، ما ورد في تصريحات لنائب وزير الحرب الصهيوني إفرايم سنيه، وهو حلقة الاتصال بخطة دايتون، والذي اعتبر أنّ دعم قوات رئيس السلطة بالأسلحة والذخائر لا يشكل خطراً على أمن الكيان الصهيوني، لأنّ الهدف من تسليح هذه الأجهزة هو تعزيز ما وصفه بـ”التيار المعتدل” في الساحة الفلسطينية، مقابل تعاظم قوة “حماس” والجهاد الإسلامي، على حد تعبيره.
تصريحات إعلامية ضد “التنفيذية”
التصريحات الإعلامية لبعض رؤوس هذا التيار جاءت منسجمة مع رغبات الاحتلال، ونظرته إلى المكونات الوطنية وخارطة المقاومة، وهو ما حدا بالقوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية إلى تحميل عزام الأحمد نائب رئيس الوزراء، وكذلك ياسر عبد ربه، مسؤولية ما يستهدف عناصرها ومقارّها من هجمة شرسة وقصف على يد قوات الاحتلال، حيث دعا الأول إلى إبادة هذه القوة ومحوها من الوجود، في ما طالب الآخر بما سماه “عصياناً مدنياً” للقضاء على هذه القوة.
وما لا يقل بلاغة عن ذلك؛ إعلانات الاحتلال التي تضمن وقوفه إلى جانب التيار الانقلابي في حركة “فتح”، وإبداء استعداده لدعمه ضد “حماس” حالياً، واستهدافه لمباني القوة التنفيذية دون غيرها من أجهزة الأمن، وقبوله قبل ذلك بخطة دايتون الأمنية، بما في ذلك تسليح حرس الرئاسة الفلسطيني لضرب المقاومة والحدّ من صواريخها الموجهة لمستعمراته. كل ذلك طرح أكثر من علامة استفهام كبيرة.
وقد ذهب محللون إلى أنّ الاحتلال الصهيوني الذي أخفق من خلال الحصار الدولي، الذي جيّش له الولايات المتحدة وبعض الأطراف الغربية، في إزاحة “حماس” عن سدة الحكم، سواء عندما شكّلت الحكومة منفردة، أو وهي تقود حكومة الوحدة الوطنية، أو التأثير على شعبيتها في الشارع برغم كل ما لحق بالشعب الفلسطيني من جراء الحصار؛ ذلك الاحتلال يحاول أن يصل إلى ما يريد من خلال الفتنة الداخلية أيضاً.
ومن هنا يبرز دور التيار الانقلابي في التحرك الصهيوني إياه. فذلك التيار كان ممتعضاً أشد الامتعاض لصعود “حماس” في الانتخابات التشريعية وقبلها البلدية، ولم يشعر بالارتياح لنجاح اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، مضافاً إليه خوف قياداته الأمنية من فقدان مناصبهم أو نفوذهم بوجود وزارة داخلية قوية وخطة أمنية محكمة، خصوصاً وأنّ بعضهم كان مسؤولاً عن تدهور الأوضاع الأمنية الداخلية أو توتيرها في مراحل سابقة، وبعضهم الآخر تحوم حوله شبهات لاتصاله بجهات أجنبية وتبادل معلومات استخباراتية معها لضرب المقاومة، بحسب معلومات موثقة لفصائل فلسطينية.
وفي المحصلة؛ فقد وجد موجهو السياسة الاحتلالية في ذلك التيار شريكاً مناسباً وفقاً للمصالح المشتركة بين الجانبين.
مواجهة فتنة التيار الإنقلابي
وإذا كانت الساحة الداخلية الفلسطينية لا تبدي قلقاً كبيراً إزاء الاجتياحات الصهيونية، لأنّ المقاومة كفيلة بردع جيش الاحتلال كما حصل في مرات سابقة؛ فإنّ التحدي الكبير الذي لا بد أن تتعاون جميع الفصائل والقوى الفلسطينية فيما بينها لمواجهته، حسب المتابعين للشأن الفلسطيني، هو مسألة مواجهة الفتنة الداخلية، المرتبطة بمكائد المحتل، والتي توشك أن تعصف بمجمل البيت الفلسطيني، إذا لم يتم كفّ مثيريها، والأخذ على أيديهم.
فقد بات واضحا أنّ أولئك المتورطين في إشعار فتائل التفجير الداخلي يسعون مجدداً إلى تسميم أجواء العلاقة بين “فتح” و”حماس” أكبر فصليين وطنيين بعد توقيع اتفاق مكة، وتقويض حكومة الوحدة الوطنية التي تمثل غالبية لون الطيف الفلسطيني، واستهداف المقاومة وفصائلها ورموزها.
المحذِّرون من دور أولئك المتورطين؛ يؤكدون أنّ الأخذ على أيديهم لن يتم إلاّ بفضح أدوارهم أمام الرأي العام، وعزلهم حتى من داخل فصيلهم وأجهزتهم. هي مهمة ليست باليسيرة، ولكنها تحتاج إلى تكاتف وتعاون وحكمة الجميع، الذين هم في سفينة واحدة ، وفي المقدمة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، ولا ينبغي الصمت عن الجريمة مهما كلّف الثمن، الذي تتصاعد تبعاته يوماً في إثر آخر.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...