أغاليط عبد الباري عطوان

في المواقف والظروف الحادة المضطربة تبرز أهمية أصحاب الرأي الذين لا يخدعهم تزاحم الأحداث وكثرتها عن قراءة الموقف على حقيقته؛ ويبرز هؤلاء قادة رأي بحق؛ مقابل جموع أصحاب الرأي الآخرين الذين يجنحون لاختيار الموقف الأكثر شعبوية والأكثر قربا للعاطفة؛ ولو كان هذا الموقف منبت الصلة بأي سند من منطق أو عقل أو صحة في المعطيات.
رئيس تحرير القدس العربي عبد الباري عطوان قدم في اليومين الأخيرين مثالا لصاحب الرأي الحريص على الشعبوية أكثر من الحرص على الحقيقة؛ فالرجل رأى أن حماس صدقت كذبة السلطة؛ وتهافتت على الكرسي؛ وتقتل وترتكب الجرائم في الشارع في سبيله – هكذا بكل خفة واستسهال للتعميم وإطلاق الأحكام!
والحقيقة أن هذا الموقف المعتل مرفوض حتى من فلسطيني يسكن في قرية نائية في الضفة لا اطلاع لها على حقيقة ما يجري؛ ومرفوض من عربي أو مسلم ساءته الأخبار على شاشة التلفزيون ولم يبذل جهدا إضافيا في فهم ما يجري؛ فكيف إذا يكون الحال حين يصدر هذا الموقف من صحافي فلسطيني كبير وعلى صلة بالقادة في كل فصائل الشعب الفلسطيني وبكل مصادر معلومات الوضع الفلسطيني؟
كيف استساغ عطوان وصف حماس بتصديق كذبة السلطة؟ وهل حقا أن حماس لم تدخل السلطة مضطرة ولمنع التيار الاستئصالي العميل من فرض أجندته في غياب حماس وبحجة أنها خارج النظام الفلسطيني؟ إن هذا الرأي الفاسد هو أول لبنة “مضروبة” أسس بها رئيس تحرير القدس العربي وجهة نظره الداحضة بخصوص ما يجري.
وكيف يمكن مساواة من تعرض للقتل على الهوية؛ وفقد شبابه العزل في إعدامات جامعية وتطهير سياسي وحشي فقط لأنهم بلحى – كيف يمكن مساواته حين يرد على مصادر النيران وأوكار الإجرام؛ بالمقارف لهذه الجريمة البربرية؟ كيف يمكن أن تكون حماس على السواء بفتح وهي لم تتحرك إلا حين تم إهانة المنقبات والمحجبات بشبهة الصلة والقرابة بأعضاء من حماس؟ هل صرنا نعيش في عالم سوريالي يستوي فيه القاتل والمقتول؛ والمعتدي والمعتدى عليه؛ وقابيل وهابيل؛ والأم الحقيقية والأم الدعية للطفل المسكين؟
لكن الأستاذ عبدالباري لا يكتفي بسوق المغالطات المفحشة للجمهور؛ بل إنه يغالط حتى نفسه؛ ويقول إن طرفي المواجهة في فلسطين يعانيان من انعدام الرؤية السياسية!
كيف تكون فتح بدون رؤية سياسية وأنت تقول في المقال عينه أن الولايات المتحدة تدجج حرس الرئاسة بالمال والسلاح؟! هل صارت أمريكا تفرق المال على أرواح أمواتها أم توزع الصدقات في رام الله دون انتظار عائد؟ إن من يتمول ويتسلح أمريكيا وصهيونيا هو صاحب رؤية سياسية واضحة؛ وهي رؤية تعتبر الخيانة برنامجا والعمالة طريقا؛ ومن العار والغش للقارئ حماية أصحاب هذه الأجندة والامتناع عن تحميلهم مسؤولية كل ما جرى من سفك للدماء؛ إذ أن من المحتم على من تسلحه أمريكا أن يأتي يوم ويفجر فيه بهذا السلاح؛ كما فعل كل متعيشة أمريكا من الحركات العميلة لها بشكل مباشر أو غير مباشر في لبنان وأمريكا اللاتينية في غير بلد!
كان على الأستاذ عبدالباري أن يرى كيف أن الاغتيال المفتعل “لبهاء أبو جراد” كان شرارة شبيهة بكل الشرارات التي أوقدت فيها أمريكا الحروب الأهلية في كل مكان!
فكيف تفوته هذه البديهية؟ وكيف ينجح في تسوية حماس بفتح بعد كل هذا الوضوح السياسي من فتح – أو الفريق الاستئصالي فيه – ووضوح خياراتها المعادية لفلسطين والأمة؟
أما حماس فمن لا يعرف خياراتها السياسية ورؤيتها السياسية بعد كل هذه السنوات؛ وبعد أكثر من عام من الحصار والخنق والمواجهة السياسية مع العالم كله – بين أمريكا وعربها وعجمها وإسرائيل – فهو لن يرى الشمس في رابعة النهار؛ والحديث معه حتما وحقا ضائع!
لكنني شخصيا لست متفاجئا من مواقف عبد الباري عطوان؛ فالرجل شعبوي جماهيري يحب الموقف الذي يرضي الجمهور؛ وهذا ليس عيبا في حد ذاته لولا أنه يجنح بصاحبه في المواقف الحادة المثيرة للعواطف لوجهات نظر سندها الوحيد ودعامتها اليتيمة هي الهوى… كان من الممكن التماس العذر للرجل على مضض لو أنه كان واحدا من عوام الناس؛ أما بالنسبة لصاحب رأي متطلع للعب دور صانع الرأي والزعامة في الشارع فعليه أن يتحرى الحقيقة؛ وينحاز لبراءة سليمان العشي الذي استشهد فقط لأنه ملتحي؛ ولم يكن في يده مسدس أو قنبلة؛ وكل ما جرى أن قدره قاده للمرور من أمام مقر كونترا فلسطين ليلقى الله شهيدا أولا؛ ويأتي عبدالباري عطوان ليبطل عزاءه ثانيا؛ عن طريق مساواة القاتل بمن يريد منع زيادة عدد قتلى الصحافة الفلسطينية -بيد الإرهاب اللحدي عن ثلاثة- حتى الساعة!
فهل يرضى السيد عبدالباري عطوان – أطال الله في عمره – أن يطيل لحيته ولا يحلقها شهرا؛ ثم ينزل غزة؛ ويمر من أمام مقر حرس الرئاسة العباسي؛ فيقتل بشبهة أنه حماسي أو إسلامي؛ ثم نخرج نحن بكل صفاقة وبرود لندعو لحقن الدم الفلسطيني ومنع القصاص من القتلة؛ وعلى اعتبار أن الطرفين – القاتل والمقتول – يستويان في الإجرام والتناحر وغياب الأفق السياسي؟!
إن الاستسهال العاطفي الشعبوي هو الذي جعل السيد عبد الباري يطوف البلاد في مطلع الألفية الثالثة – أيام حرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية – متغنيا بما سمعه من قصص الاستشهاديين من مصادر في حماس؛ فيرد الحضور في الندوات والمؤتمرات على كلامه بالتصفيق كأنه مجند استشهاديين لحماس؛ ويزهو بنفسه القائد الشعبوي المتوج بغير فصيل وبغير تحمل أي تبعة مادية للنضال والموقف السياسي! وهذا الاستسهال هو نفسه الذي يدعوه الآن لإطلاق موقف شعبوي آخر يريد به وقف القتال – وهذا حق – لكن عن طريق باطل مساواة الخائن بالوطني؛ وسلاح المقاومة بالبندقية الملقمة صهيونيا؛ و يدعو حماس للخروج من السلطة هكذا بكل خفة؛ بحجة أن هذا أحسن للمقاومة؛ مع أن ترك السلطة في هذه المرحلة لن يكون إلا فاتحة لشهية الاستئصاليين للقضاء على حماس في الشارع الشعبي؛ بعد القضاء عليها في الشارع الرسمي.
أتمنى لكل المثقفين والطليعيين في شعبنا والساحة العربية التحلي بالموضوعية؛ وعدم القفز للمواقف المجانية التي تستدر التصفيق وصرخات أعجاب النظارة؛ وليكن لهم في الأستاذ فهمي هويدي قدوة ومثل؛ فهو رغم ارتفاع صخب الصراخ والقصف وصليات الرصاص لم يفشل في قراءة ما جرى ويجري ترجمة للخطة الأمريكية الصهيونية الفتحوية للانقلاب على حماس؛ والقضاء عليها؛ وبناء على معطيات دامغة يعرفها الأستاذ عطوان أكثر منا!
أما إن بقي المثقف نهبا للعواطف؛ أو نهبا لمعطيات مضللة مصدرها كوكب الأكاذيب الفتحوي – كمثل حديث السيد عطوان عن خسارة حماس في 16 موقعة انتخابية؛ لم يذكر لنا إن كانت جامعة بيرزيت منها مثلا – فهو يرتكب جريمة بحق الجمهور؛ وجريمة بحق نفسه؛ ولن يضر حينها السيد المثقف والإعلامي والصحافي إلا نفسه؛ وسرعان ما سيجيء تدخل إسرائيل لصالح القاتل دون المقتول إشارة تصحيح للجمهور؛ وسيندم حينها الذي تعامى عن الحقيقة؛ وسيجزي الله المبصرين خيرا!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...