الثلاثاء 13/مايو/2025

استيطان إسرائيلي متواصل!!

استيطان إسرائيلي متواصل!!
أعلنت السلطات الإسرائيلية عن خطط لبناء أكثر من عشرين ألف وحدة سكنية في القدس الشرقية في محاولة منها لجسر الهوة مع التزايد السكاني الفلسطيني المهدد في كل لحظة. وكأن المواطنين الفلسطينيين يهددون التوازن السكاني في المدينة المقدسة من خلال أرحامهم التي قد تصيبها تهمة الإرهاب. وكأن الإسرائيليين لا يريدون قيام أي احتمال ولو بسيط أو ضئيل لتوازن ديموغرافي في هذه المدينة العربية الإسلامية الفلسطينية فأرادوا سباق الزمن وإحضار ما لا يقل عن مائة ألف نسمة وإسكانهم في قلب العروبة النابض على الأرض الفلسطينية.

وقد جاء الرد الفلسطيني والعربي والدولي باهتا لا يكاد يسمع ودون المستوى المطلوب ودون المكانة الرفيعة لمدينة القدس. فهو مجرد كلمات خاوية وإدانات لفظية تحفظها إسرائيل عن ظهر قلب وتعلم أنها للإستهلاك المحلي ليس إلا. وحتى الأمين العام للأمم المتحدة حارس الأمن والسلم في هذا العالم فقد عبر عن قلقه للخطط الإسرائيلية وأسف لها وبين مدى مخالفتها لخارطة الطريق وتمنى على اسرائيل الرجوع عنها.

الغريب والأشد غرابة أن العالم يتردد كثيرا في إدانة اسرائيل بل يختار أرق الألفاظ وأقلها خشونة لوصف الأعمال التي تقوم بها كالإستيطان حتى لا يتعرض لتهمة اللاسامية. فما المانع أن يردد الحكام الفلسطينيون والعرب قولا واحدا في شأن الإستيطان وهوما قرره القانون الدولي ومواثيقه. لم لا نقول أنه خرق خطير للقانون الدولي الإنساني كما قررت ذلك بالحرف اتفاقية جنيف الرابعة والخاصة بالأراضي المحتلة وتحديدا في الفقرة الأخيرة من المادة 49 منها. لم لا نقول ونكرر ما قرره البروتوكول الأول لعام 1977 وما قررته اتفاقية روما لعام 1998 من أن الإستيطان جريمة حرب . لم لا نستعمل هذه الألفاظ القانونية الصريحة بدل استعمال الألفاظ السياسية التي تقود إلى الخطل والزلل.
الإستيطان وبال ووباء إسرائيلي تجمع عليه معظم الأحزاب الإسرائيلية بل وشاركت فيه . وكان الرواد فيه هم أدعياء حزب العمل حيث وضعوا أسسه التاريخية.
وما لبث الليكود أن وسعه وطوره وزاد من عدد المستوطنين وفتح شهية من كان عازفا عنه ومول من كان قاصرا ماليا. ليستفحل هذا الداء ويتحول إلى سرطان ممتد في الأرض الفلسطينية من أقصاها إلى أقصاها.

الوجود الفلسطيني في القدس العربية مهدد على كافة الصعد. مهدد إن تزوج من خارج القدس ولا يعترف بأبنائه ولا بزوجه . مهدد إن عمل خارج القدس فهو ملاحق من قبل الضرائب الإسرائيلية عن الأموال التي آلت إليه. مهدد في حرياته السياسية فقد غدا وفق النظرة الإسرائيلية جزءا من المنظومة الإسرائيلية.
مهدد في علمه ودراسته وعلوم أولاده وعليه أن يتأقلم مع ذلك . والمشكلة أنه محسود على كل هذه التهديدات واعتبرت من بعض الجهال وكأنها إغراءات.

وفوق هذه التهديدات تصادر الأراضي الفلسطينية وتنزع ملكيتها من الفلسطينيين حتى يقام عليها الإستيطان الإسرائيلي. أو على الأقل يمنع تنظيمها أو تعتبر أراض خضراء أو تعتبر أراض عسكرية لإجراء المناورات العسكرية والتدريب العسكري. وبعد أن تصادر الأرض الفلسطينية يتم استيطانها. وبعد ذلك يتساءل الإسرائيليون بمن فيهم القائمون على بلدية القدس عن ظاهرة البناء غير المرخص في القدس الشرقية!!

عشرون ألف وحدة سكنية إسرائيلية ستبنى مرة واحدة في القطاع الشرقي من المدينة المقدسة أي أن مائة ألف ساكن يهودي سيضافون للمدينة وجوقة الإعلام الإسرائيلية تصدح صباح مساء عن الأمل الإسرائيلي الضائع بتحقيق السلام بسبب تعنت الفلسطينيين بينما الصمت العربي والعالمي بل والتعتيم يلف الموضوع ويبتلعه .
 
لنسأل أنفسنا سؤالا واحدا هل قامت الحكومة الإسرائيلية ببناء منزل واحد للفلسطينيين في القدس الشرقية طيلة احتلالها لأربعة عقود. ألا يجدر بها كصاحبة سلطة فعلية وجابية ضرائب ولو على سبيل ذر الرماد في العيون والتمويه أن تقوم ببناء فقط عشرات الأبنية في مقابل العشرين ألف منزل المتوقع بناؤها. ألا يجدر ببلدية القدس العتيدة أن تخفف من غلواء شروطها بترخيص الأبنية؟ ألا يجدر بها وقد ضمنت توازنا سكانيا لعشرات السنين القادمة أن تسمح بالتنظيم للأراضي العربية ولا تشترط عشر دونمات على الأقل فمن لديه عشر دونمات في القدس العربية؟؟ أو ترفع نسبة البناء في البناء الجديد أم أن الهدف الأوحد والأول هو إخلاء المدينة المقدسة من سكانها العرب الفلسطينيين بل وتفريغهم منها.

كثيرة هي القرارات التي أدانت الإستيطان في القدس أو في الضفة الغربية سواء التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أم عن مجلس الأمن ولكن المستوطنات باقية وتتطور وتزدهر وتغدو مدنا. كثيرة هي محاولات الإستجداء العربية والإسلامية لبذر بذور سلم لم يقم بعد ولن يقوم. كثيرة هي المحاولات الأوروبية والأمريكية لإدانة إلإستيطان الإسرائيلي والتي ما لبثت أن تغيرت لمحاولة احتواء ملف الإستيطان من خلال مقايضة الأراضي الإستيطانية بأراض فلسطبنبة بعضها ببعض أو شرائها أو استئجارها وكأن الأرض المستوطنة غير فلسطينية بدل تجريم الإستيطان من أساسه ومحاكمة مقترفيه.

يبدو أن قوة الباطل خدعت الكثيرين فاعتقدوا أن الباطل غدا حقا. ويبدو أن زيف الباطل صورت للبعض أن الباطل دائم وصاحب ثمرة مشروعة بينما هو خاو وفاقد للشرعية. ويبدو أن القوة العسكرية الإسرائيلية زينت للكثيرين مذاقا طيبا للحرام فاستمرؤوه واعتقدوا أن الإحتلال باق وإرادة الشعوب زائلة. ولا يستبعد أن تصدر المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا في المستقبل القريب تضفي فيه الشرعية المزعومة على مثل هذا القرار.

الأرض هي محور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مهما اتخذت من أشكال وأدوات. والأرض هي التي تمارس عليها الشعوب سيادتها وبدونها لا مكان لممارسة السيادة الفلسطينية بل لا وجود للدولة الفلسطينية. وبناء عشرين ألف وحدة سكنية إسرائيلية هو تعد على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ونفي مسبق لقيام دولتهم لذا يجب فحص هذا الخيار .

 
* صحيفة القدس

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات