السبت 10/مايو/2025

الخطة البديلة لاستراتيجية جديدة

سوسن البرغوتي

تصاعدت الأصوات الفلسطينية والعربية المتضامنة مع الدكتور عزمي بشارة، ولا أنكر على تلك الأصوات التضامن، أو ترجيح رأي مخالف ومختلف جذرياً مع شعارات حزب التجمع الذي يرأسه د.عزمي، والذي يدعو إلى حقوق المواطنة داخل”إسرائيل”، (كدولة)، تجمع المتناقضات على جميع الأصعدة، وتعني صراعاً من أجل التعايش السلمي، وبعد عقود من دماء وقتل وتخريب وتهجير للطرف المعتدى عليه.

ارتكز المتضامنون مع القيادي العربي البارز في الكنيست سابقاً، على دعمه لحق مقاومة المحتل، وتصعيد هجومه على حكومة أولمرت، خاصة بعد الاعتداء “الإسرائيلي” على لبنان وغزة، وكان توقيت استقالته، مدروسا بعناية.

هناك نقاط التقاء كثيرة مع ما يطرحه الدكتور عزمي بشارة، كونه الأكثر شعبية في فلسطين الداخل، وهذه النقطة هامة جداً، لضرورة إشراك أهلنا في الداخل، لدرجة بات التوأم لشيخ المقاومين رائد صلاح، ولربما هو عامل تلطيف ما يعتبره البعض تطرف الشيخ الجليل، والتصدي للاحتلال، دون الاعتراف به كدولة، في حين أن الدكتور بشارة، يؤمن بدولة ثنائية القومية، ولا يرفض (الدولة) الصهيونية القائمة أساساً على التمييز العنصري،حسب الآراء المتضامنة، والتي لا أشك بمصداقيتها الوطنية، وأن د.بشارة، استطاع أن يفضح الديمقراطية العنصرية وينزع القناع الزائف، فهل يحتاج ذلك إلى برهان من أي كان؟!.لكن لماذا الآن وفي هذه المرحلة، نجم د.عزمي يتألق عربياً وفلسطينياً، والكثير من فصائل المقاومة والكتاب تضامنوا معه، وكذلك سوريا والمقاومة اللبنانية والفلسطينية؟.

الإستراتيجية “الاسرائيلية”، التي تنتهج سياسة “الأقوى والأعظم”، لم تعد تطيق خصماً فلسطينياً ضعيفاً، لا يملك تحقيق ما اُتفق عليه، خلف الكواليس.

اتفاقية أوسلو التي ما زالت راياتها مرفوعة لتيار أوسلو، ماتت فعلياً”اسرائلياً” ودولياً، كما أن الدول الغربية، أدركت سقوط أوراق انقلابية داخل فتح، والموهومة لهذه اللحظة، أنها القيادة المستقبلية، رغم استنفاذها المهلة المخصصة لها، خاصة إن سقطت حكومة أولمرت الداعمة لهم، كما أن كوادر وضباط فتح الأحرار، بدأت تحركاتهم تصب بنفس اتجاه إسقاط التيار المحرض للقضاء على المقاومة داخل الحركة، وبناء على مسيرة وخروقات وطنية واضحة، وأن الرئيس عرفات الراحل، لم يكن معجباً بالمجموعة التي  أفرزتها أوسلو، وقد لمح لهذا عدة مرات، بأن مرحلة تنظيف فلسطين، تحتاج إلى “جزم” قديمة، إضافة إلى لقب “كرازي “فلسطين…

لم يعد لهذه الفئة مكان، بعد اتساع شارع الصمود والتحدي في الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي، وإن عمل الإعلام البديل على التضليل، واتهام حماس كمقاومة وحكومة، بأنها راعية  للاقتتال الداخلي، وليس لمواجهة تيار يسعى لتصفية المقاومة.

إجماع الجهات العربية “المعتدلة” والمنحازة إلى المقاومة، كما يحلو للبعض تسميتها، ودول الغرب وأمريكا ذاتها،إلى نتيجة واضحة، بأن القيادة الفلسطينية الحالية المتحمسة لاتفاقيات أكل الدهر عليها وشرب، لن تخدم مساعي سلام حقيقي، ولا بد من إعطاء فرصة قيادة جديدة وبدم جديد، يرضى عنها جميع الأطراف، لمفاوضات طويلة الأمد.

كتساف رئيس الكيان الصهيوني، أحد الأطراف التي تعرقل ظهور القيادة الفلسطينية الجديدة، كونه المسؤول المباشر،عن  رفض إطلاق سراح الأسير مروان البرغوثي، لذلك لا بد من عزله، ليصبح البرغوثي، أحد شخصيات قيادية جديدة، ولهذا تم تمييع البت في قضية كتساف، والمتهم شكلياً بالتحرش الجنسي،لشهور ثلاث، حتى يتسنى معرفة التغيرات داخل الأروقة السياسية في الكيان الصهيوني.

حتى لا أُتهم ، أني أؤمئ إلى تعاون د.عزمي والأسير مروان مع الاعتراف بـ”اسرائيل”مقابل دويلة فلسطينية”لا تهش ولا تنش”، بحيادية أنقل تصورا مستقبليا حول تواجد أطراف سياسية فلسطينية مرنة، تفاوض “إسرائيل” على حدود الـ67، وأطرح الرأي الموضوعي، على أساس وثيقة الأسرى، وطروحات د.عزمي، فكلاهما لم يرفضا “اسرائيل”، وإنما بشروط، أهمها إعلان دولة فلسطينية مجاورة، أما باقي البنود، فكعادة السياسة الفلسطينية، تعتمد على الفعل الصهيوني كرد فعل، وليس بتبني الخطط والتنفيذ.

في المقابل، فالأكثر التزاماً بالثوابت الفلسطينية، هي المقاومة والتصدي المباشر للاحتلال حيث تشكل خطاً واحداً مع شيخ المقاومين رائد صلاح، ولأول مرة في تاريخ النكبة الفلسطينية، يشارك فلسطينيو الداخل في عملية التغيير، وهذا نقطة تُحسب لنا جميعاً، كشعب واحد، وبكل أطيافه السياسية والمقاومة.

بهذا تصبح ورقة تغيير الوجوه المملة والمكشوفة بالكم الهائل بالفساد والإفساد، أكثر إلحاحاً ومطلباً للجميع، إذ أن الدول التي لها وزنها السياسي في العالم، لا يمكنها التعامل مع من انكشفت أقنعتهم، وتطلخت أيديهم بدماء شعوبهم، والشعور المقزز، يفرض احترام العدو القوي مع الطرف الآخر القوي، من أجل إحياء عملية المفاوضات، وليس التعاون مع موظفين يلهثون وراء مصالحهم المادية،ورغم هذا فشلوا في مهامهم، وأثبتوا شراسة منقطعة النظير في المواجهة مع حماس كحركة مقاومة لها امتداد واسع، كبداية وليس كنهاية المطاف، بالتصدي لكل فصائل المقاومة ، والإجهاز على أقوى فصيل، معتقدين أن القضاء على باقي الصفوف، مهمة أسهل وأيسر.

قطر هي الأكثر ترشحاً لاستقطاب ودعم د.عزمي، خاصة وأن سوريا ما زالت تخوض معركة عربية وأخرى خارجية، لتحالفها مع إيران، وحزب الله ليس دولة داخل “دولة” لبنانية، كما يزعمون.

كما أن مصر والأردن، لا يمكنهما تبني التضامن مع د.عزمي، لتوقيع اتفاقيات السلام مع “إسرائيل، والسعودية تجد فيه تناقضاً مع فكرة الدولة الإسلامية. وعلى هذا الأساس، فمن المرجح أن توظف قطر خبرته واستشارته بالشؤون “الإسرائيلية”، ولأنه لا يرفض الكيان جملة وتفصيلاً، والدول الغربية ترحب به، لأنه ليس “إرهابيا إسلامياً”.

إلى هنا تشكلت عناصر تغيير القيادة الفلسطينية، بطرفيها الملتزم والمرن، تلك هي بصراحة وبموضوعية، ما نستشفه من ورقة الاستراتيجية الفلسطينية الجديدة.

مجموعة أسئلة ملحة يجب أن تُطرح، فهل سترجح كفة هذه الورقة لتصبح قادرة على الحياة والخوض في مرحلة ما بعد أولمرت وبوش، وهل ستتخلى “إسرائيل” عن المشروع الصهيوني الكبير، لمرحلة مؤقتة، نتيجة الفشل الذريع لاحتلال العراق والهزيمة التي مُني به جيشهم في لبنان، ولم يحقق أي انتصار في القضاء على المقاومة الفلسطينية، وتصريحات إيران بإزالة “إسرائيل” من الوجود، هو ما يشغل ساسة الصهاينة على مختلف التشكيلات الحكومية القادمة.

يبقى الرهان الثابت وغير المتحول، هو أن “إسرائيل” لن تتنازل عن القدس، وستستمر بالتلكؤ حول البت في حق العودة للاجئين، والمقاومة لن تعترف بـ”إسرائيل” كدولة على أرض فلسطين، وسيستمر الصراع الأبدي إلى يوم الدين، وفلسطين كأرض مقدسة، هبة إلهية كونها البقعة التي ستشهد انتصار الحق الإلهي على الشر الشيطاني، يوم المنشر والمحشر. فالصراع ليس قضية حدود، لكن الوهن العربي، وظهور تيار فلسطيني يحبط الإصلاح والتغيير بالطرق الحوارية في الجبهة الداخلية، وعجز منظمة التحرير عن النهوض مجدداً يسمح بتجاوز المرونة السياسية الفلسطينية، فالخطر من تلك الجوقة لم يعد على مستوى التصريحات، إنما تخطاها إلى مرحلة القبول بأي شيء، حتى لا يفقدوا مناصبهم. فالخطة البديلة، هي استقطاب شخصيات سياسية، عانت من سجون وعنصرية الاحتلال، ولها قاعدة شعبية، تسهل مهمة إسقاط رموز السلطة الأوسلوية، ولمصلحة العملية التفاوضية السياسية، احتمالات نجاحها كثيرة، خاصة أنها تمثل الإمساك بالعصا من المنتصف، ولكن المقلق، هو الاكتفاء بحدود الـ67، وترحيل قضية اللاجئيين والقدس، إلى أجل غير مسمى، وعندها سنعود إلى نقطة الصفر ذاتها، بعد أن يكون العرب قد فتحوا أبوابهم وأسواقهم أمام الجشع الصهيوني، والموساد الذي يستبيح التجسس في البلدان العربية في أي وقت وفي أي مكان.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات