حماس.. خطوات في الطريق الصحيح

فزرعت بذرتها في صحراء جاهلية القرن العشرين ، التي استنكف الشباب فيها زيارة المساجد فضلاً عن عمارتها ، وتركت مزاراً لمن اقترب من زيارة قبره ، وكان الحجاب حالة نادرة تنفر منها نفوس النساء وتشمئز منها طباعهم ،جاهلية كان الفساد حلتها والانحلال حليها ، فلما روتها بدعاة تأصلت تربية الإخوان في مناهجهم لم يستعرضوا أمام الجاهلية عضلاتهم ولم يوكزوا دعاتها فيطرحوهم ، في مرحلة من كف اليد تسمح بتغيير المفاهيم وتحول القناعات ، فتحولت بذرتها إلى شجرة أورقت قيماً وأخلاقاً وأثمرت رعيلا من السابقين الأولين تحولوا من معول هدم يريد قتل الدعوة في دار الصفا إلى لبنات بناء تنقل الدعوة إلى مرحلة من العلنية تغدو فاروقاً بين الحق والباطل تستطيع حمل السلاح إذا ما أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا.

والحق أن هذه النبتة لم تتوفر لها أرض تمد لها يد العون على المنعة والنصرة فتهاجر إليها ، فضلاً أن الأسباب الموضوعية لهجرة مثل هذه النبتة لم تتوفر ؛ فإمكانية حياتها ما زالت قائمة ، بل إن إمكانية تناميها وصعودها كان له دلالات ومؤشرات، صدَقها الواقع بعد حين وبرهن على صحتها ، برغم ما تعرضت له من ضربات كادت أن تجتث وجودها وتستأصل كيانها ، لولا أن واجهتها ببصيرة ثاقبة ووعي منقطع النظير فوت فرصة تصادم مع عدو ثانوي كان يمكن أن يكون ذريعة لصراع دموي ستخرج منه منهارة القوى أمام العدو الأصلي هذا إن خرجت منتصرة أصلاً ،حتى وإن وصفت بخذلان صفها أو الانبطاح لضيف تجمع من أصقاع دول عربية ليصبح آلة في يد العدو ، يعفيه من مسؤولياته القانونية أو تبعاته الوظيفية في أكبر كذبة في الدنيا سميت سلطة وطنية ، ما كانت سوى جنين مشوه ولد من زناً سياسي وقع في مواخير أوسلو واستبدل المشروع الوطني العملاق بهذا القزم الوليد ، كما أن الدخول في مؤسساته الوليدة يعني الذوبان في مائها وإضفاء طابع من الشرعية على هذا المشروع في ظل تضليل إعلامي حول سنغافورة منتظرة أو دولة قادمة!!!

خرجت حماس من هذه الضربات الشديدة والمحنات العصيبة أشد قوة وأمضى عزيمة على مواصلة المشروع واستئناف المسيرة ، فسير الله لها محركاً دافعا وتربة خصبة غنية بسماد النمو وأملاح الصعود، متمثلة في الانتفاضة الثانية التي ركبت حماس على أمواجها بقارب صنعت ألواحه من أدوات المقاومة وجدفت به بعملياتها النوعية وجعلت وقوده من دماء صف كامل من خيرة قادتها ونوابغ جنودها ، واستطاعت أن تحقق إنجازاً تاريخيا للمقاومة عندما اجبر العدو على الانسحاب من غزة مخلفا وراءه وصمة عار على جبين جيش كان يوماً لا يقهر!!

كانت هذه الخطوة مرتكزاً هاماً في تحقيق جزء من برنامج الإجماع الوطني ،القائم على إقامة دولة فلسطينية في حدود السابعة والستين دون التفريط في الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني
يومها عاد القزم الوليد من السفاح السياسي إلى الواجهة من جديد؛ عبر اتفاق المعابر الهزيل الذي لا يتناسب مع تضحيات الشعب المضنية ولا يحقق آماله الواسعة ،وأصبحت الأراضي التي حررت بالدماء وخضبت بالأشلاء في معظمها إن لم تكن كلها في قبضة من لم يكن له في معركة التحرر ناقة ولا جمل إن لم تكن له سهام غدر وشراك لؤم على قاعدة يصنع الثورة مناضل ويحصد ثمارها جبان بل متآمر.

ودق ناقوس الخطر؛ يهدد بنسف سنوات من البذل وأعوام من العطاء ،لم يكن تجاهله يحتمل ولا تناسيه يقبل، كما أن الدخول معه في مواجهة مسلحة هو رجوع بالمشروع إلى زمن الضربات التي كان تحملها أحب من الخروج منها منتصراً خائر القوى أمام عدو يتربص بنا الدوائر وأغلى أمانيه أن ندخل في دوامة صراع داخلي تكون فيه حماس هي التيار الانقلابي في ظل شرعية هزيلة ممسوخة تشبث بها عراب السفاح ومهندسه الأول..

صراع أوشكت الدبابات الوطنية العتيدة التي نزلت في زيارة ملفتة للنظر إلى حي الزيتون أن تكتب أولى فصوله عندما شاركتها دبابات الشمال لمنع المجاهدين من إطلاق صواريخ رادعة اعتبرها البعض عبثية، بوقاحة نادرة أشعلت فتيل أزمة داخلية تداعت لها اجتماعات القاهرة لترتيب بيت فلسطيني خرب نسجت غرفاته من أنسجة أوهن من بيت العنكبوت لا يخلو سكانه من عباقرة بناء تخرجوا من كليات المقاومة الهندسية ،غيبهم سدنة البيت بحجة برنامج منتخب جعلوا منه إسفينا في العمود الفقري للمشروع التحرري استهدف بشكل واضح عسكرة الانتفاضة، كان بحاجة إلى أن يداعب امرأة من بني الأصفر تزينت بالشرعية البرلمانية لينجب جنيناً مشوهاً جديداً حدد أسمه سلفاً بخارطة الطريق ، وربما قدر له أن ينجب هذه المرة في مواخير عربية سميت زوراً أنها العقبة، ليزيد قبحاً عن سالفه_أوسلو _الذي أنجب مشوهاً في البلاد الجميلة!! ولن يكون بمقدور حماس أن توقف نتائجه الكارثية إذا ما تم كما لم تستطع أن توقف شقيقه من قبل.

كان على حماس أن تسرع في عملية استباقية لإجهاض الجنين المنتظر قبل ميلاده بل حتى قبل أن يكون نطفة في رحم البرلمان ، دون الدخول في مواجهة مسلحة لا تحمد عواقبها وإن حسمت نتائجها
ولكم تمنى الإسفين المنتخب أن يحصل على زوجته الصفراء دون أن تكدر حماس صفو لباسها الشرعي، كما لم تكدره في السنين العجاف_96_لأسباب سياسية ؛تبددت يوم سقط مشروع أوسلو من قلوب الناس بسبب الممارسات المفضوحة لأزلامه ،والإرهاق المؤلم من الفساد الممجوج الذي ذاق الناس مرارته، في عشر سنين عجاف ،ولم يعد دخول مؤسساته نوعاً من الذوبان بل إيذانا بسحقه وقتل بقاياه التي خلفتها دبابات البلدوزر الصهيوني الذي أخرج لها شهادة وفاة عملية ،لكنها رياح عاصفة هبت على سفن الأمنيات فأتت بما لا تتمنى وأوقعت ما لا تشتهي، عندما فاجأتهم حماس بقرار الدخول في الانتخابات التشريعية متسلحة بانتصارات متلاحقة في المجالس المحلية شجعتها على خوض مثل هذا الغمار واتخاذ هذا القرار.

ورغم أمنياتهم الشديدة بأن تترك لهم حماس الساحة خالية كما فعلتها في انتخابات الرئاسة ،إلا أنهم أخذتهم العزة بالإثم حينما وصلوا بالظن درجة اليقين أن حماس في أحسن الأحوال لن يكون لها من الأثر نصيب بل ربما تكون شاهد زور على شرعية المرأة الصفراء إذا ما حازت فتح على الأغلبية البرلمانية المرجوة،في الوقت الذي لم تحلم فيه حماس إلا أن تكون مع فتح كفرسي رهان على كفة تعادل؛ تعفي حماس مسؤولية الحكم المفرد وتمنحها حق الفيتو الذي يفرمل قرارات مرتقبة تضر بمصلحة الوطن وثوابت القضية.

واستيقظ الطرفان هذا من أمنياته وذاك من أحلامه ،على وقع الخيول الخضراء تكتسح ساحة البرلمان دون إرادة من فرسانها، لكنه أمر الله كان مفعولاً، ولن يقضي الله لدعوته إلا خيرا…خيراًً اسقط الجنين المقبل قبل أن يكون نطفة، وقطع الطريق على خارطته، وفرمل مؤامرات كانت تحاك في السر لإعدام المشروع وتصفية القضية.