الإثنين 12/مايو/2025

أديس أبابا وواشنطن تطبقان سياسة الأرض المحروقة لمعاقبة شعب الصومال

عمر نجيب

خيل للمخططين الأمريكيين في نهاية سنة 2006 وهم يضعون اللمسات الأخيرة على خطة التدخل العسكري في الصومال بواسطة القوات الأثيوبية والقوات الخاصة التابعة لمشاة البحرية الأمريكية ووحدات النخبة في فرقة دلتا، أن عملية تصفية المحاكم الشرعية التي استطاعت إعادة الاستقرار الى 80 في المائة من مساحة البلاد بعد 15 سنة من الفوضى والفتن، ستكون سهلة خاصة بسبب ضعف تسليح قوات المحاكم وانتشارها على مساحات شاسعة من الأراضي مما جعل وجودها غير كثيف، وكذلك بفضل تمكن طائرات وأقمار التجسس الأمريكية من تحديد مكان وتشكيل أغلب مواقع قوات المحاكم مما سيجعل مهمة القوات الأثيوبية أقرب الى نزهة صيد أكثر من كونها حربا.

الدور الإسرائيلي

اذا كان التحالف الأمريكي الأثيوبي هو الأبرز على الصعيد العلني في صراع السيطرة على الصومال فإنه لا يجب إغفال الدور الإسرائيلي.

 قبل سقوط نظام الرئيس بري سنة 1991 تعاونت تل ابيب مع بعض المعارضين له وزودتهم بالسلاح وتدخلت في كل محاولة لتقريب الصومال من مصر والسودان لأنها اعتبرت ذلك تهديدا لخطوط ملاحتها البحرية عبر باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. وحرصت إسرائيل بعد ذلك على استغلال الأوضاع المتأزمة في الصومال وسعت أكثر من مرة للتغلغل في تلك الدولة الإفريقية العربية، وتشير المصادر العبرية إلى محاولات قامت بها إسرائيل للسيطرة على منطقة صومالي لاند وكشفت صحيفة معاريف عن قيام رجل أعمال إسرائيلي مقيم في إثيوبيا بدور الوسيط لتشجيع التبادل التجاري الإسرائيلي مع صومالي لاند .

كما سعت إسرائيل إلى تأجير ميناء بربرة الصومالي أو على الأقل الفوز بتعهد صومالي لاند بتقديم التسهيلات اللازمة لاستخدام ذلك الميناء لأغراض تجارية كما هو معلن وربما لأغراض أخرى تهم إسرائيل.

وتعتبر إسرائيل منذ فترة طويلة وجود حكومة مركزية قوية قادرة على إعادة توحيد الصومال وغير موالية للغرب عقبة رهيبة أمام سعيها الدائم للتوصل إلى اتفاقيات ومعاهدات لتحقيق مصالحها في تلك المنطقة، خاصة إذا كانت الحكومة المركزية ذات توجه عربي أو إسلامي كما هو الحال في المحاكم الإسلامية الصومالية. ومنذ بروز قوة المحاكم الشرعية في صيف سنة 2006 وسيطرتها على العاصمة مقديشيو كثفت إسرائيل من عمليات تزويد خصوم المحاكم بالسلاح بل إنه قبل التدخل الأثيوبي الكثيف في الحرب قامت وحدات إسرائيلية خاصة بالتوغل في الأراضي الصومالية لجمع معلومات ميدانية وإجراء اتصالات مع بعض أمراء الحرب.

التقدم الأثيوبي السريع

في نهاية ديسمبر 2006 وبداية يناير 2007 قدر البعض أن توقعات المخططين الأمريكيين ستتحقق. فبعد معركة بيداوة حيث اشتبكت قوات المحاكم مع لواء مدرع إثيوبي كان يتحرك تحت غطاء دعمه لما يسمي الحكومة الصومالية المؤقتة خسرت المحاكم مئات الجنود خلال ساعات لأن هؤلاء كانوا يخوضون معركة غير متكافئة بأسلحة خفيفة ومتوسطة على ارض مفتوحة ومنبسطة ضد مدرعات وطائرات عمودية وقطع مدفعية ثقيلة إثيوبية، ولذلك فضلت الانسحاب. بعد ذلك انهارت وبسرعة سيطرة المحاكم بشكل متتابع عن جل المدن الصومالية دون قتال يذكر، بما في ذلك العاصمة مقديشيو وميناء كيسمايو. صفق الأمريكيون للقوات الأثيوبية وغطت وسائل إعلامهم العالم بأخبار النصر السهل واندحار خصومهم بل وذهبوا إلى اتهام رجال المحاكم بالجبن وعدم التوفر على سند شعبي وأسهبوا في ترديد كذبة علاقات المحاكم مع تنظيم القاعدة، بل ونظموا باستخدام المال مظاهرتين لدعم الغزاة والتبشير بالعهد الجديد.

النفط الصومالي

في ظل “الفتح” الأمريكي الأثيوبي وتبشير وزيرة الخارجية الأمريكية بعهد من الديمقراطية بعدما وصفه المحافظون الجدد بالفوضى البناءة، عاد القراصنة الى سواحل الصومال ومعهم كل العصابات الإجرامية وتجار السلاح الى شوارع مدن وقرى البلاد، ومن جديد أصبح المواطنون لا يأمنون على قوتهم وأرزاقهم وأعراضهم، واجبر التجار على العودة إلى دفع الأتاوات الى العصابات لقاء حمايتهم ولم يعد من الممكن التجول في الشوارع بعد المغرب وساد قانون الغاب. رغم كل ذلك أصرت واشنطن وجوقتها على التطبيل لنصرها، وقد أعماها طمعها في ثروات الصومال التي توقعت تقارير المصادر الأمريكية ومنها المخابرات المركزية وبناء على عمليات بحث جيولوجية واستطلاع بواسطة الأقمار الصناعية أن تتضمن كميات وفيرة من النفط تتراوح بين 20 و 35 مليار برميل.

قبل أن يكمل المحافظون الجدد وحلفاؤهم في أديس أبابا الاستمتاع بوليمة النصر في الصومال بدأت صورة مختلفة مظلمة تظهر للغزاة، فقد تبين لهم ان المحاكم فضلت الانسحاب واتبعت استراتيجية الزعيم الصيني ماوتسي تونغ بالذوبان وسط الشعب لأن الدخول في معارك مواجهة مفتوحة ضد قوات متفوقة تسليحا وعددا وفي توقيت ومكان اختيار الخصم يشكل انتحارا بدون قيمة ولا يخدم سوى خصوم الصومال.

قوات المحاكم عادت بعد أسابيع قليلة من دخول القوات الأثيوبية إلى مقديشيو إلى ضرب الغزاة، ولم ينفع أديس أبابا تلويحها بقرب سحب قواتها أو إغداق واشنطن أكثر من 90 مليون دولار على أمراء الحرب الذين عاودوا الظهور ولا المفاوضات السرية مع بعض قيادات المحاكم وزعماء القبائل في منع الشعب الصومالي من تصعيد الانتفاضة ضد المحتل. بل وتعترف تقارير غربية أن التأييد الشعبي للمحاكم الشرعية تعزز ابتداء من شهر فبراير 2007 ووصل إلى مستوى قياسي لم يسجل حتى عندما كان هؤلاء يحكمون الجزء الأكبر من البلاد ويعيدون الاستقرار والطمأنينة له.

وقال تقرير لمركز تشاتهام هاوس البريطاني للأبحاث يوم الأربعاء 25 ابريل “تؤكد تلك التجربة بصورة جلية مزايا الفترة القصيرة للسلطة الإسلامية في جنوب الصومال التي بدأت بالفعل تبرز كأنها عصر ذهبي”. وأضاف إن الحكومة المؤقتة “ببساطة لا تحظى بثقة الجماهير ولا هي تمثل جماعات المصالح القوية في مقديشو”. وحتى تلك الحكومة الوهمية المصنوعة على قياس الغرب وبمواصفاته تتفكك بسرعة وينضم بعض أعضائها إلى المقاومة أو يقبلون بقيادة المحاكم.

وهنا يجب التذكير بواقع أساسي وهو أن خصوم الصومال وفي حربهم ضده لم يستطيعوا اللعب على ورقة الطائفية والمذاهب لتأليب شعب البلد على نفسه، فالصومال بحسابات علوم الاجتماع يصنف في عداد الدول التي يقال على مجتمعها أنه متجانس، خلافا للمجتمعات متعددة الأعراق والتي كثيرا ما تؤدي التمايزات العرقية والثقافية والدينية فيها، وخاصة في دول العالم الثالث، إلى حروب أهلية ونزعات انفصال. فالصومال بتعداد سكانه البالغ 8 ملايين و304 آلاف نسمة، تشكل إثنية البنتو منه نحو 85 في المائة، في مقابل 15 في المائة فقط لغير الصوماليين، فيما يدين البلد كله بالإسلام والمذهب السني، ومن هنا جاء القول بامتلاكه لمزايا التجانس.

سياسة الأرض المحروقة

أمام هذه الوضعية صعدت قوات الاحتلال الأثيوبية المدعومة ماديا وتكتيكيا من الأسطول الأمريكي المرابط أمام سواحل القرن الأفريقي من عمليات القتل الجماعي واتباع سياسة الأرض المحروقة ضد الشعب الصومالي وخاصة المدنيين على أمل إشاعة الخوف ووقف المقاومة ضدها.

القتل الجماعي الأثيوبي الأمريكي ضد المدنيين في العاصمة مقديشيو خلف في الأسبوع الأول من شهر ابريل أكثر من 1200 قتيل ومئات الجرحى وتدمير أحياء كاملة من العاصمة، وقد تواصلت هذه الجرائم، وذلك بشهادة منظمات دولية منها أطباء بدون حدود وطالبت عدة منظمات حقوقية أوروبية مستقلة بضرورة محاكمة المسؤولين عن هذه المجازر.

وتؤكد الأمم المتحدة أن أكثر من 321 ألف شخص فروا من مقديشو في الأسابيع القليلة الماضية بسبب العمليات العسكرية الأثيوبية وينام كثيرون منهم في العراء أو تحت الأشجار. وحذرت من كارثة صحية وشيكة خاصة لانتشار الجثث في الشوارع وتعفنها وعدم توفر الأغذية والمياه والأدوية.

حجم الجريمة الأثيوبية الأمريكية في الصومال تضخم أكثر بعد أن كشفت منظمات دولية أن الحكومة الصومالية المؤقتة تقوم بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية بصورة عاجلة لمستحقيها ممن فروا من القتال الدائر في العاصمة مقديشو.

ويقول دبلوماسيون غربيون، حسبما أوردت وكالة أسوشييتدبرس للأنباء، إن المطالبة بالتفتيش على شحنات المساعدات تزيد الأمر صعوبة بالنسبة لهؤلاء اللاجئين، وانه يظهر أن القوات الأثيوبية والعملاء المحليين التابعين لها وللمخابرات الأمريكية يحجبون المعونات عن قصد كوسيلة لعقاب الشعب الصومالي على مساندته للمحاكم ومناهضته للوجود الأثيوبي.

وكانت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قد قالت إنها تواجه صعوبات متزايدة في توزيع المساعدات بسبب انعدام الأمن وخشونة المعاملة عند نقاط التفتيش وتطبيق السلطات لتعليمات إدارية جديدة. وناشد دبلوماسيون من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وآخرون أمريكيون الحكومة الصومالية وقف الإجراءات التي تعيق توزيع المساعدات.

وقال السفير الألماني في كينيا إن عمليات النهب التي يشنها المسلحون التابعون لأمراء الحرب تعوق إيصال المساعدات من جهة و الإجراءات الحكومية من جهة أخرى.

واشنطن حاولت تلميع صورتها والابتعاد عن تهمة المشاركة في جرائم حرب، وهكذا انتقد السفير الأمريكي في كينيا الإجراءات وقال إنها تنتقص من شرعية الحكومة الصومالية المؤقتة كما وصفها بأنها “غير مقبولة.”

من جهتها أقرت المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، كاثرين فيبل، إن المفوضية تقدم حاليا مواد الإغاثة لحوالي 20 ألفا من المشردين من إجمالي أكثر من 320 ألفا نزحوا بسبب العنف الدائر في البلاد.

وتقول بعض الجماعات المحلية إن عدد من هجروا من منازلهم في الآونة الأخيرة قد تجاوز 500 ألف شخص، في أكبر موجة نزوح عن المدينة منذ سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري عام 1991 أثر تدخل أثيوبي أمريكي لزعزعة البلاد من الداخل.

بوش وزيناوي وإنكار الواقع

مثلما يرفض الرئيس بوش الاعتراف بالهزيمة في العراق يفعل الرئيس الأثيوبي الذي زيادة على غرق قواته في مستنقع حرب الصومال، أصبح يواجه انتفاضة داخل حدود دولته من جانب الشعوب التي تستعمر حكومته أراضيها وفي مقدمتها شعب اوغادن الصومالي. وهكذا وفي محاولة لإنكار الواقع اعتبر رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي أن الحملة العسكرية الإثيوبية في الصومال تشهد “نجاحا” رغم استمرار المسلحين في مقاومة قواته بضراوة.

 وقال زيناوي في مؤتمر صحفي بأديس

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....