ديمقراطية تبرد؟!

أصدر المركز الفلسطيني للبحوث السياسية و المسحية خلال الأسبوع الماضي تقريره الدوري بعنوان “مقياس الديمقراطية في فلسطين” للعام 2006 وكان من اللافت جدا متابعة هذا التقرير في ظل أكبر المخاضات التي يشهدها النظام السياسي الفلسطيني، وحركة مؤشرات الديمقراطية و حقوق الإنسان في ضمن هذه المخاضات.
هذا التقرير و ما يماثله من وثائق رقابية ترصد التحولات السياسية والاجتماعية يزداد أهمية في ظل غياب السواد الأعظم من مؤسسات المجتمع المدني عن دور الرصد الملموس لهذه المتغيرات ولجوء البعض الآخر منها إلى التستر بالدور الشعاراتي الإعلامي بادعاء حماية حقوق الإنسان، كذلك و انطلاقاً من مفرزات هذه التقارير يصبح لزاماً على قادة الرأي العام و قمة الهرم السياسي الفلسطيني التدقيق في المنهجية و المسلكية السياسية السائدة و مدى تأثيرها على مسيرة التحول الديمقراطي المجتمعي.
ولعله من المفيد بدءاً من باب التعليق على ما ورد في التقرير التأسيس ببعض الملاحظات على جوهر التقرير و منهجية إخراجه؛
· اعتمد التقرير على مراقبة خمسين مؤشراً لكل منها نسبته في المجموع النهائي للمقياس، إلا أن نسبة بعض المؤشرات قد جانبت حس المنطق ، فمؤشر العملية الانتخابية ( الرئاسية و البلدية و التشريعية) قد نال نسبة متوسطة -33 من ألف- بالمقارنة مع بعض المؤشرات الأخرى ، علماً بأن هذا المؤشر يكشف عن توجهات النظام السياسي في المرحلة المقبلة ، بالنظر إلى كون العملية الانتخابية في مضمونها نتاجاً لمرحلة معينة بتناقضاتها و توازناتها و تمهيداً لمأسسة مرحلة جديدة بمتغيراتها، وهذا كله محكوم بطبيعة البيئة السياسية و وقواعدها.
· لا يمكن قراءة هذا المقياس بمقاربته مع سابقيه في الأعوام الماضية، نظراً إلى دخول عناصر و مؤشرات مستجدة وهذا يمنع وجود مجموعة معيارية محددة وواضحة تمكن الباحث الكريم أو القارئ من الادعاء بأن نتائج هذا العام يمكن مقارنتها بالأعوام السابقة بهدف تركيب صورة عن حقيقة تطور الديمقراطية و حقوق الإنسان ، مع ملاحظة أن الوسيلة الوحيدة لذلك هي تطبيق المؤشرات المستجدة على المقاييس السابقة بأثر رجعي و هذا ما يبدو غير عملي و بعيد عن الدقة.
و رغم ما سبق فقد خرج التقرير بنتائج جديرة بالتعليق و الاهتمام ، و أنتقي هنا بعضاً منها؛
1- المقياس المتدرج حتى 1000 نقطة أعطى علامة 489 نقطة للديمقراطية في سنة 2006 التي يبدو أن حرارتها و سخونتها قد بردت عن العام 2005 بحوالي 30 نقطة، ورغم الفهم السابق القائل بعدم دقة أي مقارنة، إلا أن ما يسترعي الانتباه هنا أن النظام السياسي بناءً على علامته هذا العام يصنف كـ(نظام سلطوي) علماً بأنه في العام 1998-1999 كان قد صنف على أنه (نظام في طور التحول الديمقراطي بعلامة قدرها 526 نقطة) ، والاعتراض الطافي هنا أمام هذه الأرقام أنه هل يعقل أن أعواماً سادت فيها ممارسات الاعتقال السياسي وغياب أي دور حقيقي للمجلس التشريعي بل وتعديه المدى الزمني المكفول لولايته…هل يعقل أن هذه الأعوام كانت تعبر عن نظام في طور التحول الديمقراطي؟؟؟ وما تلاها في العام 2006 من إعادة تشكل في هرم السلطة وتعدديتها ينظر إليه على أنه نظام سلطوي؟؟
2- شمل التقرير قطاعي الوسائل ( وهي الأدوات و التشريعات و القوانين المعنية بالتحول الديمقراطي و حقوق الإنسان ..مثل وجود دستور من عدمه، وجود قوانين تشريعية تمنع الاعتقال السياسي..الخ) و الممارسات ( وهي تبين مدى الالتزام التنفيذي و التشريعي و المجتمعي بالوسائل سابقة الذكر) وما يجدر التنبيه له هنا أن قطاع الوسائل قد حاز على تقييم جيد أما قطاع الممارسات فقد حاز على تقييم متدنٍ و هذا يوضح أن النظام السياسي يمتلك من المقومات ما تؤهله للسير قدما نحو التحول الديمقراطي إلا أن الثقافة السياسية السائدة لم ترتق حتى الآن إلى مستوى ما تملكه من أدوات تكفل سلاسة العملية السياسية.
3- المؤشرات الخاصة باستقلال القضاء و سيادة القانون حازت على أسوأ المراتب ولعل في هذا ما ينسجم مع روح أخذ القانون باليد و الفلتان الأمني و حروب العائلات السائدة في الواقع، مضافاً إلى ذلك غياب أية سلطة قضائية عليا ذات هامش واسع من الاستقلالية، وفي هذا إشارة إلى ضرورة تفعيل المحكمة الدستورية و إخراج قوانينها إلى حيز التنفيذ لما تشكله هذه الهيئة من ضمانة أساسية في صيانة الجوهر الذي تقوم عليه فلسفة القانون الفلسطيني .
إن قراءة هذا التقرير و التعليق عليه تؤدي بي إلى بعض التساؤلات التي أعتقد جازماً أن توفير المزيد من هذه النوافذ التي تراكم لدى المواطن و القارئ الاطلاع على حقيقة المسيرة السياسية الفلسطينية وتوجهاتها في المرحلة المقبلة، فهل التحول الديمقراطي في فلسطين عملية ممنهجة تمشي دوماً إلى الأمام ، أم هي خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الخلف؟؟؟ وما هو مستقبل هذا التحول المتمازج و عملية تحرريه دخلت منذ أواسط العام 2005 في طور الكمون ؟؟؟ وهل هذا التحول بات خياراً استراتيجياً لدى مجموع الحركة الوطنية و الإسلامية في فلسطين ؟؟؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...