الإثنين 12/مايو/2025

حماس تتقن اللعب بأوراقها.. مقاومتها بين الذكاء السياسي وقوة الانفجار

أمين راشد
الصواريخ الذكية ..

تاريخياً .. تتفاخر الدول فيما بينها على حيازة الصواريخ الذكية ذات الأداء العبقري المذهل والرؤوس الاليكترونية التي تدعم الترسانة العسكرية وتحقق الأهداف من خلالها بدقة متناهية قد تقلب الهزيمة نصراً.. ومهما تطورت تلك الصواريخ وأدخلت عليها الرؤوس الاليكترونية المتتبعة .. فإنها تفتقد قدرات خلية عصبية بشرية واحدة تفوق قدرتها آلاف درجات التطور التكنولوجي والعبقرية التصنيعية .. والهدف من ذلك كله .. الزمان والمكان للإصابة بدقة .. وباختصار: “الانطلاق في الزمن المناسب لإصابة المكان المناسب” .. ولم يكن يتصور فيما سبق أن تصل المقاومة الفلسطينية إلى درجة عالية من التقدم لتصيب أهدافاً محددة بقوة كبيرة لها أصداء قوية تقض مضاجع الأعداء وتبعثر أوراقهم وتنبئ عن خصم ذكي لا يتهاون معه .. “وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى” ..
فـ”الصواريخ القسامية” عرفت متى تنطلق ؟؟وأين؟؟ ولماذا ؟؟

“الصواريخ القسامية” ومصداقية حماس ..

والله لقد أذهلتنا تلك “الصواريخ القسامية” –والكلمتان متلازمتان- أشد مما أذهلت الأعداء بشتى أصنافهم .. فحتى هذه اللحظة ولا زال التعجب حاضراً إجلالاً لبركة تلك الأيدي الطاهرة التي أوقعت صدى قوياً أصم آذان الصهاينة وشلّ الألسنة الماجنة .. ومع أني أستحضر في هذه اللحظات الأيام الأولى لفوز حماس في التشريعي وما تلاها من مغرضات وإشاعات استهدفت جوهر حماس وشككت بعملاقة العمل الجهادي الفلسطيني .. فقال بعضهم :”هل سنسمع استنكاراً للعمليات العسكرية من قبل حكومة حماس؟؟” .. “تخلت حماس عن المقاومة” .. “نزلتِ مبكراً عن جبل أحد يا حماس” .. وغيرها مما أنتجته عقول الخبثاء والأعداء والجهلاء .. لكني لن أتحدث عن تلك الألسن فقد أخرسها طهر الصواريخ التي أبطلت مفعول افتراءات المفترين والمفرطين وأصحاب العقول المتجمدة الذين لا يرون إلا من خلال عدساتهم الخاصة وينكرون على المجاهدين استراحتهم ومناوراتهم وتكتيكاتهم حسداً وجهلاً وسطحية ..

لقد أدرك الجميع بالدليل القاطع الذي أثبته الواقع المعاش .. مصداقية حركة حماس وواقعيتها وعبقريتها السياسية العسكرية التي فاقت كل التخطيطات المحلية والإقليمية والدولية في التاريخ الحديث لقضيتنا الفلسطينية .. والتناغم العجيب بين جميع الناطقين السياسيين للحركة وقادتها الذين يكمل بعضهم بعضاً .. ولا تؤثر في ثوابتهم وجوهرهم ظروف الزمان والمكان .. فقيل سابقاً “إن المسلم الضعيف يتعذر دوماً بالقضاء والقدر .. لكن المؤمن القوي فهو بنفسه قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يرد” .. فـ”يد تبني ويد تقاوم” ليست شعارات جوفاء وإنما حقيقة تثبتها الأيام .. وكما ذكر الأستاذ خالد مشعل في خطابه الأخير في جامعة القلمون في سوريا إذ قال رداً على متهمي حماس بالتخلي عن المقاومة: “سندع الأفعال تقول وراقبوا الأيام” .. ولم تكن إلا ساعات .. لتَصدُق كما عهدناك يا أبا الوليد !!

الصواريخ .. والـ 48 ساعة المحرجة !!

استيقظت الطائرات الصهيونية في الصباح الباكر .. تحوم فوق ربوع غزة العزة .. لتلقي منشورات التهديدات باقتحام غزة خلال ثمانية وأربعين ساعة في حال استمرار إطلاق الصواريخ .. ولم توشك الثمانية والأربعون ساعة على الانتهاء حتى أظلت المستوطنات غيمة قسامية أمطرتهم بما جادت به من صواريخ وقذائف !! “فالتهديد من الجو .. والرد من الجو” .. والآن .. انقلب السحر على الساحر .. فالوضع الداخلي الإسرائيلي لا يتحمل هزائم أكثر .. واقتحام غزة بالنسبة له ليس نزهة عابرة .. مع الحاجة الماسة إلى أي نصر .. لكن تلك الكلمة التي أخذتها “إسرائيل” على عاتقها تحولت إلى رصاصة عادت إلى صدرها .. فأحرجت مع شعبها مرة أخرى .. بمصداقيتها المتلاشية ..

بحثت “إسرائيل” مرة أخرى عما يخرجها من هذا الحرج ويزيل عنها قيود كلماتها في اقتحام غزة .. فادعت أنها لن تقوم بعملية الاقتحام لأنها أفشلت الهدف الأساسي لحماس والمتمثل بعملية خطف جنود جديدة .. هدفت الصواريخ للتغطية عليها .. “عذرٌ أقبح من ذنب” .. شهادة فخر مرة أخرى لحماس ونهجها العسكري السياسي ودهائها وتخطيطها العميق .. الذي حفظ كرامة الأمة وأعاد لها عزتها .. وشهادة فشل جديدة للصهاينة ..
إذاً .. هزيمة جديدة وإحباط جديد لكل الصهاينة أطفالاً ونساءً وشيوخاً .. وها هي “إسرائيل” هزائم متراكمة ككرة ثلج متدحرجة!!

غيركِ .. لم يبلغ الحلم سياسياً .. يا حماس !!

وعلى الصعيد الداخلي الفلسطيني .. ها هي الأفعال تحمل ألف كلمة .. وتجود بأبلغ رسالة .. ولا داعي للمزايدات على حماس لمرضى النفوس .. ولا داعي للقلق للمتخوفين .. فحماس لا زالت تحمل البندقية .. لكنها هذه المرة بشرعية واسعة وشعبية أوسع .. بذكاء وعبقرية بعيداً عما اتهمت عنه من المراهقة والنظرية .. بل هي الحنكة والحكمة في إدارة الصراع .. الأمر الذي تفوقت فيه حماس على أقرانها .. فلا تناقض في التصريحات كما حدث مع ذاك الفصيل “الأميبي” الذي يغرد على هواه .. وضمن رؤيته القاصرة المتخاذلة .. ففي يوم واحد وبأقل من 24 ساعة .. دعا أحد ناطقيهم إلى ضبط النفس بعد عملية اغتيال لأبنائه وعدم الرد .. ودعا أخر إلى الرد السريع .. وكان الفرق الظرف المكاني .. فالأول في الخارج في جولة مع الرئيس الفلسطيني “أبو مازن” والآخر بين أبناء شعبه في الداخل .. وهذا على سبيل المثال لا الحصر ..

حماس التي لا تبيع المواقف.. أثبتت أنها أصيلة طاهرة لا تقبل أن يمنّ عليها في حقها .. ولا تقبل أن يهان شعبها .. فمن المفترض أن يأتي الرد الإسرائيلي على طلب أبي مازن من أولمرت بالسماح لرئيس الوزراء الأستاذ إسماعيل هنية بالتنقل إلى الضفة بشروطهم في السادس والعشرين من الشهر الجاري .. فأتى الرد القسامي الذي باركه أبو العبد أثناء زيارته لوزارة الزراعة مؤكدين على حق الشعب الفلسطيني في رد العدوان والدفاع عن أرضه الطاهرة .. ضاربين بعرض الحائط المنّ الصهيوني المشروط والمظلل بالحصار .. فـ”تموت الحرة ولا تأكل بثدييها” ..

موازين القوى .. إلى أين ؟؟!!

كنا نسمع في الماضي القريب .. قبل بضع سنوات .. مصطلحات هزائمية متخاذلة .. مثل “موازين القوى الدولية” .. “متطلبات المجتمع الدولي” .. وغيرها من الموازين والقبانات التي ملت آذاننا من سماعها على أنغام متخاذلة .. والتي كانت مؤشراً لوقوفنا على أعتاب تنازل جديد .. وفي انتفاضة الأقصى المباركة ببركة المسجد الطاهر .. ثقلت كفة المقاومة وأصبح الميزان متعادلاً بل أصبح الرعب زيادة .. وما تشهده هذه الأيام لم تعد تجدي فيه كل الموازين للمقارنة .. فكل الترسانة العسكرية الصهيونية المدعومة أمريكياً ودولياً ومن بعض الدول العربية المتأسرلة .. في كفة .. و”صواريخ القسام” في الكفة الأخرى !!
فأين أصحاب الموازين وباعتها لينطقوا بها مرة أخرى على أنغام العزة ؟؟!!

النهاية.. لبدايات كبرى..

إن الناظر المراقب ليرى النصر على الأبواب .. لكنه يرى أيضاً .. أن هذا النصر لن تحصده إلا الأيدي الطاهرة .. والقلوب مخلصة .. والنفوس مضحية .. وقد نجحت حماس بفضل الله تعالى أن توحد الأمة العربية وتعيد المعركة التي اختزلت مرات ومرات إلى أن وضعت بأيدي شخص اسمه “ملف القدس” .. نجحت في إعادتها إلى مربعها الأول العربي والإسلامي .. وفي الوقت الذي كان يرتقي فيه ألف محمد درة والعالم العربي والإسلامي يتفرج .. جاء هذا اليوم الذي حفظت فيه المواقف والثوابت .. ولا زال هناك من يتمسك بالمقاومة بل لها من الشرعية ما تفوق به شرعية الحكومات العربية نفسها .. وجاء هذا اليوم الذي يسعى فيه كل حكام العرب –غير المعول عليهم- ولو بالحد الأدنى إلى الاهتمام ومحاولة النهوض بالواقع الفلسطيني ..

نعم .. الطريق طويلة ولا زلنا في البداية .. لكن هذا العهد سيكون مختلفاً بعض الشيء .. فليس هناك مكان للعفوية والتلقائية والفوضى .. بل هذا عصر التخطيط الدقيق والعمل المتواصل .. وعلى كل رصاصة أن تعرف متى تنطلق وكيف وإلى أين .. وأن تتعلم من الصواريخ القسامية الذكية .. وعلى كل الفصائل أن تستنسخ من تجربة حماس ومن صواريخها .. فتتكامل الجهود .. ونستحق النصر .. ونصل إلى ما نرنو إليه ..

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....