التصعيد لقطع الطريق على التطبيع

تسارعت خطى الزعماء العرب في هذه الأيام نحو التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني، فاتجهوا زرافات ووحداناً صوب الكنيست، يسوقهم خوفهم من تكرار نموذج حركة حماس، وحرصهم على إنجاز المشروع الأمريكي الذي ارتهن بقاؤهم على رأس الحكم والسلطة بنجاحه، ولم يعد يعيق تطبيعهم مع الاحتلال سوى محاولة الحصول على مباركة من حماس.
ولذلك فقد أصبح التنازل عن الحقوق الفلسطينية عند العرب الرسميين اليوم بالمجان، ولا يحتاج النظام العربي الرسمي إلى تفويض من الشعب الفلسطيني بالتنازل عن مزيد من الحقوق الفلسطينية، فقد خول العرب الرسميون أنفسهم بهذه المهمة منذ إطلاق “المبادرة العربية للسلام” بمباركة من السلطة الفلسطينية المنبثقة عن اتفاقية أوسلو المشؤومة، لتصبح الآن “المبادرة العربية للتطبيع”…!!
ولكن بنهوض حماس وثباتها وإثبات جدارتها بحق وقوة على الساحة الفلسطينية، أدرك الجميع أنه لا يمكن تمرير الحلول الاستسلامية على شعبنا في ظل الوجود الفاعل لحركة حماس، الأمر الذي اضطر الزعماء العرب إلى محاولة الحصول على مباركة حركة حماس، ليتمكنوا من العمل بتفان وإخلاص لإنجاز هذا التطبيع المبني على التنازل والتفريط، وليسهل لهم قمع كل من يعارضهم ويحول دون تحقيق مهمتهم الخسيسة.
ويسير العرب الرسميون في تعاملهم مع حماس وفق استراتيجية مزدوجة في محاولة نيل مباركتها لنهجهم التفريطي الاستسلامي، وتتمثل هذا الاستراتيجية في خنق حركة حماس وإغلاق كافة الطرق والسبل أمامها، مع إبقاء باب نفق النهج الاستسلامي مفتوحاً أمامها على مصراعيه، ودفعها بكل الوسائل إلى الولوج في هذا النفق المظلم، وهو ما تأباه حماس مهما كانت التضحيات.
ويأتي في سياق استراتيجية خنق حماس الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني برعاية النظام العربي الرسمي وإدارته، والذي يهدف إلى تأليب الشعب على حماس وتحريضه عليها وإقناعه بأن “خيار حماس” لا يحقق له سوى مزيد من الجوع والمعاناة والقهر والحرمان والفوضى والفلتان، بالإضافة إلى استمرار مقاطعة وزراء حماس في الحكومة الفلسطينية وعزل رئيسها وإفشال أجندتها وبرامجها وإصلاحاتها…
ويسعى النظام العربي الرسمي إلى استغلال معاناة شعبنا من خلال مقايضة حقوقه بالتطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني، وذلك بفك الحصار جزئياً عن الشعب الفلسطيني وتخفيف معاناته وإنهاء العزلة الظالمة عن حكومته في مقابل تطبيع الدول العربية والإسلامية علاقاتها كاملة مع هذا الكيان في إطار تنازل بالجملة عن الحقوق الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة.
وإلى أن تتهيأ الأجواء لهذه المقاضية وتسنح الفرصة لها، يقوم النظام العربي الرسمي – الذي يسعى بالأهداف الأمريكية والصهيونية – إلى كسب الوقت لإصلاح صورة حركة فتح، التي تعد الشريك المفضل للعرب الرسميين والمجتمع الدولي، وتعزيزها، ودعم ما يسمى “مؤسسة الرئاسة الفلسطينية” مالياً وسياسياً وإعلامياً، ومد الأجهزة الأمنية التابعة لرئيس السلطة، محمود عباس، بالسلاح والعتاد والتدريب، استعداداً لمواجهة حركة حماس.
وبالتزامن مع هذا الدعم العربي الرسمي والأمريكي والأوروبي والصهيوني لحركة فتح ومؤسسة الرئاسة الفلسطينية وحرس زعيمها، يشن أعداء شعبنا الحملات الإعلامية الشرسة لتشويه صورة حماس وإضعاف شعبيتها والتشكيك في قدرتها على الوفاء بوعودها وإنجاز برامجها…، وبهذه الطريقة يراهن العرب الرسميون والصهاينة والغربيون والأمريكيون وأذنابهم على إفشال حماس في الانتخابات الفلسطينية المقبلة.
وبدلاً من تعزيز صمود شعبنا وفك الحصار عنه، وتوظيف وصول حركة حماس إلى الحكم والسلطة لصالح القضايا العربية والإسلامية والاستفادة من ثباتها وقوتها، اقتصرت السياسة العربية الرسمية تجاه حماس على الاستمرار في ممارسة الضغط عليها، ودفعها للاستجابة لشروط اللجنة الرباعية الدولية، خاصة الاعتراف بالشرعية المزعومة لكيان الاحتلال الصهيوني، وتثبيت الهدنة – من الطرف الفلسطيني فقط – واستمرارها، رغم خرق العدو الصهيوني لها مراراً وتكراراً…
هذا بالإضافة إلى نقل تهديدات الاحتلال والأمريكان ورسائلهم إلى حماس، والحؤول دون تواصل قيادات حماس مع الفلسطينيين اللاجئين في الدول العربية، ومنع حشد قواهم وتجنيدهم لخدمة القضية الفلسطينية، والتوسط لدى حماس لإطلاق سراح الجندي الصهيوني الأسير لدى بعض فصائل المقاومة الفلسطينية، دون القيام بأي جهد يذكر لتحرير الأسرى الفلسطينيين والعرب الأبطال من سجون الاحتلال الغاشم.
كما اقتصرت السياسة العربية الرسمية على دعم سلطة محمود عباس والبقاء رهن إشارة الصهاينة والأمريكان للقيام بدور أمني مريب لحماية السلطة المنبثقة عن اتفاقية أوسلو، وإرسال السلاح والعتاد لها، وذلك من أجل كبح حركة حماس وشق الصف الفلسطيني والنيل من عزيمة شعبنا وكسر إرادته…
إن الحجج التي يسوقها النظام العربي الرسمي لتبرير مؤامراته وممارساته المريبة وسياسياته العدوانية ضد شعبنا الفلسطيني هي حجج داحضة وغير مقبولة إطلاقاً، فقد خذل النظام العربي الرسمي شعبنا وتآمر عليه وتواطأ ضده مع الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية قبل مجيء حماس إلى الحكم والسلطة، وقد زاد هذا التآمر مع وصول حماس إلى الحكم والسلطة، ولا يزال التآمر مستمراً…
وعلى كل الأحوال، فإن أنظمة الحكم العربية الخانعة للبيت الأبيض الأمريكي تنطلق في ممارساتها ضد حماس والشعب الفلسطيني من شراكتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في مواجهة حركات الإسلام السياسي، التي يعدونها عدواً لدوداً مشتركاً لهم جميعاً، فقد برهنت هذه الأنظمة على أنها الشريك المفضل والوحيد للولايات المتحدة والغرب وأداة رخيصة لتنفيذ الأجندة الأمريكية والصهيونية في المنطقة وقمع الحركات الإسلامية وتيارات الممانعة للهيمنة الأمريكية والصهيونية في مقابل بقائها على سدة الحكم والسلطة.
وبدلاً من الخشية من تكرار نموذج حماس ومناصبتها العداء والتآمر عليها ومحاصرة شعبنا وتجويعه وتعذيبه بقسوة، كان الأولى لهذه الأنظمة أن تتقرب إلى شعوبها من خلال مناصرة الشعب الفلسطيني ودعمه وكسر الحصار المفروض عليه والعمل على استرداد حقوقه والدفاع عن كرامة الأمة وحضارتها، لكن حينها تفقد هذه الأنظمة وظيفتها وشرعيتها الأمريكية…!! إذ أنها تفتقر إلى الشرعية الشعبية.
إن هذه الأنظمة المتآمرة على شعبنا وأمتنا تتعامل مع شعبنا وكأنه المعتدي، وتسعى لتحقيق مصالح الاحتلال وكأنه الضحية، وترفض استقبال وزراء حماس في الحكومة، وتلهث وراء لقاء المجرمين الصهاينة، وتحد من حركة قادة حماس في أراضيها، وتفتح بلادها للصهاينة ليعيثوا فيها فساداً، ولهذا كان لا بد من قطع الطريق علي هذه الأنظمة ومنعها من تصفية القضية الفلسطينية لحساب الاحتلال ولخدمة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة.
إن تصعيد المقاومة ضد الاحتلال وردعه والتصدي لممارساته القمعية هو الخيار الأمثل والوحيد لشعبنا في هذه المرحلة مهما بلغت التضحيات والمعاناة، فالبديل الوحيد لهذا الخيار هو ضياع تضحيات الشعب الفلسطيني وجهاده وعودته إلى نقطة الصفر…
كما أن تصعيد المقاومة كفيل بقطع الطريق على أنظمة التطبيع من التفريط بما تبقى من حقوقنا وأرضنا لصالح الاحتلال، وهو كفيل أيضاً بتعرية هذه الأنظمة وفضحها لكل فئات شعوبنا العربية والإسلامية، فلن تتمكن هذه الأنظمة قط من تحقيق مآربها دون مباركة من شعبنا –ممثلاً في حركة حماس– ومن يقف معها في ميدان الجهاد والمقاومة.
بغير هذا سيتمكن النظام العربي الرسمي من تصفية القضية الفلسطينية ومساعدة كيان الاحتلال من الاندماج الطبيعي في العالمين العربي والإسلامي، وسيتمكن الأمريكيون من تنفيذ مشروع “الشرق الأوسط الكبير”، فيجتمع النفط والمال الخليجي والأيدي العاملة المصرية والتكنولوجيا الصهيونية ونمط الحياة الأمريكية لتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى” على أنقاض وجودنا وديننا وحضارتنا…
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

15 شهيدا بينهم أطفال بمجزرة إسرائيلية في مدرسة تؤوي نازحين في جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة فجر اليوم الاثنين، بعدما استهدفت مدرسة تؤوي نازحين في جباليا البلد شمال غزة،...

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....