مروءة مشعل هل تنقذ عطوان؟

وعندما تشعر بأنك تغرد خارج السرب وحدك لن تشعر بالوحدة أو الغربة عندما لا يكون ذلك السرب الذي تركته وراءك سوى غربان تنعق أو بوم تزعق.
وعندما تقف ثابتاً في مواجهة التيار ستشعر بالتميز عن أولئك الذين يجرفهم ذلك التيار كزبد لا قيمة له أو فائدة ترجى منه.
غير أن تلك النشوة التي تصاحب انبلاج الحقيقة مع تتويجك ناطقاً باسم الكثيرين من الرافضين للاستعباد للمشروع الصهيوأميركي في المنطقة قد تغريك لتنصيب نفسك حاكماً بأمره على الآخرين كأن الدنيا لم تجُد بسواك أو أن النساء عقمت أن يلدن مثلك.. أو أن عقول الآخرين قصرت عن فهم ما تفهمه أو إدراك ما تدركه.. وهنا تقع الطامة عندما تتوج نفسك أستاذاً على الآخرين وقاضياً على أعمالهم وتبيح لنفسك أن تصدر الأحكام كيفما تشاء ولا ترى في الساحة أحداً غيرك..
في مقاله الأخير وقع عبد الباري عطوان بذلك الغرور المقيت الذي يبيح للبعض أن يلوي الحقائق ويفتري على الغير ويكذب الأحداث ويصدق الأوهام ويلبسها لباس الحقيقة لأجل أن يقال ما أحكمه وما أفهمه وما أدق تحليلاته وأنه درة زمانه وحكيم عصره..
استباح عطوان لنفسه الافتراء على حركة حماس وصورها بصورة الحركة المأزومة المتورطة الغريقة التي تبحث عن قشة لتتمسك بها فاعتبر أن انهيار الهدنة واستئناف كتائب عز الدين القسام قصفها الصاروخي للمغتصبات الصهيونية (إنقاذاً لحركة حماس من الانشقاق) وتجنيباً (للمصيدة التي نصبها لها القادة العرب لإدخالها بيت الطاعة واستخدامها كمحلل لتصفية القضية الفلسطينية)..
العارف ببواطن الأمور وبتاريخ حركة حماس وحاضرها يعلم علم اليقين أن عطوان يتحدث عن حركة أخرى وأشخاص آخرين لا علاقة لهم بحماس.. يتحدث عن حركة تعشش في ذهنه المليء بالصور السوداء عن الكثير من الحركات البائسة التي اقتاتت على القضية الفلسطينية وجرّت على شعبنا العار والشنار.. حركة يمكن أن تنطبق عليها كل الأوصاف البذيئة التي تطاول بها عطوان على حركة حماس، أما حماس فالواضح أن عطوان يجهلها بالكلية أو يحاول تجاهلها بل ويتعمد إلصاق ما ليس فيها كي يبقى هو وحيد زمانه وفريد عصره.
فما يبديه عطوان من إشفاق وتخوف على حركة حماس من الانشقاق الداخلي و(تحول فصيلها العسكري إلى فصيل مستقل يعود إلى منابع الحركة الفكرية ومنطلقاتها الأساسية التي وضع أسسها المرحوم الشيخ أحمد ياسين أو انضمام عناصره إلى منظمات وحركات مازالت ترفع راية المقاومة وترفض الانضمام إلى العملية السياسية مثل حركة الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية). هو بعينه ما وصفه القائد المجاهد خالد مشعل في محاضرته التي ألقاها في جامعة القلمون السبت 21نيسان الجاري لأولئك الذين يعيشون بأوهام وسراب صنعوه بأنفسهم عندما صدقوا الكذب الذي روجوه بأن الحركة منقسمة بين داخل وخارج وضفة وغزة وصقور وحمائم. أما واقع الحركة فهو أبعد ما يكون عن ذلك وعما يريدونه لها.
ما يردده عطوان حول ذلك هو رجع صدى من حيث يدري أو من حيث لا يدري لما تبثه وسائل الإعلام الحاقدة على الحركة صهيونية وأمريكية وغيرها على أمل أن يتحول ذلك إلى أمر واقع ينعمون بثماره الخبيثة ومع ذلك فقد أثبتت الحركة أن لها قدرة عالية على إصابتهم بالإحباط وخيبة الأمل بتماسكها ورسوخ وحدتها وقوة بنيانها الداخلي.
إن تصويره لمجاهدي القسام بأنهم تحولوا من طابور للاستشهاديين إلى (حراس لمعالي الوزراء والمدراء العامين لحركتهم، أو فراشين في وزارات هي وزارات بالاسم فقط) يدل على مدى التجني واللاموضوعية بل والاستخفاف بأشرف وأكرم وأرفع فئة في هذه الأمة.. ولعل ما يختصر علينا الرد على هذه السفاهة أن مجرد الاحتفاظ بالجندي الأسير جلعاد شليط قرابة العام الكامل في منطقة محدودة جداً تغطيها كل وسائل المراقبة والتنصت والتجسس هو إنجاز ضخم جداً لا يهم حماس ومجاهديها أن تنال عليه وساماً أو إشادة من مثل عبد الباري عطوان.
وقوله بأن الحركة (قبلت بكل قرارات القمم العربية وكل قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في تنازل غير مسبوق يتضمن الاعتراف ضمناً بالدولة العبرية ومبادرة السلام العربية) إنما هو قول متهافت لا يستند إلى الحقيقة وقد جاءت كافة تصريحات قادة حماس نافية لذلك الأمر وكان آخرها ما ورد على رئيس مكتبها السياسي القائد المجاهد خالد مشعل في محاضرته بجامعة القلمون.. مع تأكيد الأخ المجاهد أبو العبد هنية موقفاً ثابتاً من الحركة على الإقرار بقرارات القمم العربية التي ترفض الاعتراف بالكيان الصهيوني.
ومن يتتبع تصريحات قادة حماس لا يجد أي إشارة من قريب أو بعيد لانتهاج نهج يخالف ما كان عليه الشيخ الشهيد أحمد ياسين رحمه الله ولذلك فقد كانت ذكرى استشهاده فرصة للتأكيد على أن شيئاً لم يتغير على نهج واستراتيجية الحركة وأن المقاومة هي السبيل لدحر الاحتلال. وكما قال الأخ المجاهد خالد مشعل في محاضرته التي أشرت لها سابقاً (نحن حركة مقاومة فهل يمكن أن نتخلى عن اسمنا الذي نحمله؟) ثم أكد كما أكد إخوانه في الداخل والخارج أن المقاومة حق طبيعي وخيار استراتيجي لا يمكن التخلي عنه..
وإذا بدا لعطوان أن يشمت في حركة حماس لأنها تخلت عن العديد من الوزارات لأجل حقن الدم الفلسطيني مع أنه هو نفسه اتهمها باللهاث وراء السلطة والمناصب الوزارية فذاك شأنه ولا أظن أن عاقلاً من أبناء شعبنا يمكن أن تمر عليه مغالطاته أو يوافقه في تناقضاته تلك.
وعندما يصف عطوان وزير الداخلية الفلسطيني بأنه شاهد زور أو أنه مثل (نوري المالكي رئيس وزراء العراق يضع الخطط الأمنية ولا يستطيع تنفيذها لأنه لا يحكم على القوات الأمنية) فهو أحد اثنين: إما شخص غائب تماماً عن مجريات الأحداث في فلسطين ولم يصله أن الوزير استقال احتجاجاً على عدم حصوله على صلاحياته وهذا ما ينفي عنه تلك التهمة الوقحة. أو أنه محرض على العودة للاقتتال والفتنة الداخلية.
سذاجة عطوان تجعله يقول إن (حركة حماس تعرضت إلى أكبر خديعة في تاريخها، فقد دخلت الشراكة السياسية بنية طيبة، وعلى أمل أن يتم الاعتراف بها كحركة سياسية شرعية منتخبة، أو يتم رفع الفيتو المفروض عليها، والتعامل معها)..
ذلك التصوير التسطيحي للمشاركة السياسية لحركة حماس والتي تجعل قيادتها مجموعة (دراويش) يستجدون الاعتراف بهم وبحركتهم لدى الأوروبيين والأمريكان وهم الذين يكفيهم فخراً أن الشعب الفلسطيني أعطاهم ثقته الغالية بهم ولم ينزعها عنهم في أحلك وأشد الظروف طيلة استلامهم لزمام الحكومة. إنهم وفي كل تصريح لهم لا يدعون فرصة للتعبير عن أن مشاركتهم في العملية الانتخابية إنما كانت لأجل الشعب الفلسطيني الذي لم يقبل لحماس أن تقصر جهادها على المقاومة المسلحة وتتركه تحت رحمة الفاسدين المفسدين.
فمشعل يقول في محاضرته “إن دنياكم تلك تحت قدمي هاتين” وهنية يرددها مدوية “هي لله” ووزراء حماس لا يجدون غضاضة في ترك وزاراتهم لصالح حكومة وحدة وطنية مع التلويح المستمر من الحركة بأن السلطة بأسرها لن تستمر في حال استمر العالم في سياسته ضد الشعب الفلسطيني الذي دخلت الحركة الانتخابات لأجله ولأجل تخليصه ممن يتلاعبون به وبمصيره.
ويصل عطوان إلى قمة التجني على حماس بقوله (قيادة حماس في الداخل والخارج عكست بانطوائها الملحوظ في الفترة الأخيرة حالة القلق والارتباك هذه. فمنذ اتفاق مكة لم نر السجاد الأحمر يفرش للسيد خالد مشعل ورفاقه في المطارات والعواصم العربية) وهو هنا يغمز ويلمز بطريقة رخيصة رجلاً حقن الله به دماء شعبنا بذلك الاتفاق الذي أغاظ الصهاينة والأمريكان وجعلهم في حيرة من أمرهم..
والحق أنه إن كان هناك أحد يستحق أن يفرش له السجاد الأحمر في هذا الزمان فللأخ المجاهد خالد مشعل وإخوانه في ذات الوقت الذي يعلم الجميع أنهم أزهد الناس بتلك البهرجات التي يبدو أن عطوان لا يكاد يصدق في دواخله النفسية أن بشراً يقودون حركة مقاومة ثورية يترفعون عن المظاهر الفارغة ولا يستغلون مواقعهم لامتصاص دماء الآخرين وهو ما يجعلنا نجزم بعدم معرفته بحركة حماس ولا برجالها..
أما قصة الانطواء الملحوظ وحالة القلق والارتباك فالجولة الواسعة التي قام بها الأستاذ خالد مشعل قبيل مؤتمر القمة وأثناءه مترافقة مع جولة الأستاذ إسماعيل هنية فضلاً عن النواب والوزراء، كل ذلك يدل على أنه كان مشغولاً بالانتخابات النيجيرية أو الفرنسية أو مباراة الأهلي وبرشلونة!!
ويزيد من جرعة التضليل للقراء بقوله (كما غابت تصريحاتهم النارية عبر شاشة قناة الجزيرة.. وباتوا يراقبون التهافت الرسمي العربي على التطبيع مع إسرائيل، والفلتان الأمني في الداخل بصمت المحرج ولا نقول العاجز). فإن كان عطوان يعتبر أن أسلوب السباب والشتائم الذي يتبعه هو ما يعنيه بالتصريحات النارية فهو أسلوب رخيص يربأ قادة حماس عنه ولم يدخل قاموسهم أبداً. أما إن كان يعني بذلك الجهر بالحق على رؤوس الأشهاد فيبدو أنه يتعامى ويتجاهل ما تنقله وسائل الإعلام ومنها قناة الجزيرة التي خصها بالذكر فهي التي بثت محاضرة الأستاذ خالد مشعل لمرات عديدة والتي أظهرت للعالم أجمع أن قادة حماس يتعاملون بأستاذية احترافية في السياسة ومن مواقعهم التي يشغلونها يحاولون توجيه الأمة وحكامها نحو خط المقاومة والممانعة. وإذا كان بعطوان صمم فليت أحداً يخبره بما قاله مشعل لحكام العرب في تلك المحاضرة وتحذيرهم من الشباك الأميركية والصهيونية وما قاله عن حق الشعب الفلسطيني في العودة وما قاله عن المجتمع الدولي وكيفية تعامله مع الأسير شاليت وأسرانا و.. و..
وإذا كان عطوان على رأس تحرير صحيفة في مدينة الضباب فعليه أن يكون متابعاً لما يرد على ألسنة قادة حماس خاصة إذا كانت صحيفته توردها على صفحاتها قبل أن يدعي عليهم فالأستاذ إسماعيل هنية والدكتور محمود الزهار ونواب ووزراء حماس كانت لهم تصريحات مميزة عقب القمة العربية وعقب تشكيل الحكومة وأطلقوا تحذيرات واضحة برفض التنازل لصالح العدو الصهيوني ورفض مواصلة الحصار على شعبنا وصل إلى درجة التلويح باتخاذ إجراء خطير عقب شهرين من تشكيل الحكومة وذكرت ذلك صحيفة القدس العربي ولكن يبدو أن عطوان آخر من يعلم أو أنه يدعي ذلك.
لقد كان ردّ الأستاذ المجاهد خالد مشعل على تصريحات الظواهري أنه من المروءة ألا يرد على رجل تلاحقه أمريكا، وكان على عبد الباري عطوان أن يعي مدلولات ذلك الموقف جيداً قبل أن يمارس تهجمه في كل مقال ومحفل على حركة نذرت نفسها لمقارعة المحتل وضحت بخيرة رجالها لأجل ترسيخ ثقافة الجهاد والاستشهاد والمقاومة والممانعة وضربت أروع الأمثلة في نظافة اليد والتضحية والبذل وتغليب مصلحة الأمة على المصالح الذاتية الضيقة وقدمت نماذج سامقة لقادة ورجال ندر مثيلهم في الأمة.
ترى هل تنفع مروءة مشعل مع شخص كعبد الباري عطوان سمح لنفسه أن يوجه حممه وقذائفه على الأمل الباقي للأمة ليخنقه والنور الساطع ليطفئه.
اختار عطوان أن يصطف جنباً إلى جنب مع طابور المثبطين والمخذلين الذين لا همّ لهم إلا نشر روح اليأس والقنوط والهزيمة في أمة تأبى إلا أن تكون حية بفئة ظاهرة على الحق لا يضرها من خذلها ولا من ناوأها، وصدق رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم القائل “من قال هلك الناس فهو أهلكهم”.
*كاتب فلسطيني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأونروا تحذر من ضرر غير قابل للإصلاح مع إطالة أمد الحصار الإسرائيلي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أن إطالة سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال المساعدات إلى...

السفير الأمريكي في إسرائيل يجدد دعم واشنطن لتهجير الفلسطينيين من غزة
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام جدد السفير الأمريكي لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي مايك هاكابي، دعم واشنطن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، رغم...

جيش الاحتلال يعلن استعادة رفات جندي قٌتل في اجتياح لبنان 1982
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، استعادة رفات جندي إسرائيلي من الأراضي السورية في عملية وصفة بالخاصة....

مسيرة احتجاجية في ستوكهولم تنديدا بالإبادة الإسرائيلية في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام انطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم، السبت، مسيرة احتجاجية تنديدا بقرار إسرائيل توسيع الإبادة على قطاع غزة. ووفق الأناضول؛...

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...