التيار الاستئصالي الأكثر بشاعة:: الداء والدواء!

أن يكون النظام الرسمي في بلد عربي ما معاديا لطموحات وآمال وثوابت الشعب فهذا ليس جديدا؛ ولا يجب أن يثير الاستغراب أبدا – نقول ذلك بكل حرقة – لأن الجمهور العربي معتاد على أن يكون في غربة مع حكامه الرسميين؛ هؤلاء الحكام الذبن يحرصون على رضا القوى الاستعمارية؛ ويتقون شر إسرائيل ويخافون أمريكا؛ وللآنسة كوندي أشد رهبة في صدور بعضهم من الله جل وعلا!
لكن مع ذلك فان التيار الاستئصالي في فلسطين يبدو بين كل استئصاليي المنطقة الأقبح شكلا والأمر مذاقا؛ فلماذا؟
ليس لأن رشيد أبو شباك اجتمع مؤخرا مع أسياده الصهاينة والأمريكان بحضور ممثلي الفروع العربية الوجه واللسان للموساد والسي آي ايه – اجتمع معهم في شرم الشيخ؛ هذا الثغر المنحوس الذي سيسبق “عمواس” في نكده وشؤمه وسيمسح صيته من التاريخ! وليس لأن الحرس الرئاسي العباسي يتمول أمريكيا ويتسلح لميقات يوم معلوم تفجر فيه الأجهزة ضد حزب المقاومة فجرة واحدة! وليس لأن خائنا عميلا من النوع الرديء من العملاء وضع في منصب أمني عال!
فكل هذه الإجراءات اتخذ مثلها في غير بلد عربي؛ وكل هذه المسلكيات تتكرر في الدول العربية التي بات فيها رئيس المخابرات أثقل من رئيس الحكومة؛ وله قناته المفتوحة مع أمريكا؛ والتي لا يشترط فيها أن تمر من خلال “خيال المآتة” الذي علقت صورته على الحائط في مكتب مدير المخبرين!
إذا ما الذي يضفي صفة البشاعة على التيار الاستئصالي في فلسطين ويمنحه جائزة القبح المطلق؟ يكمن السر في رأيي في سلوك استئصاليي فلسطين المتصادم مع المؤسسة والعمل المؤسسي.
في فلسطين لا يكتفي التيار الاستئصالي بمحاولة فرض أو تمرير الأجندة الخيانية؛ لكنه يعمد لتحقيق ذلك إلى أساليب تتعارض مع فكرة الدولة وفكرة الحكومة وفكرة المؤسسة؛ ويلجأ لأساليب هي أقرب لسلوك العصابة وجو العمل المليشيوي. فالتيار الاستئصالي معتاد على التنفس برحابة صدر فقط في جو عمل المليشيا؛ وهذا وحده يمكن أن يفسر تصرف رشيد أبو شباك كأحد “لوردات” المافيا؛ فيكون جهازه لانفلات “الأمن الوقائي” خارج القانون؛ وفوق السلطة؛ ولا يتبع وزارة الداخلية ولا الحكومة؛ ويتمول بميزانية خاصة خارج كل الحسابات وكل الميزانيات؛ ولا يعرف أحد حقيقة من يرسم أجنداته وسياساته؛ ولمن يقدم هذا الجهاز أوراق اعتماده!
وفقط عقلية العصابة هذه يمكنها أن تفسر قيام وزير الصحة الفتحاوي بملأ الوزارة بزعران من عناصر أجهزة الأمن ينتشي بينهم فرحا؛ فيشيعون الاضطراب بين المراجعين؛ بسلوك يذكرنا تماما بالزعران الذين لا يحبهم أحد؛ والذين كانوا يأتون لاحتلال ساحة اللعب للتخريب؛ فلا هم يلعبون حقا؛ ولا هم يدعون غيرهم يلعب ويستمتع!
بل حتى قيام الرئاسة بسحب الصلاحيات من الحكومة وزارة فوزارة؛ وإنشاء حكومة موازية في المقاطعة ممن ترضى عنهم من أبناء العصابة – هذا السلوك هو استمرار لروحية أجهزة الأمن في فتح؛ هذه الروحية التي تجعلها على تضاد تام مع الدولة والحكومة؛ وفي تعارض مستمر مع الانضباط والعمل المنظم من أي نوع؛ وتنزع أكثر للعمل السري تحت الأرضي!
وقد يجادل البعض ويقول إن هذا السلوك العابث اللامسؤول فقط مرتبط بتحدي حماس؛ وأنه لو غاب هذا العدو الداهم الذي يريد سحب الصلاحيات من فتح فستعود فتح لسلوك الدولة وتعود الأمور لطبيعتها!
لكن تاريخ السلطة الفلسطينية ينفي ذلك تماما ويدحضه؛ فسلطة شاكست حتى المانحين؛ ووزعت الرواتب دون كشوف كانت ولا تزال تتعامل مع مواردها مثل العصابة وحسب! وسلطة تنازعتها أجهزة أمنية ثلاثة عشرة يرأس كل منها جنرال يكره الآخرين – هذه السلطة كانت أبعد ما تكون عن المؤسسة؛ لا في تعاملها مثلا مع المعارضين سجنا وقتلا وتعذيبا وحشيا؛ بل حتى في تعاملها فيما بينها؛ حين انقلبت أجهزة أمنية على أخرى؛ واشتبكت معها؛ بل حتى عضت بعض هذه الأجهزة؛ وبعض قادتها السياسيين؛ اليد التي ربتها وسمنتها بالحرام – يد صريع المقاطعة العجوز بطبيعة الحال – وانتهى الأمر بها لأن يغتال بعض قادتها البعض الآخر ماديا أو معنويا؛ والأمثلة العديدة أكثر من أن تذكر في هذه العجالة!
سلوك أجهزة الأمن هذا هو سر ما يكره الناس في التيار الاستئصالي في فلسطين أكثر من أقرانه العرب؛ فالناس تكره أجهزة الأمن وتحب الحكومة! الناس تكره العصابة وتحب المؤسسة! ولذلك فإن الناس تكره مفرطي فلسطين أكثر من غيرهم من منحرفي الأمة؛ فالكل في التيار الاستئصالي في فلسطين يتصرف كرجل عصابات أو رجل ميليشيا؛ من قرضاي المنقلب على رئيسه وهو يرتدي البذلة؛ إلى زعيم تيار “الأسرلة” الذين ينقلب على رئيسه “بزعبرة” في الشوارع – على نحو ما تسعفه به تربيته الشوارعية وتفكيره الحاراتي – وليس انتهاء بزعران جمال الطيراوي و”ولِدِّة” كفر قليل من خاطفي الأطفال!
لكن ما الحل مع هذا الطغام والرغام؟
قديما حين كنا نسعى لتطهير الملعب من هؤلاء “الخرِّيبين” الذين يمنعون اللعب كنا ندرك أن قوانين المدرسة لم تكن تصلح مع هذه الحثالة؛ لأن نفوذ المدرسة لم يكن يمتد خارج أسوارها؛ ناهيك عن أنه لم يكن يمتد خارج أوقات الدوام بطبيعة الحال…
أما أولياء الأمور فهم أيضا لم يكونوا يتدخلون في ما قد يقدح في “هيبتهم” مطاردة لزعران السكك في الطرقات والشوارع…
وحدها شلة من “الأخيار” كانت تقدر على وضع حد لشلة الزعران؛ وتفرض السماح باللعب رغم أنوفهم؛ فإما أن يشتركوا في اللعب بأدب وضمن قواعد اللعب؛ أو عليهم أن يرحلوا بعيدا عن أرض الملعب؛ أو الاستعداد لمواجهة قاسية قد يتمكنون فيها من ضرب خصومهم نعم؛ لكنهم لا شك أنهم سيتعرضون في نهاية المطاف للضرب المبرح؛ وأيضا سيتركون الملعب!
شلة الأخيار كانت تفهم لغة وشروط اللعب مع الزعران وتعرف كيف تلوي ذراعهم وتضغط عليهم؛ وتداويهم بالتي كانت هي الداء!
ولذلك فإن على حزب الثوابت والمقاومة في فلسطين الكف عن قصر الرد على تخرصات وولدنات وهرطقات الحزب الخياني من خلال لغة وسلوك المؤسسة. المؤسسة ومنهجيتها مفيدة ولا شك؛ ولا بد لهاني القواسمي أن يظهر قريبا جدا في مؤتمر صحافي يشرح فيه بالأرقام والمعطيات أسباب استقالته؛ وطبيعة تغول الفرع الفلسطيني للشاباك – جهاز رشيد أبو شباك! – ودوره في تخريب الأمن والسلام في بلدنا؛ ودوره الخياني العميل الصرف!
لكن؛ وحتى تصل الرسالة فلا بد من قرع عقل رجل العصابة في رؤوس قادة التيار الاستئصالي برسالة أخرى موازية مكتوبة بلغة عصابة الأخيار! رسالة يفهمها رجل أجهزة الأمن الذي تعود على تحدي النظام من أيام طفولة الشوارع والتسرب من المدارس؛ وتعود ألا يرتدع إلا بعقوبة من جنس الجريمة!
فلا يفل الحديد إلا الحديد؛ ولا يكسر شوكة أجهزة الأمن إلا ميلشيا مثلها!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...