الأحد 11/مايو/2025

مؤسسة فلسطين للثقافة: كتيبة طليعية في حرب الذاكرة والوعي الفلسطيني

رشيد ثابت

لماذا يكتب المرء معبرا عن إعجابه بالأفراد أو الجماعات والمؤسسات البارزة والناجحة؟

قد يكون الباعث على ذلك الإحساس بالعرفان لما قدموه من أياد بيضاء للناس والأمة؛ وقد يكون هذا العمل طريقة في شكرهم على ما صنعوه؛ وقد يكون أيضا تعبيرا عن الإحساس بتمثل القدوة في هؤلاء المبدعين. لكن الثناء على مؤسسة فلسطين للثقافة يجاوز هذه القوالب إلى معان أكثر عمقا والتصاقا بنفس الفلسطيني؛ فيغدو الحديث الايجابي عن المؤسسة وما تصنعه جزءاً من حب الانتصار للذات الفلسطينية المقهورة والمعتدى عليها – المعتدى عليها في مختلف أشكال الحروب السياسية والثقافية المعلنة ضدها في ميدان واسع حدوده الأرض كلها! إذا هذه السطور ليست مديحا في أحد؛ بل هي تعبير عن حبنا لقضيتنا وشعبنا؛ وحبنا لأنفسنا؛ وحبنا لما نمثل؛ وتجسيد لما نأمل من حصانة لحقوقنا ونصر في معركتنا العادلة.

وأنا كفلسطيني مهجري ومنذ عهد الطفولة؛ لا زلت أذكر كم كان يحز في نفسي أن يغيب علم فلسطين واسمها من أكثر كتب الجغرافيا ودون تفسير مقنع؛ ومن لائحة الدول المشاركة في مسابقة كأس العالم في أي رياضة ودون إبداء الأسباب؛ فتعرض أعلام “بوركينا فاسو” و”نيوكاليدونيا” في المحافل الدولية دون علم فلسطين! أما حين كبرنا؛ فقد صار سؤال الهوية أصعب وأقسى؛ فنحن الفلسطينيون في المهجر عادة ما نولد في مكان؛ ونحمل جنسية مكان آخر؛ ونطمح في حمل أوراق ثبوتية من بلد ثالث أفضل؛ وعلينا في كل هذه الساحات تقديم شرح إضافي مللنا من تكراره لكل سائل؛ عن سر توزع ولاءاتنا على مستوى الأوراق الرسمية بين كل هذه البلدان؛ وعن سر تعلق قلوبنا في الوقت نفسه بفلسطين الحبيبة.

لهذا؛ ولكل عذاباتنا السياسية والاجتماعية والنفسية التي لا تقصر الصحف ومحطات التلفاز في بثها وشرحها؛ وما يزيد على عذاب النفس هذا من صبر ومصابرة ومرابطة أهلنا في الداخل رغم عمق الجراح ورغم تكسر النصال على النصال؛ فإن اللجوء لمثل مؤسسة فلسطين للثقافة فيه عزاء للروح وسلوى للنفس من أوجاع سؤال الهوية؛ فيتصفح الفلسطيني من نافذة المؤسسة في موقعها على الانترنت كل ما يغذو ذاكرته ووعيه بتاريخه وحاضره الثقافي كفلسطيني؛ وبكل ما من شأنه إعادة اللحمة بينه وبين أرض فلسطين وقضيتها في البعد الثقافي.

والثقافة كما تفهمها المؤسسة هي الثقافة بتعريفها العام الذي يشمل عادات الشعوب وتقاليدهم؛ ومطعمهم وملبسهم؛ وآلامهم وآمالهم؛ وآدابهم وفنونهم؛ وتاريخهم وحاضرهم؛ ونشاطهم السياسي والعسكري والاقتصادي والفني والأدبي وغير ذلك من ضروب الأنشطة الإنسانية؛ كل ذلك في إطار رؤية أصيلة روحيا؛ ترعى الله وتراعي حتمية التقاء فلسطين وثقافتها مع طريق الله عزوجل والمقدسات؛ رغم ما يعرو ذلك أحيانا من شك نتيجة إرجاف المرجفين؛ وصنيع العاقين من أبناء فلسطين!

وهكذا يمكن للمتصفح في موقع المؤسسة متابعة ضروب من معطيات التراث الشعبي؛ فيمكنه الاستماع لموسيقى” أبو عرب” الشجية؛ والإنصات لخطبة عصماء يلقيها أحمد الشقيري بصوت فخم جهوري؛ والنظر في وثائق قديمة من محفوظات فلسطين؛ وقراءة دراسات ومقالات عن هذا كله وغيره وعن فلسطين تاريخا وجغرافيا؛ وعن المقدسات والأعلام والنوابغ؛ ويمكنه تصفح آداب فلسطينية بين قصة وقصيدة؛ وخاطرة وتحليل نقدي؛ وصولا إلى إمتاع الأبصار بتصاوير ورسومات أبدعها فنانون معاصرون وكلاسيكيون قدامى لمعالم من الأرض التي بارك الله حولها.

وليست المؤسسة موقعا على الانترنت وحسب؛ فالمؤسسة تقوم بجهود جبارة لتجميع كميات ضخمة من المواد السمعية والبصرية والمقروءة مما يخص ثقافة فلسطين في الماضي والحاضر؛ بما في ذلك وعلى سبيل المثال لا الحصر مخطوطات تؤرخ للحقب الإسلامية والقديمة في فلسطين؛ وأشرطة تسجيلية قديمة لأهازيج وأشعار فلسطينية. كذلك؛ تنفذ المؤسسة ما سأسميه عملية تقص واستخبارات أدبية وثقافية؛ تنفض الغبار عن أعمال قيمة غفلت عنها الأمة والناس في غمرة انشغالهم عن فلسطين وثقافتها؛ وحققت هذه الحملات للآن نجاحات باهرة في تحصيل دواوين ومسرحيات لمؤلفين وشعراء فلسطينيين قدامى؛ وغير ذلك من الموجودات الطريفة التي يضيق المقام عن تفصيلها. ثم هي فوق ذلك كله تمارس دور دار للنشر تعنى بطباعة مختلف المصنفات ذات الصلة بالشأن الفلسطيني.

أما مؤخرا؛ فالمؤسسة بدأت في حملة تجنيد للمبدعين الفلسطينيين ورصد لهم؛ ولذلك فهي تطلق في هذه الأيام مدونات لكل مشروع أديب أو كاتب أو فنان ولكل مبدع في أي شكل من أشكال الإبداع؛ لعرض ما عنده في سوق الكترونية عامرة تعقد سبعة أيام في الأسبوع؛ وثلاثمائة وخمسة وستين يوما في السنة؛ وتصل من انقطع من حبال الوحدة الثقافية بين الفلسطينيين في كل مكان؛ بين أجزاء الوطن المقطع وبين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي المهجر.

وموقع المؤسسة العتيدة للمهتمين على الانترنت هو:
http://www.thaqafa.org

فإن كنت فلسطينيا معتزا بهويتك؛ أو باحثا عن إجابات لأسئلة الهوية؛ فعليك بزيارة الموقع. وان كنت مبدعا فلسطينيا؛ أو مبدعا لفلسطين؛ أو تحب الإبداع لها؛ وتحب أن تقضي بعض الوقت في سوق المبدعين منها ولها فأنت مدعو للتواصل مع المؤسسة؛ ومدعو لحجز مقعدك في مدوناتها على الحرب والسعة؛ فإلى هناك!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات