الأربعاء 26/يونيو/2024

شمعون بيريس يفتتح حفلة الطعن بالسكاكين في إسرائيل

شمعون بيريس يفتتح حفلة الطعن بالسكاكين في إسرائيل

صحيفة الوطن السعودية

أثار بدء نشر شهادات المسؤولين الإسرائيليين أمام لجنة فينوجراد، بنشر شهادة نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريس، وهي الشهادة الوحيدة التي نشرت حتى كتابة هذه السطور عاصفة من النقاش في “إسرائيل”. وقد كانت المحكمة الإسرائيلية العليا أمرت اللجنة بنشر إفادات كل من رئيس الوزراء إيهود أولمرت ووزير الدفاع عامير بيرتس ورئيس الأركان السابق دان حالوتس. وطالب البعض مثل رئيسة كتلة “ميريتس” اليسارية الإسرائيلية النائبة زهافا غلؤون المحكمة العليا في “إسرائيل” بالإيعاز إلى لجنة فينوغراد بنشر كل الشهادات فوراً. بينما طالب البعض بمن فيهم اللجنة بتأجيل النشر حتى لا يؤثر ذلك على إفادات مسؤولين آخرين سيمثلون أمامها مستقبلاً.

أثارت شهادة بيريس الكثير من النقاش رغم الحذف الذي قامت به الرقابة العسكرية، ليس لأنها شهادة تُحرج أولمرت فحسب، بل والأهم لأنها تعكس آليات اتخاذ القرار في النخبة الإسرائيلية، والانتهازية الشخصية التي تسيّر مواقفها، عبر نموذج مثل بيريس الشخص الفاعل في الحياة السياسية منذ الخمسينات.

يقول بيريس في مطلع شهادته: “ولو أن الأمر كان يتعلق بي ـ لما ذهبت إلى هذه الحرب. لو أن الأمر يتعلق بي، لما صغت أيضاً قائمة أهداف الحرب… فلم تكن لنا أية أهداف، لأننا لم نبادر بشن الحرب… بعد ذلك اعتقدت أن الجيش الإسرائيلي غير مستعد لهذه الحرب” والغريب في مثل هذا التقييم أنه يخرج من مسؤول رفيع صوت إلى جانب الحرب.

وعندما يسأله أحد أعضاء اللجنة عن تقييمه للنتائج يقول بيريس: “يستحيل القول إنها حرب فاشلة، رغم استحالة القول عنها في الحقيقة إنها حرب ناجحة. وهي لم تفشل، لأنها في نهاية المطاف، سواء قيل ذلك علناً أم جرى التلميح له، حرب لا يستطيع حزب الله تفسير سبب خروجه لها. إنه لا يعرف كيف يشرح الأمر لقسم كبير من الناس” وعند تقييمها بما يتجاوز الحرب ذاتها إلى التغيير في صورة “إسرائيل” يقول بيريس: “في نهاية المطاف، وقف العالم إلى جانبنا، ولكن بشكل غير لطيف، لأننا ضعفاء وليس لأننا محقون. كان هناك شعور بأن “إسرائيل” ليست على ما كانت عليه دائماً، فهي غير لامعة، لا تقدم مفاجآت، غير إبداعية. انجرت إلى المعركة وهي تثرثر ولهذا السبب، فقدنا بعضاً من قدرة الردع، ونحن نعتبر اليوم أضعف مما كنا، لقد فقدنا من قدرتنا الردعية في عيون العرب، وهذا يتجلى في مظاهر نزع المشروعية عن وجود “إسرائيل”… وفكرة نزع الشرعية تأتي لتنفي أصلاً حق “إسرائيل” في الوجود. وينبغي لنا أن نفكر بقوة فيما إذا كان كل هذا قد جاء على خلفية السلاح النووي في إيران. وأنه لذلك تغيرت مكانتنا في العالم. ففي الماضي، وأقول ذلك بنوع من الإعجاب، كانت “إسرائيل” مشكلة العالم. اليوم بات العالم مشكلة ل”إسرائيل”. إنه عالم فيه إرهاب، فيه سلاح نووي، ولم يعد فيه هذا الشعور الذي ساد أساساً بعد المحرقة النازية، إن “إسرائيل” هي أمر محق وما شابه”.

ويطرح بيريس السؤال الأساسي ويجيب عليه: “والسؤال هو كيف نواجه الوضع؟ والمواجهة في نظري مزدوجة. وبودي هنا عرض استنتاجات: لا أعرف مقدار الزمن الذي سيبقى فيه الشرق الأوسط من دون سلاح نووي، ولكنه لا يبدو زمناً طويلاً، من الجائز خمس سنوات ومن الجائز عشر سنوات. وبسبب أنه لا يمكننا منع تسرب السلاح النووي، ينبغي لنا أن نزيل أسباب مهاجمتنا، وبكلمات أخرى يجب علينا تحقيق السلام الشامل في فترة قريبة. وهناك خياران: الأول، إذا بقينا في المناطق وامتلكوا هم سلاحاً نووياً، فإنني لا أعلم هل سيلقون علينا قنبلة نووية بالضرورة، ولكن بالتأكيد سيغدون أشد عناداً في المفاوضات. وسيكون لديهم شعور بأن النصر حليفهم، وحينها سنضطر لأن نكون وحشيين مع أنفسنا. إننا نلعب بمصير الشعب اليهودي.

من جهة ثانية، من الواجب فعل كل شيء من أجل تحقيق السلام، وبودي هنا قول كلمة عن هذا الشأن… وبسبب أن هذه حرب عن بعد، حرب ضد الإرهاب، يستحيل الركض بطائرة إف 16 تبلغ قيمتها مئة مليون دولار خلف كل شاب في السادسة عشرة من عمره، وهم في النهاية سيمتلكون صواريخ مضادة للطائرات وحتى طائرات حربية أيضاً. ويتعذر علينا أخذ دبابة ميركافا تبلغ قيمتها عشرة ملايين دولار، وإرسالها نحو كل خندق. نحن ملزمون بخلق ردع جديد تماماً. ولدينا القدرة على ذلك. وأنا أؤمن بذلك اليوم، مثلما آمنت قبل خمسين سنة بعهد آخر. وفقط من دون الدخول أكثر من اللازم في التكنولوجيا”.

يبدو بيريس في شهادته كأنه ينطق بحكمة أعطته إياها سنواته الطويلة في الساحة السياسية الإسرائيلية. ولكنها قُرأت في “إسرائيل” على أنها نموذج للانتهازية السياسية حتى في أرذل العمر. ولم يتردد المعلق الإسرائيلي الشهير زئيف شيف في اعتبارها شهادة “تسبب الاكتئاب” و”تثير الاشمئزاز” وتشير إلى “إفلاس زعاماتي” في “إسرائيل”. “فقد صوت بيريس في مصلحة حرب يقول عنها إنه ما كان ليذهب إليها. وقد فضل إرسال جنود الجيش الإسرائيلي إلى الحرب، لأنه اعتقد بأنه هكذا يساعد رئيس الوزراء أكثر”.

لا شك بأن شهادة بيريس فيها الكثير من الانتهازية، ولعل الرجل الثمانيني ما زال يبحث عن دور سياسي، يعتبر نفسه قادراً على القيام به، مكرراً تجربة العجوز أرييل شارون. ويبدو أنه اعتبر أقصر الطرق إلى ذلك، هو طعن أولمرت بالظهر. ولا شك بأن نشر شهادات لجنة فينوغراد، ستثبت أن بيريس ليس الوحيد الذي شهر سكينه، ولكن شهادات المسؤولين الإسرائيليين أمام اللجنة هي حفلة لشهر السكاكين والطعن بها.

* كاتبة فلسطينية 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات