الإثنين 12/مايو/2025

قراءة في منهجية وأدوات إعلام التضليل في فلسطين (3-3)

رشيد ثابت
في الحلقة الأخيرة ادخرنا أسوأ ما في جعبة إعلام المرجفين من وسائل التضليل لمناقشتها وعرضها قبل أن نضع استنتاجا نهائيا؛ فإلى المزيد من كشف طرائق المضللين:

ركوب موجة الفضيلة والشعبوية:

 
وفي هذا الإطار يعمد الإعلام المضلل أو الجهاز الإعلامي لحزب التفريط الى محاولة كسب نقاط في معركة الفضيلة عن طريق المزايدة باسمها دون أي سند حقيقي على الأرض؛ ودون تحمل أي تبعات عملية لهذا الموقف المسرحي.

وقد تكون هذه المزايدة بعيدة تخص أحداثا في ساحات غير فلسطينية؛ ولا يترتب على هذه المزايدة أي أثر مادي او استحقاقات للوقوف في صف الفضيلة؛ ولا يعدو الأمر أن يكون أكثر من إطلاق فقاعات إعلامية للاستهلاك الفارغ.

من ذلك؛ كان الموقف المبالغ فيه من احتفال قادة من حزب التفريط بالصورة المؤثرة التي ظهر عليها صدام حسين عند إعدامه وإشادتهم به – الإشادة به من قبل من هم يعتبرون معادلا طبيعيا وموضوعيا لمن أعدم صدام وتعاون مع المحتل في بلده ضد المقاومة! كذلك يقع في هذا السياق حديث الناطقين في ذلك الحزب علنا عن “فرحهم” بالضربة التي تلقاها الصهاينة في لبنان في حرب تموز؛ فيما هم يعملون باستمرار لهدم منهج المقاومة في فلسطين وخنقه وحصاره والتبخيس في انجازاته؛ تماما كما يفعل حزب 14 آذار في لبنان حين يبخس في انجازات حزب الله ودوره. ولا بأس هنا من الاستطراد قليلا والقول أن ملة المفرطين واحدة؛ و أن حزب 14 آذار هذا يمارس أحيانا نفس الدور مع حزب الله في لبنان؛ فالياس عطالله رئيس حزب اليسار الديمقراطي دعا حزب الله مؤخرا لاحتذاء حذو حماس وحرصها على الوحدة الوطنية في فلسطين؛ ودعاه لاتباع نموذجها التصالحي في لبنان!

وقد بلغ ركوب موجة الفضيلة من قبل حزب التفريط الفلسطيني حدا سافرا لا يخلو من طرافة؛ حين أشاعت وسائل إعلام التضليل خبرا عن “عماد مغنية” الشخصية الأسطورية في حزب الله؛ وقالت عنه أنه من فتح ونشأ فيها؛ وكأن هذا هو سر نجاح حزب الله وحجر الفلاسفة الثمين الضروري للانتصار في حرب المقاومة: أن يمر المقاوم من فتح!

بل وتوسعت بروباغندا التضليل واعتبرت أن سلاح حزب الله مصدره من فتح التي كانت تركت سلاحها في لبنان لصالح حركة أمل – التي انشق حزب الله عنها – وذلك عند الخروج من بيروت عام 1982! وبطبيعة الحال كان مطلوبا من القارئ تصور أن ما أخذه منشقو حزب الله من أمل في منتصف الثمانينيات حين تركوا الحركة؛ هو ما يضرب الحزب به إسرائيل اليوم! ونسيت هذه الوسائل الإعلامية بطبيعة الحال أن تخبرنا ما إن كان هذا السلاح هو نفس ما استعملته أمل من عتاد في إبادة الفلسطينيين في حرب المخيمات بين العامين 1985 و1988!

وفي بيان لكتلة الشبيبة في جامعة النجاح اعتبرت الشبيبة أن عملية أسر الجندي جلعاد شاليط انجاز فتحاوي على اعتبار أن مهندس العملية جمال أبو سمهدانة – الشهيد القائد من ألوية الناصر صلاح الدين – سبق له وأن مر من فتح! وتناسى البيان أن الرجل خرج منها مطرودا متهما وقضى آخر عمره الجهادي النضالي متهما بالعمالة لحماس!

وفي الحقيقة هذا الموضوع يطول؛ وهو يشكل أحد أهم ركائز منهج التفريط في صرف الأنظار عن المزالق والكبائر الوطنية والشرعية التي يقع فيها؛ ولذلك يعمد حزب التفريط وباستمرار للتبني التلقائي لكل العمليات الفدائية؛ مستغلا تمهل الفاعلين الحقيقيين في إعلان المسؤولية بانتظار تأمين الخلايا المنفذة؛ وبانتظار توفر شروط آمنة للإعلان؛ أو في بعض الأحيان يتم استغلال ضعف الجهة الفاعلة إعلاميا وعجزها عن توضيح موقفها؛ وكما حصل مع عملية قناص وادي الحرامية التي تم تزوير مرجعيتها في إعلام التضليل عمدا؛ وتم حسابها على فصيل بعينه لا ناقة له في العملية ولا جمل؛ مع أن البطل المنفذ للعملية ثائر حماد كان مستقلا و لم ينفذ العملية وفق مهمة تنظيمية أو تحت راية تنظيم بعينه.

غسيل الأخبار:

 
غسيل الأخبار مصطلح منحوت من مصطلح آخر هو غسيل الأموال؛ وهي العملية التي يتم بموجبها “تنظيف” مال مشبوه جمع من تجارة غير مشروعة؛ عن طريق استثماره في مصدر رزق مشروع ومن ثم استعمال الأرباح والعوائد على أنها مال نظيف.
اما إعلام التضليل الفلسطيني فيعمد الى هذه الوسيلة لإضفاء شيء من الجدة والمصداقية على الأكاذيب التي يروجها في حق حزب المقاومة. ومن ذلك ما يقوم به موقع انترنت يتبع أحد الساسة المشبوهين والمكشوفين عمليا بارتباطاتهم الصهيونية والأمريكية؛ حيث يقوم هذا الموقع بإرسال الأخبار التي يفبركها الجهاز الأمني الاستخباري التابع لحزب التفريط؛ سواء عن الانشقاقات في حماس أو حصول خلاف فيها؛ تارة بين الداخل والخارج؛ وتارة بين المتشديين والمعتدلين – يقوم بارسالها الى صحف صهيونية أبرزها معاريف لتنشر هذه الأخبار؛ فيعود الموقع المذكور لنشر الخبر نقلا عن معاريف؛ بما يوحي أنه استقى الخبر من مصدر اعلامي خارجي؛ وجهة اعلامية تعمل في بلد “ديمقراطي” لا يكذب الاعلام فيه على جمهوره!

التعليم والترقيم:

 

ترقيم الأطراف والجماعات السياسية وتعليمها لدى طرح الأخبار عنها يقصد به وسمها بسمات معينة أو إسباغ صفات ما عليها لطبعها بها؛ وإجبار المتلقي على قرن هذه الأطراف السياسية بتلك الصفات والمسميات ان سلبا أو إيجابا. الفائدة من هذا الترقيم هو أنه يمكن الإعلام المضلل من التهرب من التعامل مع التفاصيل الحقيقية للحدث؛ والتي قد تقود لاستنتاجات معاكسة لما يريد هذا الإعلام تروجيه.

كمثال على هذا المسلك؛ يعمد الإعلام المضلل في فلسطين وناطقو الحركات المتبعة لمنهج التضليل الى قرن حركاتهم بمصطلحات ايجابية من خارج سياق الخبر محل النقاش؛ وفي نفس الوقت يوظفون أبشع الأوصاف لاستخدامها باستمرار في كل خبر يراد به النيل من خصومهم؛ فيغدو التصدي لأحد مسلحي الانفلات الأمني ممن أشاعوا الخراب والإرهاب بين الناس حربا ضد “المشروع الوطني”؛ و”الانطلاقة الأولى”؛ و”البندقية الأولى”؛ و”أول الرصاص”؛ ويغدو الفاعل – القوة التنفيذية بطبيعة الحال – قوة “ارهاب” و”قتل”؛ وتصبح التنفيذية جهازا “ميليشويا” و”غير شرعي”؛ رغم انها تحمل مراسيم من الرئاسة ومن وزير الداخلية.

والأمثلة على هذه الترقيمات والعلامات كثيرة؛ وبوسع القارئ الفطن استخراج عشرات الأمثلة مما يسمع ويقرأ ويشاهد.

وبعد…

فان سلوك وسائل الاعلام التضليلية في فلسطين هذه الأيام قد عاد لأعلى درجات التوتير؛ عن طريق التوسع في البروباغندا؛ والتوسع في الكذب الصريح على حزب المقاومة؛ وان تم النظر لهذه الهجمة الإعلامية بالتوازي مع الهجمة السياسية؛ ان في تصريحات ساسة وقادة حزب التفريط؛ او بعض المراسيم التي تعيد إنتاج أسباب التوتر- وما القرارات المتصلة بمجلس الأمن القومي عنا ببعيدة – وان تم النظر لبعض القرارات المستفزة؛ مثل استهداف مسؤولي الحكومة الفلسطينية من الشرفاء وذوي الماضي المقاوم بالطعن والتجريح الآخذ شكل العمل القضائي؛ فان المرء ليس بوسعه ان يستنتج الا أن القادم أعظم؛ وأن ما يجري ليس الا تمهيداً للساحة لمواجهة أشد عنفا بين القوة الدافعة لهذا التضليل وحزب المقاومة – نسأل الله أن يعيذنا وشعبنا ومقاومتنا وثوابتنا من كل تبعاتها السيئة؛ وأن يبقي أعين حزب المقاومة وجمهور المقاومة مفتوحة على كل حركة وسكنة لمنابر حزب التفريط الإعلامية والسياسية؛ حتى تكون فضيحتهم حاضرة؛ وحتى لا تتشابه المواقف على الناس؛ ولئلا تضيع الحقيقية وسط زخم بروباغندا الإرجاف.

ومن أجل هذا كتبنا هذه الدارسة التي نأمل أن تحوز رضا القارئ وقبوله؛ وتكون له معينا على كشف تخرص الخراصين؛ الذين هم في غمرة ساهون…

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات