السبت 10/مايو/2025

إعادة استنساخ

د. إبراهيم حمّامي

ظن البعض – ولست منهم- أن ثلاثة أيام في مكة المكرمة مع أداء فريضة العمرة قد غيّر من سلوك وطباع وأفكار زمرة الفساد والإفساد، وظنوا أيضاً أن اتفاق مكة المكرمة قد جب ما قبله، وأن صفحة جديدة بدأت بعد طي الصفحات السوداء القديمة على قاعدة “عفا الله عما سلف”، واعتقدوا أن عهداً جديداً من الوفاق والوئام انبلج فأصبح متآمر الأمس كأنه “ولي حميم”.

على هذه الأساسات السابقة آثرت – ومعي الكثيرون- اتباع سياسة الترقب، ومنح فرصة حقيقية للاتفاق وأركانه لتقييم حسن النوايا، وربما كنا على خطأ وأن ثلاثة أيام كافية لتغيير كينونة البشر، ليصبح المجرم حريصاً على الأمن والأمان، وليكون المتآمر العميل وطنياً من الطراز الرفيع، والرقيع الوضيع رجل دولة ومسؤول، لكن خاب فألنا جميعاً، وبعد أسابيع قليلة ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن طبع هؤلاء غلبهم، وأن الذئب لا يمكن أن يكون يوماً حملاً وديعاً، وأن مرحلة اتفاق مكة هي مرحلة مؤقتة لاستعادة الأنفاس وتطبيق سياسة “خمسة بلدي” من نوع جديد، وبقيادة نفس الزمرة الساقطة أخلاقياً وسياسياً.

تنقسم السلطات في أي كيان سياسي إلى تشريعية وتنفيذية وقضائية، يضاف إليها سلطات لا تقل أهمية هي الأمنية والإعلامية، وهي ذات السلطات التي يعمل فريق أوسلو للسيطرة عليها وإقصاء الجميع، متسلحاً هذه المرة باتفاق مكة، ومستتراً وراء مناصب وشعارات فك الحصار، ومتذرعاً بالحرص على المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني الذي أذاقوه ويلات أوسلو وتبعاتها.

بطبيعة الحال مجرد التفكير في مواجهة هذا التيار الفاسد والمدعوم خارجياً بعشرات الملايين وباجتماعات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لدول كثيرة هو بنظرهم فتنة ومؤامرة وجريمة تستحق الإدانة المطلقة، وهو ما يحدث بعد كل موضوع ينشر لتنهال التهديدات والشتائم والتهم الجاهزة والمعدة سلفاً، أما ما يقومون به فهو قمة الأخلاق والمسؤولية، لكن حتى تُحسم الأمور دون اتهامات واتهامات مضادة، وبشكل توثيقي وعلمي وموضوعي بعيداً عن المهاترات، دعونا نسوق بعض الأمثلة عن النهج الجديد الذي يتبعه هؤلاء بعد فشلهم المطلق بالانقلاب المباشر عبر الفوضى الخلاقة التي تبنوها.

سياسياً وإعلامياً:

  • أعيد تأهيل الرموز البالية من نوعية نبيل عمرو وياسر عبد ربه لتطل علينا بشكل شبه يومي مروجة لأفكار أوسلو ورؤيتها العوراء لطبيعة الصراع ونوعية الحل المطلوب.
  • بحجة اتفاق مكة أيضاً غيّرت الأبواق المعروفة من معزوفتها، لتهاجم اليوم الطرف الآخر بحجة عدم التزامه بالاتفاق، أو محاولة خرقه، بل لإصدار تقارير مفبركة مضحكة لا تنطلي على طفل صغير كما فعل جمال نزال في تقريره الذي نصب فيه نفسه قاضياً وجلاداً ليثبت التهم على أفراد بعينهم دون محاكمة، وتأكيداً لرواياته السابقة المخجلة، لكن لا عجب فقد أصبح قائد جوقة الأفاقين دون منازع.
  • تحولت الحكومة إلى حكومتين، لقاءات سياسية تعقد مع رموز أوسلو دون غيرهم، وزيارات خارجية تعد لهم، مقابل منع مدروس لأعضاء حكومة من خارج أوسلو من مغادرة قطاع غزة.
  • استمرار عبّاس في لقاءاته الفاشلة مع أولمرت وضغطه باتجاه حل القضايا النهائية كما يسميها في محاولة يائسة لفرض حل ما قبل الانتخابات القادمة
  • استمرار التنسيق مع الاحتلال بكل أشكاله، ووصوله إلى درجة غير مسبوقة من الارتماء في أحضان الاحتلال وبشكل مجاني، وهو ما أثبتته دعوة المستشار السياسي “الخاص” لمحمود عباس المدعو نمر حماد يوم 25/03/2007 حيث دعا “إلى استئناف التعاون الأمني بين الجانبين “الاسرائيلي” والفلسطيني بواسطة مكتب رئيس السلطة الفلسطينية”، مطالباً “بموافاة مكتب رئيس السلطة الفلسطينية بمعلومات عن مجموعات إرهابية ” المقاومة الفلسطينية ” ووعد بأن تعمل الأجهزة الأمنية الخاضعة لإمرة رئيس السلطة الفلسطينية على إحباط نشاطات هذه الخلايا” محذراً من هزيمة “التيار المعتدل” بقيادة عبّاس.
  • الدعم السياسي العلني والمباشر لعباس تحت مسمى “مؤسسة الرئاسة”، ورفض أي تعامل سياسي إلا من خلالها، وفي هذا يشترك العرب مع الغرب.

قضائياً:

لا أجد أفضل مما كتبه الكاتب والمحلل السياسي رشيد ثابت بتاريخ 15/04/2007 تحت عنوان ” عودة الانفلات السياسي هي مقدمة لعودة الانفلات الأمني” ليصف الدور الخطير والمبرمج لعصابة أوسلو في التلاعب بالسلطة القضائية، ليقول:

” مرسوم تعيين دحلان مستشارا لعباس في الشأن الأمني جعل من دحلان قائدا عاما للمؤسسة الأمنية في السلطة؛ وأطلق يديه في “تطوير” هذه الأجهزة وقيادتها وإصدار التوصيات بهذا الخصوص؛ وغني عن البيان نوع التطوير الذي يمكن أن يقوم به ربيب الشاباك والأجير المخلص المنفذ لوثيقة روما.

ما جرى كان سحبا تاما للصلاحيات الأمنية من يد وزير الداخلية؛ وتصرفا غير مهني وضربا من ضروب القرصنة؛ و للتأكيد على فكرة الانقلاب على الوزير عمد النائب العام في فلسطين إلى إصدار مذكرة توقيف بحق مدير مكتب وزير الداخلية على هامش قضية اغتيال طارق أبو رجب!


هذا المدعي العام هو أحد “الأشياء” التي ترضى عنها أمريكا؛ وسبق له أن نجا من جحيم المسيح الدجال في الماضي هو والرئاسة والإذاعة والتلفزيون؛ وحفنة أخرى من الأوغاد شخوصا ومؤسسات حين أعفي من الحصار المفروض على حماس وحكومتها الأولى! هذا المدعي العام الذي شرب حليب السباع وقرر أن “يتحركش” بوزير الداخلية مقصر لم يقم بواجبه يوما؛ ولم يفعل شيئا لمحاسبة المجرمين والفاسدين قط؛ وسكت على اغتيال رئيسه الذي رباه واجتباه وجعله من المنتفعين؛ وسكت على سرقة مئات الملايين من الدولارات وقضايا اسمنت الجدار وإعدام عشرات المعتقلين في السجون تحت التعذيب؛ وسكت على كل الموبقات؛ والكبائر والصغائر؛ والفواحش واللمم!

 

ولم يتكلم المدعي العام عن قيامه بواجبه الا في اطار دعاية فتح الانتخابية قبل أكثر من عام؛ حين تكلم خدمة لفتح وحماية لعهدها من صفة التربح وسرقة المال العام؛ وتحدث عن قرب تحويل ملفات قضايا بمئات ملايين الدولارات للقضاء؛ ثم كما يعلم الجميع لم تحول قضية واحدة أبدا وضاع الكلام هباء منثورا مع باقي دعاية فتح الانتخابية! ومع ذلك؛ فان هذا المسؤول المشبوه يجد في نفسه الشجاعة لتحدي وزير الداخلية واتهام مدير مكتبه؛ ويتطوع إعلام فتح للتفصيل في أن الوزير هرب مدير مكتبه هذا خارج القطاع!


يفعل المدعي العام كل هذا مع أنه موظف تابع لوزير الداخلية – طبعا هو تابع له لو كان في كل بلد يحكم بالعقل والمنطق؛ وليس فيه عهر سياسي” انتهى الاقتباس.

لم تكتمل الصورة إلا بإصدار مذكرة جديدة من النيابة العامة يوم الأمس 14/04/2007 ، أي نفس اليوم الذي أقرت فيه الخطة الأمنية الجديدة لوقف الفلتان وبتزامن مقصود لإفشال الخطة التي لا تروق لزعماء الانفلات والفتنة، لتحدد أسماء بعينها في محاولة قتل رئيس جهاز المخابرات العامة طارق أبو رجب والتي حدثت يوم 25/08/2004، لتقول المذكرة بعد سرد الأسماء: “أنه وفقا لملف التحقيقات في محاولة اغتيال رئيس جهاز المخابرات العامة طارق أبو رجب ومقتل الشهيد سمير حجو وخميس عبد الجواد فقد قررت النيابة العامة منع المتهمين في القضية من السفر لحين انتهاء التحقيقات، وأمرت النيابة الجهات الأمنية المختصة بترقب وصول المتهمين وإلقاء القبض عليهم في حين عودتهم أو محاولتهم مغادرة الأراضي الفلسطينية”، وبطبيعة الحال لا يمكن لعاقل أن يقف في وجه القانون لكن يحق لنا أن نتساءل هل هي مصادفة أن تنتهي التحقيقات يوم اقرار الخطة الأمنية بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الحادثة، ولماذا لم يتم الاستدعاء عن طريق النيابة العسكرية خاصة أن الحادثة تعني مسؤولاً أمنيا، وهل هي مصادفة أن تكون الأسماء كلها لأشخاص من قيادات المقاومة والمطلوبين للاحتلال والشبهة الوحيدة هي تشابه نوع السيارة المستخدمة في حادثة إطلاق النار مع سيارة من تتهمه النيابة العامة، وهل أصبح المغني حقاً أداة وألعوبة لتمرير ما يطلب منه من عصابة أوسلو؟

بعد ما سبق هل غيّر اتفاق مكة أسلوب وعقلية وأداء زمرة أوسلو، أم أنه شكل الغطاء الشرعي لهم؟ لنكمل الموضوع!

تشريعياً:

  • رئيس كتلة فتح البرلمانية نسي نفسه على ما يبدو، وثارت فيه النعرات الحزبية البغيضة، ليتصرف بشكل عودنا عليه دائماً، وأمام من؟ مرة أخرى نعود للكاتب والمحلل رشيد ثابت الذي قال: ” فعزام الأحمد الذي يفترض فيه أنه نائب رئيس حكومة فلسطين ينسى نفسه في خطاب أمام شبيبة حزب العمل الصهيوني الجالسين مع شبيبة حركة التحرير الوطني الفلسطيني والحركة الغلابة وأم الثورة وأم الانطلاقة فتح – ينسى نفسه ويعود للحديث كرجل لا يحركه في الحياة الا حقده على حماس؛ ويقول أمام أحبائه الصهاينة إن حماس لم تطلب في قائمتها للأسرى إطلاق مروان البرغوثي؛ هكذا وكأنه حين رأى الصهاينة وجد أخيرا الصدر الحنون؛ والأم الرؤوم التي يمكنه إلقاء رأسه عند قدميها؛ والشروع في ندب حظه في الحياة مع حماس وهؤلاء المخلصين الذين يحولون بينه وبين المضي في مشروع الخيانة الى آخر الطريق!”
  • تستغل زمرة أوسلو الأغلبية التي حصلت عليها بفوهات مدافع دبابات الاحتلال عبر اعتقال ما يقرب من 40 نائب من كتلة التغيير والإصلاح، تستغلها في فرض رؤيتها على المجلس التشريعي.
  • يستمر الخرق المستمر للقانون والسلطة التشريعية من قبل رأس السلطة التنفيذية أي محمود عبّاس ليصدر مرسوماً يخرق به القانون يعين بموجبه دحلان مستشاراً للأمن القومي، وهو بالمناسبة ليس الخرق الأول فقد تعود عباس على خرق المحرمات والقوانين، منذ اتصالاته المباشرة مع عصابات الاحتلال عام 1968 وحتى إصدار مراسيمه اللاقانونية بإجراء استفتاء وبعدها انتخابات مبكرة وأخيراً تعيين دحلان.
  • الانتقائية التامة في التعامل مع الملفات المطروحة أمام التشريعي، خاصة من قبل الأغلبية المدعومة احتلالياً، حيث لا يطالب نواب تلك الأغلبية إلا بمحاسبة أعضاء الحكومة العاشرة، كما طالب بالأمس إبراهيم المصدر، متناسين جميعاً أن ما يحدث في فلسطين المحتلة اليوم هو نتاج للاحتلال أولاً، ولأعوان وأذناب الاحتلال ثانياً م

    الرابط المختصر:

    تم النسخ

مختارات