الأحد 11/مايو/2025

ننتقد المحاصصة ولكن!

أحمد سعيد

لا يجادل حريصان على مصلحة البلد والشعب في أن المحاصصة الحزبية في المناصب العامة أمر كارثيّ ومدمّر، وهي وصفة مناسبة لليأس والاحباط إذا جرى ترسيخ تلك المحاصصة كسبيل وحيد -أو رئيسي على الأقل- في توزيع المناصب والمواقع العامة.

نفهم تماماً أن تكون هناك محاصصة في المناصب ذات الطبيعة السياسية الواضحة مثل الوزراء والسفراء، لكن أن يُعمم هذا النمط من التعامل مع المناصب العامة ليشمل ما هو دون ذلك بكثير، فهذا أمر يثير الحفيظة والغضب.

إنني ببساطة أتساءل ما هو مصير المواطن العادي الذي لا ينتمي إلى هذا الفصيل أو ذاك، لكنه ينتمي للوطن والقضية، وربما يكون انتماؤه أكثر صدقاً وإخلاصاً من كثير من مدّعي الوطنية؟! متى سيكون من حق هذا المواطن أن يحلم بمعاملة عادلة ومتساوية فيما يتعلق بالتعيين في المناصب والمواقع العامة؟! كيف ستُخلق عنده الحوافز والقناعة بأن الابداع في العمل والكفاءة والمهنية ستكون طريقه للنجاح والصعود، طالما أن هذه المعايير مجرد شعارات وحبر على ورق، وهي آخر ما يُؤخذ بعين الاعتبار عند التعيين والترقية؟!

ولكن مع كل ذلك، فإن الانصاف والموضوعية تقتضينا أن نتساءل عن بعض الأصوات والأقلام التي بدأت بإثارة هذا الموضوع مؤخراً لأسباب لا تتعلق بالحرص على الوطن والمواطن، وإنما لأسباب سياسية بحتة. وأن نتهمها بعدم المصداقية والموضوعية، والدليل أن تلك الأصوات والأقلام صمتت –في غالبيتها العظمى على الأقل- عن مأسسة وترسيخ الواسطة والمحسوبية كمعايير للتعيين لسنوات طويلة خلت، وصمتت طويلاً أيضاً عن القمع والإقصاء الوظيفي أيضاً لمعايير ليست مهنية، والآن بدأت تسن أقلامها وتطلق العنان لنفسها في انتقاد بعض الحالات المعدودة لحاجة في نفس يعقوب.

والأدهى والأمر أن بعض وسائل الإعلام تعاملت بانتقائية مع تقرير للبنك الدولي تناول الأداء الإداري والمالي للحكومة العاشرة السابقة، فغضت تلك الوسائل الطرف عن إشادة التقرير بالأداء المالي لتلك الحكومة وبشفافيته ووضوحه، لكنها بالمقابل ركزت على انتقاد التقرير لما اعتبره استمرار الحكومة العاشرة في نفس نهج التعيينات الحزبية التي اتبعتها الحكومات التسعة السابقة عليها، وهو انتقاد ردّت عليه تلك الحكومة، وتمثّل ذلك الرد في أن ما جرى من تعيينات لم يتجاوز الألف تعيين، وذلك إذا ما استثنينا القوة التنفيذية في غزة (5500 عنصر)، وتعيينات وزارتي التعليم والصحة (3500) موظف يشكلون الاحتياجات السنوية لهاتين الوزارتين الهامتين. وحتى من ضمن الألف موظف، فإن كثيرين عُيّنوا من خلال مسابقات أُعلن عنها في الصحف المحلية، ومن تابع هذه الصحف لاحظ ذلك بوضوح.

الحرص على المصلحة العامة يجب أن يكون مبدأً ثابتاً، وليس موسمياً، وهذا الحرص ينبغي أن يتجاوز الخطابات والشعارات إلى ترسيخه بآليات وإجراءات محددة، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إرادات صادقة مع نفسها وشعبها!!!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات