الجمعة 01/نوفمبر/2024

غياب الوفاق الفلسطيني‏..‏ وخطر الاستيطان والتوطين‏!‏

غياب الوفاق الفلسطيني‏..‏ وخطر الاستيطان والتوطين‏!‏

صحيفة الأهرام

خلال تواجدي في الرياض قبل أسبوعين‏‏ لمتابعة أعمال القمة العربية‏‏ سنحت لي الظروف أن ألتقي عدداً من القيادات الفلسطينية‏‏ وكان من الطبيعي أن يدور الحديث حول مستقبل القضية الفلسطينية بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية‏‏ ولكن الحديث اتجه – دون سابق ترتيب – إلى مناقشة الخسائر الفادحة التي لحقت بالقضية الفلسطينية جراء الانشغال العربي والدولي والفلسطيني بتداعيات الخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية على مدى الأشهر الأخيرة‏‏ وهو ما سمح ل”إسرائيل” بتكثيف وتسريع عمليات الاستيطان في الضفة الغربية بوجه عام وفي قلب وحرم مدينة القدس بوجه خاص‏…‏ وهو ما أدى إلى زيادة تعقيد مفاوضات الحل النهائي بشأن القدس وبشأن المفاوضات‏.‏

والحقيقة أنني عدت من الرياض مثقلاً بكم هائل من الانزعاج‏‏ ليس لأن ما أقدمت عليه “إسرائيل” يعكس إصراراً على انتهاك الشرعية الدولية والدوس بالأقدام على بنود اتفاقيات جنيف‏‏ فذلك ليس بالأمر الجديد‏‏ وإنما لأن الإخوة الفلسطينيين لم يستوعبوا كل دروس النكبة والنكسة التي تقول إن “إسرائيل” لم تتحرك يوماً باتجاه تنفيذ جرائمها الكبرى مثل الاستيطان‏‏ إلا وهي مطمئنة إلى انشغال والتهاء الفلسطينيين في خلافاتهم الذاتية بعيداً عنها‏!‏

ومعنى ذلك أنه كلما تأخر زمن الوفاق الفلسطيني‏‏ كلما ازداد حجم التوسع الاستيطاني ل”إسرائيل” على حساب الأرض الفلسطينية‏‏ التي توشك أن تضيع بأكملها وأن تضيع معها أهم أوراق القضية الأعقد والأصعب في تاريخنا الحديث‏‏ وهي ورقة الأرض‏‏ التي دونها لا تصبح هناك قضية سياسية فلسطينية وإنما عودة للمربع صفر‏‏ الذي كانت “إسرائيل” تسعى لتجميد الوضع عليه منذ عام ‏1948‏ للنظر إلى ما جرى على أساس أنه مجرد قضية إنسانية تتعلق بإعاشة وتوطين اللاجئين‏.‏

وأظن أننا بدأنا ـ في الأشهر الأخيرة ـ نسمع فحيحاً للأفاعي الإسرائيلية حول هذا الموضوع‏‏ عندما جرى إطلاق بالون الرغبة في تعديل المبادرة العربية للسلام وإسقاط حق العودة ولكن القمة العربية في الرياض أفشلت المخطط ورفضت مجرد الاستماع إلى الفكرة‏‏ أو حتى مجرد رؤية هذا البالون الخائب‏!‏

والحقيقة أن الاستيطان الإسرائيلي ـ الذي تغافلنا عنه مرة بعد أخرى ـ هو أخطر ما يهدد الحلم الفلسطيني في استعادة الأرض وإقامة الدولة وبعث الهوية‏.‏

ويزيد من أهمية ما أنبه إليه أننا نعيش عصراً تتراجع فيه لغة القانون الدولي‏‏ لتحل محلها لغة القوة في ظل غياب فاضح للتوازن عند قمة النظام العالمي‏‏ مما شجع “إسرائيل” على الاستهانة بكل شيء وعدم مراعاة أن الاستيطان يتعارض مع مبادئ القانون الدولي التي تؤكد ضرورة إنهاء الاستعمار بجميع أشكاله وفي مقدمتها الاستعمار الاستيطاني الذي يشكل أبشع وأخطر أنواع الاستعمار‏.‏

إننا أمام خطر حقيقي يتحدث عن نفسه على أرض الواقع‏‏ ولا يخفي حقيقة أهدافه ومقاصده‏‏ وإنما يوجد المبررات والأكاذيب لإخراج المخططات الاستيطانية من أدراج الحفظ إلى أرض الواقع عندما تسنح الفرصة بذلك‏!‏

بوضوح شديد أقول إن العنوان الأبرز للسياسة الإسرائيلية منذ نشوء الدولة العبرية عام ‏1948‏ وحتى الآن‏‏ هو عنوان الاستيطان ـ سواء قبل دوران عجلة عملية السلام أو بعد دورانها ـ وأنه بالتوازي مع عنوان الاستيطان يبرز عنوان مزدوج لاستقدام أكبر عدد من يهود العالم للمجيء لإسرائي‏‏ من ناحية‏‏ والسعي لترحيل وتهجير أكبر عدد من الفلسطينيين بفعل الإجراءات القمعية والضغوط المعيشية من ناحية أخرى‏!‏

*    *    *‏

وإذن ماذا؟

الحقيقة أنه لا يمكن تجاهل هذا الخطر الاستيطاني بينما تفجرت على سطح الأحداث ـ عمداً ـ في هذا التوقيت بالونات الدعوة الخبيثة لإسقاط حق عودة اللاجئين ودون إدراك أن بقاء هذه المشكلة دون حل حتى اليوم يمثل عاراً على المجتمع الدولي‏‏ الذي ارتضى ـ بالصمت والعجز ـ أن تتواصل هذه الجريمة لأكثر من نصف قرن من الزمان‏.‏

إنه عار على الإنسانية والبشرية جمعاء‏..‏ يجلل أكتاف وأعناق الذين يتشدقون بحقوق الإنسان واحترام الشرعية الدولية‏‏ ولا تطرف لهم عين تجاه هؤلاء اللاجئين المحرومين من أبسط حقوق الحياة‏..‏ أولئك المحرومين من التعليم ومن العمل ومن التطور‏‏ بل إن الحلم بالنسبة لهم يعتبر جريمة في ظل استمرار حبسهم خلف جدران الخيام في أغلب دول الشتات‏‏ حيث إنهم دائماً موضع اتهام ومحل شك ولا ينظر لهم إلا بعيون الريبة‏..‏ بينما يجرى تشجيع الاستيطان وتبرير دوافعه دون سند من القانون الدولي‏!‏

أين الشرعية الدولية؟ وما هو مصير القرار رقم‏ 194‏ الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في ‏11‏ ديسمبر عام‏1948‏ والذي ينص بوضوح وبصورة قاطعة لا تحتمل أي نوع من الجدل على ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين أضيروا من الحرب وهجروا ديارهم وأراضيهم‏..‏ وأين اتفاقيات جنيف التي تحرم إحداث أي تغييرات ديموجرافية في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال؟

أين حماة الشرعية الدولية الذين انتفضوا باسم ضرورة تحرير شعب العراق برغم أنهم ليسوا شعبا من اللاجئين وليسوا مشردين يقيمون في الخيام‏‏ فإذا بهم يوجودون مشكلة لاجئين جديدة علي أرض الرافدين؟

نعم‏..‏ أين هؤلاء الكبار في عالم اليوم‏‏ ولماذا يستمر صمتهم على قرارات دولية صريحة تنص على حق العودة للفلسطينيين الذين يقبلون العيش بسلام مع جيرانهم‏‏ وأن يسمح لهم بالعودة إلى حيث كانوا يقيمون قبل عام ‏1948‏ كما تنص هذه القرارات نفسها على حق الفلسطينيين في التعويض إذا لم يرغبوا في العودة‏..‏ فضلاً عن إلزام “إسرائيل” بمسئولية تعويضهم عن أي خسارة تكون قد لحقت بهم على أيدي السلطات الإسرائيلية؟‏!‏

إن صمت الكبار على هذا العار لا يمكن تفسيره إلا على أنه إحدى علامات الاستسلام للنفوذ الصهيوني الذي تعبر عنه “إسرائيل” من خلال خطابها الإعلامي والسياسي في الآونة الأخيرة‏‏ والذي يستهدف صرف أنظار المجتمع الدولي عن قضية اللاجئين من خلال إطلاق بالونات التوطين وعدم التفكير في التعامل معها على أساس مقررات الشرعية الدولية‏‏ لأن ذلك معناه ـ من وجهة نظر “إسرائيل” ـ نسف عملية السلام التي شبعت موتاً بجرائم الاستيطان‏.‏

*    *    *‏

بوضوح أكثر أقول‏:‏ إن “إسرائيل” تروج ـ وتجد من يرحب بترويجها ـ إلى أن مسألة العودة أمر مستحيل وأن البديل الوحيد يكمن في تعاون دولي وعربي لوضع فكرة التوطين موضع التنفيذ سواء كان هذا التوطين سيتم في أماكن إقامة اللاجئين حالياً في دول الشتات‏‏ أو باختيار مواقع بديلة على امتداد خريطة الوطن العربي‏.‏

هكذا تخطط وتسعى “إسرائيل” لفرض إرادتها ومشيئتها على الجميع في هذه القضية بالذات‏‏ بدرجة نفسها سعيها وتخطيطها لإلغاء فكرة إعادة القدس العربية للفلسطينيين والإيحاء باستحالة تقسيم القدس مرة أخرى‏..‏ وبإصرارها نفسه على مواصلة اغتصاب الأراضي واستيطانها‏!‏

ولعل من أغرب المفارقات أن صمت الكبار تجاه عار اللاجئين الفلسطينيين يلازمه عار آخر هو عار الصمت وعدم الاهتمام بالقانون الذي استصدرته “إسرائيل” عام‏1950‏ وأطلقت عليه اسم قانون العودة والذي ينص على اعتبار أي يهودي في العالم يرغب في الهجرة إلى “إسرائيل” مواطناً إسرائيلياً من حقه أن يحمل الجنسية الإسرائيلية‏.‏

فهل هناك ازدواجية في المعايير وانحياز أعمى أكثر مما يمثله صمت المجتمع الدولي على ازدراء واحتقار قانون العودة الصادر عن الأمم المتحدة لمصلحة اللاجئين الفلسطينيين عام ‏1948‏ وتعزيز جريمة الصمت بصمت أشد فداحة على قانون العودة‏‏ الذي أصدرته “إسرائيل” عام ‏1950‏ والذي تبيح فيه لنفسها حق إعطاء الجنسية لأي مواطن في العالم يعتنق الديانة اليهودية‏‏ بينما يحرم على أصحاب الأرض وأصحاب الحق الشرعي بقرارات دولية العودة أو التعويض‏.‏

إننا أمام مأساة أخلاقية في السلوك الدولي‏‏ الذي يعطل حق العودة الشرعي للفلسطينيين‏‏ ويبارك ـ ولو بالصمت ـ حق العودة المزيف لليهود‏!‏

ولعل هذا الصمت المريب من جانب المجتمع الدولي علي مدى ما يزيد علي نصف قرن من الزمان‏‏ هو الذي شجع “إسرائيل” على تجاهل حق العودة لهؤلاء اللاجئين ثم القفز مباشرة إلى مقترح التوطين في توقيت قاتل يتوافق مع التورط الأمريكي في العراق‏..‏ وهدف “إسرائيل” من ذلك أن تكسب أنصاراً أو مؤيدين جدداً لفكرة التوطين استناداً إلى أنه أمر قائم بالفعل ولكن بصورة غير معلنة‏‏ والادعاء بأنه هو الحل الوحيد المتاح إذا كان يراد لمفاوضات الوضع النهائي أن تصل إلى غايتها المنشودة حسب مفهوم “إسرائيل” التي تريد أن تقضم معظم كعكة الأراضي الفلسطينية وأن تستوطنها قبل الذهاب إلى المفاوضات المزعومة للحل النهائي‏!‏

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

اعتقال المرابطة المقدسية سحر النتشة

اعتقال المرابطة المقدسية سحر النتشة

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الخميس، المرابطة المقدسية سحر النتشة من منزلها في بيت حنينا شمال القدس...

هكذا حاول الاحتلال تجنيد عملاءٍ له في غزة

هكذا حاول الاحتلال تجنيد عملاءٍ له في غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت منصة "المجد الأمني" التابعة للمقاومة في قطاع غزة، عن منصات مشبوهة جديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملت أسماء...