مصير فلسطينيي العراق وخيار التوطين المريب
صحيفة الوطن القطرية
قرأْتُ التصريحات التي أدلى بها رئيس إقليم كردستان العراق، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البرزاني، في شأن اللاجئين الفلسطينيين في العراق، والتي فيها من المعاني والمشاعر الإنسانية (والأخوية بحسب معيارها الديني الإسلامي) ما يَحُول بيني وبين إظهار فهم سياسي لها، يقوم على الشكِّ والريبة وسوء الظن وكأنَّها الأكمة التي وراءها ما وراءها، فالمعاناة الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في العراق، أي حيث يشتد الصراع ويعنف بين الشيعة والسنة من عربه، تسمح لتصريحات البرزاني بجعل العقل أسيراً للقلب لدى كل متعاطِف مع هؤلاء، ويحاول، في الوقت نفسه، أن يزنها بميزان سياسي موضوعي.
إقليم كردستان فيه من الاستقلالية القومية، نزعةً وواقعاً وممارسةً، ما يجعله «دولة غير مُعْلَنة»، وفيه من الأمن والاستقرار النسبيين ما يجعله واحة لهما في العراق. رئيس الإقليم، وبعدما أكَّد أنَّ اللاجئين الفلسطينيين في العراق «أهل بيت»، وليسوا ضيوفاً، أبدى استعداداً لاستضافتهم في «ملاذ آمن» لهم في الإقليم. أمَّا إذا لم تتحقَّق «فكرة الاستضافة» لهذا السبب، أو ذاك، فرئيس الإقليم لديه استعداد آخر، وهو أنْ يُرْسِل مزيداً من القوات الكردية لحماية اللاجئين الفلسطينيين حيث يعيشون، أو يعانون، أو يتعرَّضون لاعتداءات، في بغداد، وغيرها؛ ولكنه أوضح أنَّه إذا ما جُمِّع الفلسطينيون في العراق في منطقة واحدة (أي في إقليم كردستان) فإنَّ القوات الكردية ستقوم، عندئذٍ بحمايتهم. وفي ما يَنُمُّ عن ذكاء سياسي، قال: «إذا كانت أبواب 22 دولة عربية مغلقة في وجوه الأخوة الفلسطينيين في العراق فسَنَفْتَح لهم أبواب كردستان!».
رئيس الإقليم بدا إيجابياً في موقفه من الرغبة الرسمية الفلسطينية في ألا يتحوَّل «الملاذ (الكردي) الآمن» للاجئين الفلسطينيين في العراق، إذا ما أُنْشِئ، إلى «توطين»، مع أنَّ تحوُّله إلى «توطين» لم يستوفِ شرطاً من أهم شروطه، وهو قيام دولة كردية في شمال العراق، تستطيع تجنيس هؤلاء اللاجئين بجنسيتها، فليس من «توطين كامل مكتمل» من غير «تجنيس». ومحبُّو إساءة الظن يمْكنهم أن يروا، في «مبادرة البرزاني»، «اقتراح مقايضة»، يقول فيه لكل من له مصلحة في «التوطين»، حلاً، أو جزءاً مهما من الحل، لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في العراق وفي غيره على وجه الاحتمال: أعطوني دولة كردية (آمنةً، من تركيا على وجه الخصوص) فأعطكم هذا الحل.
وفي لبنان، مثلاً، أو على وجه الخصوص، يمكن أن نرى (بمعونة المثال العراقي) علاقة سببية واضحة جلية بين «التقسيم» و«التوطين»، فدويلة من دويلاته، إذا ما دُوِّلَت أزمته بما يؤدي إلى جعله دويلات، يمكن أن تَقْتَرِح، في مناخ تَعَرُّض اللاجئين الفلسطينيين فيه إلى اعتداءات كتلك التي تعرَّض، ويتعرَّض، لها اللاجئون الفلسطينيون في «الشطر العربي من العراق» والمنشطر إلى شطرين شيعي وسني، إقامة ملاذ آمن لهم عندها، يتحوَّل إلى «توطين» عندما تُسْتَوفى شروط قيامها.
«مبادرة البرزاني» قد تفيد في إظهار وتأكيد أنَّ ثمة قوى في داخل العراق، بعضها، وليس كلها، عراقي، تعمل، عن وعي، في اتِّجاه جعل اللاجئين الفلسطينيين، في بغداد، وغيرها، في وضع يضطَّرهم اضطِّراراً إلى الذهاب شمالاً، بحثاً عن «ملاذ آمن» لهم، ولو تحوَّل، بعد حين، إلى «توطين»، وإلا فما معنى أنْ يُغْلَق 22 باباً عربياً (في وجوه محاصَرين بالموت بأنواعه) ليُفْتَح الباب الكردي؟!
على أن قولي هذا لا يعني، ويجب ألا يعني، تبرئة أولئك العراقيين، الذين أعمتهم العصبية المذهبية، من تهمة الاعتداء على اللاجئين الفلسطينيين، فتلك العصبية التي أعمتهم جعلتهم ينظرون إلى هؤلاء اللاجئين، ويعاملونهم، على أنَّهم من بقايا نظام حكم صدام حسين، أو جزء من وجود «الخصم المذهبي» في مكانٍ غير مكانه «الطبيعي» و«الشرعي»! في سبيل جَعْل «التوطين» حقيقة واقعة، «حارب» العرب «التوطين». لقد حاربوه في طريقة ثَبُتَ، ويَثْبُت، نجاحها في تذليل العقبات من طريقه، فالتطاول على كل حق إنساني للاجئ الفلسطيني، صار في الخطاب العربي الرسمي السياسي والإعلامي جزءاً من الجهد العربي القومي المبذول لدرء مخاطر التوطين عن الفلسطينيين، وقضيتهم وحقوقهم القومية!
كتبوا على اللاجئ الفلسطيني أن يعيش في وضع يُشَدِّد لديه المَيْل، على ما يعتقدون ويتوقَّعون، إلى أنْ يرى في «التوطين»، مع «التعويض المالي»، خير حلٍّ ممكن واقعياً للأزمة، أو الأزمات، التي يعاني.
إنَّ الرسالة التي أبلغها العرب إلى اللاجئين الفلسطينيين في العراق من خلال إغلاقهم الـ «22 باباً عربية» في وجوههم هي: موتوا حيث أنتم أو اذهبوا إلى ذاك «الملاذ الآمن»!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
الصحة اللبنانية: 178 شهيدا من الطواقم الطبية و8 مستشفيات خارج الخدمة
بيروت – المركز الفلسطيني للإعلام قال وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، الخميس، إن بلاده سجلت منذ بداية عدوان الاحتلال الإسرائيلي 172 شهيدا من الطواقم...
25 أسيرًا يتنسمون الحرية وآثار التجويع تغير ملامحهم
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مساء اليوم الخميس، عن نحو 25 أسيراً من الضّفة، ممن أنهوا محكومياتهم، ومن...
الصحة العالمية: الوضع الصحي في شمال غزة مُروّع
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الخميس، إن "الوضع الصحي في شمال قطاع غزة مروع"....
الحوثي: استهدفنا 202 سفينة مرتبطة بالعدو الاسرائيلي والأمريكي والبريطاني
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أكد قائد حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي أن إجمالي عدد السفن المستهدفة المرتبطة بالعدو الإسرائيلي وبالأمريكي...
اعتقال المرابطة المقدسية سحر النتشة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الخميس، المرابطة المقدسية سحر النتشة من منزلها في بيت حنينا شمال القدس...
المستشفى المعمداني بغزة يناشد بالإسراع بالتبرع بالدم لإنقاذ حياة المصابين
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ناشد المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) في غزة المواطنين "الإسراع بالتبرع بالدم لإنقاذ حياة المصابين". بدوره حمّل...
هكذا حاول الاحتلال تجنيد عملاءٍ له في غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت منصة "المجد الأمني" التابعة للمقاومة في قطاع غزة، عن منصات مشبوهة جديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملت أسماء...