الوسطية إذ تغلق الطريق أمام الغلو

لا ينبغي لبيان الجيش الإسلامي في الرد على “أبو عمر البغدادي” أن يمر دون ملاحظة وتحليل؛ ولاحقا عند التأريخ للمرحلة سينظر للبيان مع خطوات أخرى قليلة على أنها كانت بداية قطع الطريق على الغلو الإسلامي؛ ووضع الحد له على يد المدرسة الوسطية.
والجيش الإسلامي تشكيل مقاوم جهادي سلفي غني عن التعريف؛ لكن قبل الخوض فيما قال ردا على كلمة البغدادي؛ فلا بأس من التأكيد على علامات فارقة قي عقيدة هذا الجيش السياسية والإعلامية مما يميزه عن القاعدة؛ فهو بحسب الناطق باسم الجيش الدكتور علي النعيمي ” يعمل من أجل مشروع يضمن حقوق جميع أطياف المجتمع العراقي؛ ويلتزم بالمرحلية والتدرج في التغيير في العمل من أجل إقامة شرع الله في الأرض”. ولعل أبرز ما ميز الجيش كتنظيم إسلامي سلفي يقاتل المحتلين في العراق هو أنه تخصص في قتال الأمريكان دون غيرهم؛ وحرص على تضييق دائرة الصراع مع العدو بدء بالأهم فالمهم فالذي يليه؛ وتحييد ما يمكن تحييده من الأعداء؛ دون نسيان خطر أطماع الدول المجاورة – وعلى رأسها إيران – في العراق؛ ودون الانزلاق للقتال مع الطائفة الشيعية في العراق أو تقديم المبررات السياسية والإعلامية للتحول إلى المتهم الدائم لكل اعتداء يستهدف الطائفة؛ كما حصل مع القاعدة؛ ولو كانت كثير من هذه الاعتداءات مجهولة الفاعلين.
وبقدر ما يمنح بيان الجيش الإسلامي الأمل في توسع سيطرة الوسطية ومنهج “أشداء على الكفار رحماء بينهم” على كل المنخرطين في العمل الإسلامي؛ فان البيان يثير الأسى والدهشة بخصوص تجاوزات القاعدة التي تحدث عنها الجيش بكل مرارة؛ فالتشكيك في قيادة الجيش وأفراده ونسبتهم قسرا للبعث العراقي؛ ومحاولة دفع الجميع لبيعة دولة القاعدة غصبا سواء عن طريق التهديد بالقتل والاغتيال المادي؛ أو عن طريق الاغتيال المعنوي ووصف الرافضين بالعصاة – كل هذا كان علامة على انحدار قاعدة العراق ومضيها لآخر طريق الإقصاء والنبذ على منهج عدوهم بوش: “من ليس معنا فهو ضدنا”.
والبيان الذي ذكر صدام القاعدة عسكريا وتعمدها استهداف أفراد من كل فصائل المقاومة المعتبرة في العراق؛ ما بين الجيش نفسه وكتائب ثورة العشرين وجامع وغيرها من قوى المقاومة وصولا لهيئة العلماء المسلمين – هذا البيان لم يخرج الا بعد أن طفح الكيل؛ وبعد صبر وتمهل ومصابرة؛ وهو أيضا خرج بلغة أخوية وسطية معتبرة لا تتحدثها القاعدة مع من تحادد وتخاصم حتى بين المجاهدين؛ بل تختار عوضا عن ذلك مباهاتهم بأعمالها العسكرية على غير أساس موضوعي أو شرعي – وكما لاحظ بيان الجيش الإسلامي – وتختار فوق ذلك تحدي المجتمع بما لا يطيق من اجتهادات دينية لا محل لها ولا سند؛ وتعود بالضرر على الجمهور المسلم في العراق؛ وكما ذكر الجيش بخصوص فرض النقاب ؛ وما للنقاب من دور في زيادة تعرض صاحباته للتفتيش والملاحقة على حواجز الأمريكان وعملائهم.
لكن أهمية البيان لا تقتصر على فضح ما انتهى له الغلاة من اعتداء على بديهيات الدين وأوضح مقاصد الشريعة الإسلامية؛ بل أيضا في قرار الفصيل السلفي الجهادي الوسطي في التوقف عن السكوت على هذه التجاوزات؛ والانتقال لمرحلة مكاشفة ومصارحة بخطاب راق يراعي مصلحة الأمة ويقيم الحجة على خصمه بالوقائع والمعطيات؛ متسلحا بشرعية الانجاز والعمل الجهادي في الميدان من أول أيام غزو العراق؛ ومتسلحا بالقطعي من أوامر ونواهي الدين التي اصطدمت معها أفعال القاعدة المعنية؛ وأقوال قائدها في العراق في كلمته المسجلة الأخيرة.
سيبقى مثيرا للترقب إمكانية أن يستجيب الشيخ “أسامة بن لادن” لنداء الجيش بالتدخل لدى عناصر قاعدة العراق والقيام بالمحاسبة والمتابعة لما جرى – دون معرفة ما اذا كانت الرسالة وصلته وما اذا كان في وضع يسمح له بالتعامل مع هذا “البريد” – لكن يمكن التنبؤ الى حد كبير أن رد البغدادي قادم؛ بل يمكن توقع حلقة جديدة من المسلسل التلفزيوني التسجيلي “عودة الظواهري”؛ كيف لا وهو قد تعود على الخروج للكلام في مناسبات أقل شأنا من هذه! طبعا نحن نتمنى أن تكون الردود مصاغة في حينه بمبنى ومعنى بناء وأخوي كما جاء بيان الجيش؛ وتهدف حقا لإحقاق شرع الله والتحقق مما جرى؛ لكن المعرفة بمسلكيات مدرسة أيمن الظواهري والغلو القاعدي في العراق لا تبشر بخير؛ بل إن الأتباع والمريدين في المنابر الالكترونية المحسوبة على القاعدة أو التي تزدحم بمؤيديهم لم تدخر وسعا في الهجوم القاسي الخالي من التركيز والمتخبط لأبعد حد؛ إلى حد اتهام الجيش في أخلاقه وانتماءاته وأجندته. بل إن أحد أعلام مناصرة القاعدة في بلاد الجزيرة – الشيخ حامد العلي – لم يسلم في تلك الأوساط من أقذع الشتائم والتهم؛ الى حد النيل منه والتذكر المفاجئ لحقيقة أنه يعيش في بلد لا يطبق الشريعة؛ واتهامه في ذمته وما ورائيات ما قال؛ فقط لأنه قدم فتوى شرعية يفند فيها حق القاعدة في إقامة دولتها في العراق والحض على البيعة لها وفق الكيفية التي تمت عليه؛ بين أمير مجهول يدعو للبيعة لدولة غير ذات شوكة؛ وقامت في غياب مشورة أهل الحل والعقد.
لكن هذا كله لن يكون جديدا؛ والجديد سيبقى أن الوسطية نطقت أخيرا وفي عقر دار آخر الساحات التي تتذرع فيها القاعدة بشرعية الانجاز؛ وتستخدم تلك الذريعة مع إجماع موهوم خلقته لنفسها على طريقة أبي عمار وفصائله المجهرية التي كانت تمنحه الإحساس بالتعددية – تستخدمها من أجل فرض سلطان منفرد لها في ساحة تعج بالمجاهدين الأكفاء؛ والفصائل المثخنة في المحتل؛ والتي بدأت العمل في العراق حتى قبل أن تصل القاعدة الى هناك.
ولعل أيمن الظواهري ينظر الآن من كهفه الى العراق فيرى الجيش الإسلامي يتحداه في آخر ساحة تعمل فيها القاعدة على الأرض بانتظام؛ ويرى اسم حماس يدخل هناك من باب الجهاد بكل ثقة؛ ويرى فتوى علم السلفية الجهادية ترد على القاعدة دولتها ومشروعها السياسي في العراق – لعله ينظر ويمتلئ قلبه بالمزيد من الكراهية لمنهج الوسطية ويزداد على عزلته عزلة؛ ويكتشف أن منهجه في الغلو قد أخذ مداه وبدأ في الوصول إلى طريق مسدود!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأونروا: الاحتلال يحرم 550 طالباً في القدس من الوصول إلى مدارسهم
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن سلطات الاحتلال تحرم 550 طالبا من...

قوات الاحتلال تواصل تصعيدها الميداني في مخيمي طولكرم ونور شمس
طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ 104 على التوالي، ولليوم الـ 91 على مخيم...

إصابة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدروع في حي الشجاعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بإصابة عدد من جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة نيران المقاومة الفلسطينية. وقال...

جامعة كولومبيا تعلّق دراسة 65 طالبا احجوا ضد الإبادة في غزة
واشنطن - المركز الفسطيني للإعلام علقت جامعة كولومبيا دراسة 65 طالبا من "مؤيدي فلسطين" لمشاركتهم في احتجاج داخل المكتبة الرئيسية للجامعة يوم الأربعاء...

باكستان تطلق عملية “البنيان المرصوص” ضد الهند
إسلام أباد - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت باكستان فجر اليوم السبت، عملية عسكرية مضادة للهجمات العدوانية الهندية على أراضيها ومنشآتها العسكرية تحت...

لجنة أممية تحذر من خطر المجاعة والمرض على الفئات الهشة بغزة
جنيف - المركز الفلسطيني للإعلام قالت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري إن نفاد الغذاء في قطاع غزة، إلى جانب الدمار الواسع...

إصابتان برصاص الاحتلال وهجمات للمستوطنين في الضفة
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شاب فلسطيني برصاص الاحتلال في بلدة تقوع جنوب شرق بيت لحم، فجر السبت، في الضفة الغربية المحتلة، إثر اقتحام...