من لجنة فونوغراد إلى زيارة بيلوسي لدمشق
صحيفة البيان الإماراتية
ليست هي المرة الأولى التي يتم فيها تشكيل لجنة تحقيق إسرائيلية للنظر بفشل مشروع عسكري عدواني على البلدان العربية، أو للنظر بـ (التقصير) كما تسميه بعض الدوائر الإسرائيلية في حروب ومشاريع الدولة العبرية الصهيونية على البلدان العربية. وتعتبر لجنة فونوغراد آخر اللجان التي تم تشكيلها بعد الحرب العدوانية الواسعة التي شنت على لبنان الصيف الماضي.
ولعل في المعلومات التي حملتها التقارير الأولية للجنة فونوغراد الإسرائيلية الموكلة بالتحقيق في هزيمة مشروع حكومة إيهود أولمرت في الحرب على لبنان، ما يحمل على تأكيد مدى تهافت التقديرات التي بنت عليها حكومة أولمرت فلسفتها في التعاطي مع لبنان ومقاومته المسلحة، وهشاشة المعلومات الاستخبارية التي تزود بها أولمرت من الأذرع الأمنية الإسرائيلية المعروفة، فضلاً عن سقوط الأعداد الكبيرة من القتلى الإسرائيليين من العسكريين، فقد فاقت الخسائر البشرية كل التوقعات، وفاقم منها الضربات الصاروخية المركزة التي استهدفت مواقع إسرائيلية حيوية من شمال فلسطين المحتلة عام 1948 وحتى العمق.
ففي سياق التحقيقات، استمعت اللجنة لشهادة المخضرم شمعون بيريز والمسؤول الأمني عاموس مالكا، إضافة إلى أرنون بن عامي، ونشرت محاضر الأقوال بعد شطب مقاطع تتصف بالحساسية الأمنية وفق المصادر الإسرائيلية. وفي الأقوال المنشورة ما يؤكد حالة الارتباك والتخبط التي أصابت الهرم القيادي في الدولة العبرية منذ الأسبوع الأول للجولة الدموية الإسرائيلية الواسعة ضد لبنان.
لقد حصدت حكومة أولمرت، وتحديداً طاقمها المصغر الأمني والعسكري الثمار المرة، دون أن تقطف النتائج التي كان تتوقعها منذ اليوم الأول من الغارات البربرية التي شنتها طائرات الفانتوم (إف 16) على مناطق لبنان المختلفة، وبالأخص على مناطق الضاحية الجنوبية في حارة حريك، والغبيري، والشياح، وبئر العبد وزاد من مرارة النتائج التي شربها قادة حكومة أولمرت وتحالفه الائتلافي، انطلاق سلسلة الفضائح التي مست عدداً من قادة “إسرائيل” وجيش الاحتلال، ومنها الفضائح التي مست رئيس الأركان السابق الجنرال دان حلوتس من خلال إقدامه على بيع أسهمه المالية قبيل الحرب وتهيئة نفسه للهزيمة والهروب خارج فلسطين المحتلة عام 1948.
إذاً، وبعد أشهر من انقشاع سحب وغبار جولة الحرب الدموية الإسرائيلية ضد لبنان وشعبه، وفشل حكومة أولمرت وطاقمه في الوصول إلى النتائج المتوخاة من الحرب العدوانية، تتفاقم الآن الأسئلة داخل “إسرائيل”، وهي أسئلة حادة قد تطيح بأولمرت وعمير بيريتس وبمستقبلهما السياسي، فـ (الأثر) الأهم لصواريخ حزب الله ليس فيما أوقعته من قتلى بين المدنيين ولا حتى في المواقع العسكرية التي استهدفتها .
وإنما بآثارها بعيدة المدى على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حيث بات جميع الإسرائيليين مقتنعون أن لا أحد منهم خارج مرمى هذه الصواريخ. فعمدت هيئة الأركان الإسرائيلية في حينها وعشية الأسبوع الأول من القتال على لبنان إلى إقصاء قائد منطقة شمال “إسرائيل” العسكرية الجنرال عودي آدم الذي قاتلت قواته في خطوط المواجهة الأمامية مع حزب الله، فجعلته يدفع ثمن مشاكل الجيش على الأرض، وعهدت هيئة الأركان بالقيادة الفعلية للعمليات في لبنان إلى مساعد رئيس الأركان الجنرال موشيه كابلينسكي.
وتبع ذلك مجموعة من التفاعلات الداخلية في هيئة الأركان الإسرائيلية وضع خلالها الجنرال دان حلوتس استقالته على طاولة أيهود أولمرت ليحل مكانه الجنرال غابي أشكنازي المعروف عنه خدمته الطويلة في الشريط اللبناني المحتل قبل تحريره في مايو عام 2000. وثمة مشابهة عندما تم إقصاء الجنرال آدام، ففي حرب أكتوبر 1973 أقصي جنرال المدرعات شمويل غونن من جبهة سيناء وحل محله في خضم المعارك مع الجيش المصري رئيس الأركان السابق حاييم بارليف.
تأسيساً على ذلك، نلمس الآن مع مؤشرات تقارير لجنة فونوغراد تفاقم أزمة قيادة عسكرية وسياسية في “إسرائيل” مترافقة مع تعالي الأصوات اليهودية الإسرائيلية في الوسطين السياسي والعسكري المنددة بالأداء العام لمجموعة أولمرت / بيريتس ومجلس الوزراء المصغر. وأبرز تعبيرات الأزمة السياسية المشار إليها يتمثل الآن من خلال عجز حكومة أولمرت عن تقديم أجوبة ملموسة بخصوص مبادرة السلام العربية التي أطلقتها قمة الرياض الأخيرة.
وفي هذا السياق فإن اهتزاز الوضع الداخلي الإسرائيلي يتوقع له أن يتمدد، فقد بدأت بوادر متاعب العبء الكبير لسياسة إيهود أولمرت، عمير بيريتس، تبدو على قطاعات المجتمع الإسرائيلي، وتتسع نحو التجمعات اليهودية خارج فلسطين المحتلة وتحديداً في الولايات المتحدة وفي صفوف منظمة الإيباك، خصوصاً بعد أن جددت الدول العربية عبر قمة الرياض تمسكها بمبادرة السلام العربية وفق خطوطها المعلومة، الأمر الذي زاد من إحراج حكومة إيهود أولمرت أمام العالم بأسره.
وعليه، إن الأيام القادمة ستكون بالضرورة أياماً سوداء أمام أولمرت، ولن يجديه نفعاً اللغة الملتبسة التي يتحدث بها بشأن مبادرة السلام العربية: مرة بالقبول المشروط لكسب تيارات اليسار الصهيوني، ومرة بالقبول الواسع الاشتراط لكسب تيارات اليمين، وغلاة المستوطنين، ومرة بتقديم اقتراحات هلامية من نمط استعداده للقاء القادة العرب من أجل البحث بعملية السلام الشامل كما أعلن في مؤتمره الصحافي المشترك مع المستشارة الألمانية ميركل.
إن اهتزاز الوضع الإسرائيلي الداخلي وتفاقم الأزمات في وجه أولمرت وعمير بيريتس مع اقتراب موعد نشر التقرير النهائي للجنة فونوغراد، يترافق مع أزمات الإدارة الأميركية في ظل التعارضات اليومية بين الحزبين الأكبر الجمهوري والديمقراطي بشأن الوضع في الشرق الأوسط.
فرئيسة مجلس النواب الأميركي النائب الديمقراطي نانسي بيلوسي تطلق عبر زيارتها لدمشق تحركاً سياسياً وتكتيكاً مناوئاً لسياسة العزل والإقصاء التي استخدمتها ولا تزال إدارة الرئيس بوش ضد سوريا، بعد عدة سنوات من محاولات الولايات المتحدة عزل سوريا والضغط عليها، بل واستبعادها من أي ذكر حين يكثر الحديث عما يُسمى بعملية السلام في الشرق الأوسط والاكتفاء بترديد عبارة أن سوريا تعرف ما يتعيّن عليها عمله.. وعليه إن رئيسة مجلس النواب الأميركي تزور دمشق على الرغم من اعتراضات البيت الأبيض، في زيارة هي الأولى التي يقوم بها مسؤول أميركي رفيع المستوى إلى سوريا منذ توتر العلاقات بين واشنطن ودمشق منذ عدة أعوام.
استتباعاً، يمكن القول إن أزمات حكومة أولمرت وتصاعدها المتوقع مع نشر التقرير الكامل للجنة فونوغراد تتوازى وتتماشى مع أزمات سياسة الإدارة الأميركية المتبعة في الشرق الأوسط، وزاد منها ما أحدثته المبادرة العربية التي جددتها قمة الرياض من دفع للكرة في الملعب الإسرائيلي الأميركي.
وفق المنظور إياه، يتوقع أن تتواصل حركة الجدل في “إسرائيل”، بعد أن باتت غالبية الإسرائيليين وفق استطلاعات الرأي المنشورة على صفحات الجرائد الإسرائيلية، على قناعة تامة أن الدولة العبرية الصهيونية تشهد لأول مرة في تاريخها أزمة مزدوجة: أزمة قيادة في الجيش، وأزمة قيادة في المواقع السياسية الأولى. فالحرب الأخيرة كشفت ظهر “إسرائيل”، وكشفت معها أيضاً هذا التردي السريع في بنية وقصور القيادة الحالية التي ورطتها قي أزمة كبيرة ستترك آثارها إلى أمد بعيد، كما هو حال الإدارة الأميركية بعد تقرير العراق (تقرير بيكر ـ هاملتون).
إن الفترة القليلة القادمة تحمل الكثير من الاحتمالات مع تفاقم الأزمات الإسرائيلية الداخلية، وتعقد ملفات في وجه الإدارة الأميركية، وفي ظل التفاعلات المتوقعة للمبادرة العربية داخل المجتمع الدولي. ولكن يبقى الفعل العربي عاملاً ضرورياً في تطوير الفعل والحراكات السياسية على المستوى الدولي، وبالأخص مع دول الاتحاد الأوربي وروسيا والصين واليابان.
كاتب فلسطيني ـ دمشق
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
الصحة اللبنانية: 178 شهيدا من الطواقم الطبية و8 مستشفيات خارج الخدمة
بيروت – المركز الفلسطيني للإعلام قال وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، الخميس، إن بلاده سجلت منذ بداية عدوان الاحتلال الإسرائيلي 172 شهيدا من الطواقم...
25 أسيرًا يتنسمون الحرية وآثار التجويع تغير ملامحهم
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مساء اليوم الخميس، عن نحو 25 أسيراً من الضّفة، ممن أنهوا محكومياتهم، ومن...
الصحة العالمية: الوضع الصحي في شمال غزة مُروّع
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الخميس، إن "الوضع الصحي في شمال قطاع غزة مروع"....
الحوثي: استهدفنا 202 سفينة مرتبطة بالعدو الاسرائيلي والأمريكي والبريطاني
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أكد قائد حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي أن إجمالي عدد السفن المستهدفة المرتبطة بالعدو الإسرائيلي وبالأمريكي...
اعتقال المرابطة المقدسية سحر النتشة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الخميس، المرابطة المقدسية سحر النتشة من منزلها في بيت حنينا شمال القدس...
المستشفى المعمداني بغزة يناشد بالإسراع بالتبرع بالدم لإنقاذ حياة المصابين
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ناشد المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) في غزة المواطنين "الإسراع بالتبرع بالدم لإنقاذ حياة المصابين". بدوره حمّل...
هكذا حاول الاحتلال تجنيد عملاءٍ له في غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت منصة "المجد الأمني" التابعة للمقاومة في قطاع غزة، عن منصات مشبوهة جديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملت أسماء...