الأزمة الأمنية وخطة العلاج

حوادث إطلاق النار والقتل العشوائي وشبه العشوائي والفوضى المنظمة وشبه المنظمة والمخدرات ورواجها والأسواق وانتشارها العشوائي والطرق والسيارات وفوضاها المرورية والسلاح وانتشاره العبثي بعيداً عن الهدف الأساس ونقاش حكومة الوحدة الوطنية لخطتها الأمنية يفتح ملف الانفلات الأمني في قطاع غزة والضفة الغربية ليعود السؤال القديم الجديد “هل من طريق إلى علاج الأزمة الأمنية؟”
“الشارع الفلسطيني يعيش انفلاتاً أمنياً” هكذا أجاب 94.1% من الشارع الفلسطيني في أحد استطلاعات الرأي العام مؤخراً. نسبة مذهلة من الاتفاق على تعريف لا تشخيص الحالة التي تعيشها الأرض المباركة وبالأخص قطاع غزة والتي يتضح منها بشكل جلي استفحال الشعور بالمشكلة أو القصور في فهم و تحديد مدلول الانفلات الأمني. ومن نافلة القول أن من الأجدر أولاً خلق الوعي بالمفاهيم ومدلولاتها وأسبابها قبل الخوض في استطلاعات رأي تضلل أو تحجب نصف الحقيقة.
الاستطلاع حمل الفصائل مجتمعة المسئولية بنسبة 35%. وتجدر الإشارة هنا إلى تجاوز محدود لبعض الفصائل نابع عن تجاوزات إدارية وفنية وليس تقصداً لتكريس حالة تفرد وهيمنة بالقرار والواقع الأمني. بينما أجاب 57.5% أن السلطات الثلاث هي المسئولة عن الانفلات فقط 10.4% حملوا المسئولية للسلطة التنفيذية وحدها.
عدم تطبيق القانون ليست ظاهرة جديدة بل قديمة وربما تزامنت مع نهاية الانتفاضة الأولى وتكرست في ظل السلطة عبر تنوع وتعدد الأجهزة وتناحرها واستقوائها واستفحلت في ظل انتفاضة الأقصى وأعلى من بروزها ضياع هيبة السلطة. ولكنها ظاهرة أصبحت كقميص عثمان تستدعى وقت الضرورة والحاجة ويخلق منها مبرر لتكريس وقائع جديدة خدمة للبعض دون الآخر. ويجري إثارة القضية من آن لآخر خاصة وأن الحديث بدأ يتطور بوجود أكثر من سلطة واحدة وهذا أمر غاية في الصعوبة. هذا عدا عن الدور الخارجي بشتى ألوانه والدي يسعى لترسيخ حالة التشر ذ م لحاجة في نفس يعقوب يسعى لقضائها عبر سياسة فرق تسد التي يطمع العدو من خلالها إلى تفجير الساحة الفلسطينية قبل الوصول إلى حكومة الوحدة الوطنية والتي تشكل للجمهور الفلسطيني بارقة أمل كبير في ضبط الأمن الداخلي.
إن ما يجري من أحداث لا يمكن أن نطلق عليها مصطلح انفلات أمني وفوضى، حيث الانفلات الأمني ينصب على قيام مجموعات مسلحة من المدنيين بممارسة عمليات اعتداء وإطلاق نار وقتل فوضوي ضد عناصر الأمن، وأفراد من الشعب. ما نراه حالياً أن هناك مجموعات مسلحة من الأمن والفصائل والعشائر ومن جهات غير رسمية محسوبة على جهات رسمية تقوم بعمليات اعتداء وقتل ومداهمات جميعها مخالفة للقانون والنظام. ففوضى السلاح يرعاها سلاح رسمي بشكل مباشر أو غير مباشر فأصحاب النمر الحمراء (الحكومية) أكثر من يتجاوزون الإشارة الحمراء القرارات القضائية غير ملزمة وتنفيذ الأحكام القضائية يتم بشكل انتقائي (إذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد) بالمناسبة 89.5% من العينة أجابوا أن القانون لا يطبق على الحاكم والمحكوم بالسواء…
على كل حال يمكن إرجاع أسباب ذلك الانفلات والفوضى إلى أسباب متنوعة وجهات عدة فهي وليدة مشاكل داخلية في أجهزة السلطة، تفرزها التركيبة الداخلية وسياسة الشللية في السلطة وحالة الصراع والتدافع بين الأجيال. أو أن تكون هذه المظاهر والممارسات مفتعلة من قبل جهات معينة لحرف دفة الشعب الفلسطيني إلى طريق مهلك. أو أن ما يحدث اليوم من مظاهر وممارسات (والتي يطلق عليها مصطلح الانفلات الأمني) هي نتاج الأزمة السياسية والنظام السياسي، ونتاج عدم وجود أفق سياسي، فأصبح الدور المطلوب من السلطة أمنياً وحسب، هذه الحقيقة تعمل على تصدع الحكومة إن لم يتم البدار لنزع فتيل تلك القنبلة الموقوتة . أو يمكن القول أن هذه المظاهر والممارسات هي نتاج تركيبة شخصية معقدة تمت عبر تربية الأجيال المتعاقبة في الشعب الفلسطيني على عدم احترام القانون وتجاوز النظام.
ولكن ما يثار حول الانفلات الأمني المقصود منه أحياناً تلبيس مسئولية الانفلات الأمني للغير لذلك لا بد من إحقاق الحق وتحديد الجهات المسئولة عن حالة الانفلات الأمني، وذلك بإثارة علامات تساؤل واستفهام حول اليد التي تقف وراء الممارسات والانتهاكات التي يطلق عليها فلتاناً أمنياً، من الذي لا يطبق القانون؟ من الذي يثير الفوضى؟ من الذي يعمل على تجاوز القانون؟ لابد هنا من إحصاء جميع المظاهر والحالات التي تمثل الانفلات الأمني ومن يقف وراءها ونشرها. وعلى الجميع (رئاسة وحكومة وفصائل وتشريعي وعشائر ومثقفين) أن يدرك واجبه في حماية المجتمع الفلسطيني، و تعزيز الإصلاح والسعي نحو تحقيق سيادة القانون ومحاسبة المسئول علناً على التقصير أو الإهمال أو السرقة في أداء حقوق الناس، وذلك كله بشكل قانوني ومشروع، لذا لا بد أن تحدد القوى الفاعلة موقفها بشكل إيجابي من القضايا المدنية، ولا بد أن تفرق بين التعاطي مع المواقف السياسية والتعاطي مع الحياة المدنية اليومية. وهنا لا بد من تعزيز التفرقة عند أفراد المجتمع في التعامل بين شرطي المرور مثلاً والمسئولين عن الفساد، بين موظف الخدمات وأماكن الخدمة العامة، المستشفيات، الدوائر الحكومية، وبين الموقف القضائي والقانوني من المسئولين عن الفساد وممارستهم. لا بد أن يتعزز في مفهوم أبناء الشعب الفلسطيني أن ليس أحداً منهم غريباً عن مؤسسات السلطة، بل هم شركاء في المجتمع ولهم الحق في الوظيفة، ولهم الحق في الخدمة كما عليهم الواجب في تحمل المسئولية كاملة سواء بسواء.
وحول النصائح المقترحة التعامل مع ظاهرة الانفلات الأمني 42.6% من العينة المستهدفة يري ضرورة محاسبة من يتجاوز القانون دون تهاون أو تمييز. وهنا يجدر القول أن من الضروري ملاحقة الظاهرة ثقافياً عبرترسيخ مفهوم المجتمع المدني والحوار وتعزيز مبدأ الدفاع عن الحقوق، من خلال ندوات، ورشات عمل، دورات، تعميمات، بيانات…
لذلك لا بد من الملاحقة الإعلامية وذلك عبر إظهار حالة الانفلات الأمني وخطورتها والجهات التي تقف خلفها، والتركيز الإعلامي على أن ما يحدث هو إفراز لغياب القانون والانتقائية في تطبيقه. لا بد من حصر المظاهر والممارسات التي تمثل ظاهرة الانفلات الأمني والإشارة لمن قام بها، ومن ثم الدعوة لتعزيز سيادة القانون وعدم الانتقائية في تطبيقه ورفض مبدأ استدعاء القانون عند الحاجة والمطالبة بتطبيق القانون على الجميع. ولا بد كذلك من إثارة الكتاب والصحافيين لتعزيز المبادئ السابقة وإظهارها في كتاباتهم أو حديثهم عبر الصحف والإذاعة والتلفزيون، كما لا بد أن يكون هناك بيانات داخلية وخارجية توضح تعزيز ذلك وتبين أن الجميع مع سيادة القانون وأن هناك رفضاً جماهيريا لحالة التسيب والانتقائية في تنفيذ القانون.
أما على صعيد الملاحقة القانونية يجب أولاً تسمية حالة الانفلات الأمني باسمها وهي غياب القانون والتركيز على أن من يمارس الانفلات الأمني هو من يجب أن يقضى عليه في بعض الأحيان. مع المطالبة بأن يكون القانون والقانون وحده هو الحكم في الساحة الفلسطينية . وتجدر الإشارة هنا إلى إيجابية تنفيذ بعض أحكام الإعدام وأثر ذلك في تشكيل رادع قانوني.
وكذلك فلا بد من تبني قضايا الرأي العام في المجتمع المدني، وعدم الاقتصار على تبني القضايا السياسية، فيجب السعي إلى تبني القضايا المدنية والعامة عن طريق التحشيد وتكوين جماعات الضغط، واستخدام كافة الوسائل المشروعة من مسيرات ومراسلات واتصالات وغيرها من وسائل الضغط والتي تنتهي بالتوجه للمحكمة لنقل القضية إلى ساحة القضاء، والضغط من أجل تنفيذ الأحكام ولا ينبغي استثناء دور مؤسسات حقوق الإنسان. وعلى صعيد الملاحقة الاجتماعية فتتمثل في أن تؤدي العائلات والعشائر عبر مجالسها وتجمعاتها الاجتماعية دوراً ضاغطاً لصالح سيادة القانون بما يحقق العدالة لا ما يحقق الانتصار العائلي النتن. وكل ذلك لا يستثنى منه الدور الجماهيري والسياسي الضاغط عبر تشكيل لوبي يرفض كل الممارسات التي تبرز ظاهرة الانفلات الأمني سواء عبر رسائل الاحتجاج أوالمسيرات والاعتصامات.
والضرورة تقتضى توفر كافة عناصر النجاح اللازمة لنجاح الخطة الأمنية والمتمثلة في جملة من الشروط التي ينبغي مراعاتها ولعل التشخيص الدقيق للحالة الأمنية الراهنة حجر الأساس الذي ينبغي الانطلاق على هداه مع ضرورة الحذر من الفشل خاصة في مرحلة الوفاق الوطني وما ينبغي تحققه في هذه المرحلة يضاعف الآمال ويغلق بوابة الفشل لأنه دلالة سقوط مدوٍ في دوائر اليأس والإحباط الشعبي المتراكم. القرار من حيث الصوابية والإسناد اللازم له مع وحدة القرار (كافة الأجهزة) مع تعاون كامل من الفصائل والعشائر مع توفير جميع مقومات القوة اللازمة للتطبيق عناصر أساسية للنجاح علاوة على الحملة الإعلامية والتعبوية الشعبية السابقة و المصاحبة لتطبيق الخطة ومع توفير الإمكانات اللازمة لذلك علاوة على مراعاة الواقع الاقتصادي الضاغط والظروف المعيشية القاسية مما يستدعي ضرورة التدرج في تطبيق الخطة مع مراعاة للأولويات التي تسمح بتوفر حالة من الاستقرار النفسي. وينبغي أن يصاحب ذلك التقييم الدوري المستمر مع توفر الخطط البديلة للطوارئ مع الحذر في تناول القضايا التي يمكن أن تكون بؤر توتر تحمل في ثناياها بوادر الفشل.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...