تجاذبات القمة و القاع.. استشراف النظام الرسمي العربي

بعد أن تموضعت قمة الرياض في سلسلة النظام السياسي العربي، بات من المفيد قراءة حلقات هذه السلسلة في سبيل استشراف شكل الحراك المقبل و الإزاحات المنتظرة في الموازين الإقليمية و تشابك هذه الموازين في صورة عراك و اشتباك عنيف يزداد حدة بين برنامجين و مشروعين متمايزين جيو- سياسياً و متناقضين في الرؤى حول الدور المطلوب من شعوب المنطقة….
قريباً من الخفوت..
منذ قمة الخرطوم (1967) و عودة إلى الخرطوم مرة أخرى ووصولاً إلى الرياض كان المظهر الوحيد الآخذ بالتراكم و التعاظم عاماً بعد الآخر هو انحدار مستوى تقدير جدوى هذا التجمع الدوري، ولا حاجة هنا لاستذكار مظاهر ذلك في التلاسن العلني المتكرر و انخفاض مستوى التمثيل الدبلوماسي، إلا أن السقطة النوعية هذه المرة تمثلت بالتغيب الليبي المطلق عن الحضور.
يبدو تفسير العزلة الليبية المتواصلة باتجاه الانسحاب من محيطها العربي باعتبارها (نزوة قذافية!!) فهماً مسطحاً و هروباً من تسمية الحقائق بمسمياتها ، فالحقيقة من ذلك أبعد و أبطن،
فهي توجه متنامٍ بعبثية المنظومة الرسمية العربية و عجزها عن توفير أية مظلة أمنية أو سياسية داعمة لأعضائها وهو جوهر العقد الدبلوماسي الجامع لأي تكتل قومي أو اقتصادي أو حتى فدرالي.
ولئن كان الموقف الليبي هو أبرز تجليات هذا التوجه صراحة ، فإنه من السهل مراقبة تجليات أخرى تبطن في مضمونها هذه الفكرة، ومنها تلك المحاور العربية المتفسخة في الشرق ، و التكتل المغاربي المتنامي و الساعي للارتباط بحوض أوروبا اقتصاديا و تجارياً.
إن الخفوت الزاحف لمأسسة الجدوى من الآلية الرسمية العربية يقابله و ببالغ التناقض صعود الهوية القومية العروبية بتمازجها مع رافعتها الإسلامية التي تترجم نفسها عملياً بحركات إقليمية ذات برنامج يتبلور باستمرار و قاعدة جماهيرية باتت تخيف كثيراً من الأنظمة.
تجاذبات القمة و القاع…
ما بين الرباعية العربية و الثنائية السورية الإيرانية تجاذبت حسابات القمة و القاع التجمع العربي في الرياض، واستقراء الحراك السياسي المستقبلي في ضوء ذلك يتعلق بالدرجة الأولى في هذا الاتزان الدقيق الناشئ بين الأحلاف الإقليمية و ارتباطاتها الدولية و بين استراتيجيات العمل العربي المشترك المفترضة،
فكلما تعززت فكرة المجموعة العربية الرباعية و شبكة مصالحها مع الإدارة الأميركية و تشعباتها الحليفة في بؤر التوتر الإقليمي العربي ( فلسطين -العراق-لبنان) ستزداد الفجوة مع الحلف الثنائي السوري الإيراني و كل ما يرتبط معه ببرنامج مناهضة النفوذ الأميركي في المنطقة.
ولا رابح عربياً في هذه المعادلة…فتكاليف مناهضة النفوذ الأميركي بجبهة عربية مفككة ستودي بالشرق العربي في طحن إقليمي- مذهبي مغذى غربياً ليس أدل عليه من جبل الجليد القابع على الطريق بين مصر و سوريا، كذلك فإن أكلاف سيطرة الحلف المعتدل ستكون الدفع ببؤر التوتر سابقة الذكر في جوف التغول الأميركي.
من الملاحظ في الآونة الأخيرة أن سوريا الرسمية باتت تتحرك في هامش هو الأوسع دبلوماسياً منذ إطباق الخناق عليها بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وفي ذات الوقت تغرق مصر الرسمية صاحبة الدور الإقليمي التاريخي في دوامة مواجهة المعارضة الداخلية التي تنذر أحداثها الأخيرة بموجة نوعية من التصعيد. وما بين هذا و ذاك تتذبذب الأدوار الإقليمية وتتناغم مع العربية السعودية و إيران.
الفلسطيني في المنظور الاستراتيجي العربي…
تتكثف كل العوامل و القياسات السابقة لتغدو أشرس و أكثر حدة في رؤية الاستراتيجيا العربية للفلسطيني، فهي وعلى اختلاف أجندتها ترى في الفلسطيني بوتقة لصهر كل المتغيرات الدولية و الإقليمية لإحداث أكبر قدر ممكن من الإزاحة في الوجهة المطلوبة، فالتكتيك الأميركي المناوب في المنطقة باستمرار يرسي لمبدأ إدارة متواصلة للأزمة الفلسطينية – وما ينبغي الانتباه له هنا أن ذلك ليس بهدف التهيئة لحل هذه الأزمة- و إنما بغاية حل أزمة مختلفة كلياً و هي العراق، بما توفره إدارة الأولى( فلسطين) من مدخلات وتضافر للطاقات للخروج من الثانية ( العراق)، وانسجاماً مع هذا التكتيك يتماشى فهم “المربع العربي” في بقائه على مسافة واحدة من الفلسطينيين ما دام ميدانهم قيد السيطرة (حيث لا يعدو تدخل العربية السعودية في رعاية اتفاق مكة سوى محاولة لإعادة هذا الميدان إلى السقف المأمون داخلياً).
ونتاج ذلك أن يتحول الفلسطيني تدريجياً من لاعب محلي و إقليمي متواضع الإمكانات ولكنه قادر على صنع القرار الوطني المستقل إلى عنصر مقيد و مجبر على اللعب وفق سقف المعتدلين واستخدام أدوات تأثيرهم المحدودة دون تجاوزها استجابة “للتشاكي” المتزايد من خطورة المحاور و الأحلاف وضرورة الالتزام بأسس العمل العربي المشترك القابعة أصلاً في الرياض والقاهرة دونما غطاء عربي إجماعي بما يتطلبه ذلك من جبهة موحدة في الحرب والسلام.
إن المركز السياسي العربي يتحرك باضطراد و اضطراب نحو ولادة منظومة إقليمية جديدة لعلها الأكثر اختلافاً منذ فترة حكم محمد علي في مصر، لتؤسس لمفاهيم مستجدة في قضايا الأمن القومي والتحول الديمقراطي والحساب النهائي للموقف الأميركي في المنطقة خارجاً خاسراً أم باقياً رابحاً؟؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...