قراءة في منهجية وأدوات إعلام التضليل في فلسطين (2)

نتابع في هذا المقال تقديم قراءتنا ونحاول أن نغطي المزيد من أساليب عمل الإعلام التفريطي والارجافي في فلسطين مع ضرب الأمثلة الموضحة.
التلاعب اللفظي وحرب المصطلحات: وهنا يتعمد الإعلام المضلل البحث عن لوازم لفظية مسيئة لدمغ المخالفين بها؛ ويتم هذا عن طريق التلاعب بأنصاف وأرباع وحتى أعشار الحقائق لتسويغ رمي المخالف بهذه الصفات. وعادة ما يأتي هذا الإجراء كوسيلة دفاعية ضد اتهامات ومعطيات أكثر قوة تلصق الطرف المختلق لهذه الألفاظ بصفات سلبية للغاية؛ ولها ما يسندها على أرض الواقع من معطيات وأحداث؛ ولها شعبية جماهيرية أيضا.
وكمثال على هذا عمد إعلام التفريط لمحاولة حماية شخوص زعاماته المتهمة بالتفريط والتنازل عن الثوابت – بالنظر الى اشتراكها فعليا بأعمال تعكس هذه التنازلات – عمد لرجم الجبهة المقابلة بتشكيلة من المفردات التي ترمي لإهانتها؛ ودون النظر الى عدم جدية وصدقية هذه الاتهامات وعدم صلاحيتها للسياق الزماني والمكاني؛ ومن ذلك جاء وصف حماس في هذا الاعلام بأنها من “الشيعة”؛ وأنها “عميلة لايران”؛ وأن القوة التنفيذية هي فرع “للبشمركة” و”مغاوير الداخلية” في العراق؛ وذلك في اطار رد واه على اتهام جمهور المقاومة بعض قادة ورموز التفريط بأنهم “متصهينون” و”عملاء لإسرائيل” وأن بعض أجنحة الأجهزة الأمنية يمارس دور “جيش لحد” في فلسطين. طبعا شتان بين المعطيات التي يمكن لفريق المقاومة أن يضعها في اثبات ما يقول قياسا بما تحشده بروباغندا التفريط في فلسطين من أكاذيب.
المنطق المغلوط: كما هو معلوم فالمنطق عملية يتم بموجبها استنتاج نتائج من واحدة أو أكثر من الجمل البسيطة غير المركبة؛ والتي يمكن التعامل معها كحقائق. أما إساءة استخدام المنطق فتقوم على أساس وضع عدد من الحقائق المجردة الصحيحة كلا على حدة؛ ثم محاولة استنتاج نتيجة غير صحيحة من هذه البديهيات أو المسلمات أو الحقائق البسيطة.
كمثال على الاستخدام السيئ للمنطق: “كل المسلمين يؤمنون بالله” جملة صحيحة؛ وجملة “كل المسيحيين يؤمنون بالله” جملة صحيحة أيضا؛ لكن القفز لاستنتاج من قبيل “كل المسيحيين مسلمون” هو استخدام سيء للمنطق لأجل خلق معلومة داحضة؛ وحجر الزاوية في هذا الاستخدام السيئ هو ستر وإخفاء معطيات أخرى كثيرة تتناقض مع النتيجة أعلاه؛ من قبيل تجاهل الالتزام بالشروط التي تجعل المسلم مسلما.
وبالرغم من أن المثال أعلاه صارخ في بساطته وفجاجته؛ الا أن الاعلام المعادي للمقاومة استخدم هذه الطريقة الساقطة في التحليل المنطقي السقيم كثيرا؛ فروج لأنباء وتحليلات من طراز: ” محمود الزهار قابل شمعون بيزيز أيام الانتفاضة الأولى؛ وفي تلك الأيام كانت حماس ضد المفاوضات؛ وعليه لا بد أن حماس تخدع الجمهور الفلسطيني”. طبعا مفبرك هذا التحليل تعمد تجاهل شكل وجوهر ما جرى في لقاء الزهار مع بيريز؛ واختلاف شكل وجوهر هذا اللقاء عن مفاوضات حسن عصفور وياسر عبد ربه؛ فاللقاء كان أشبه بالتوقيف الأمني وأصر فيه الزهار على حقوق الفلسطينيين كاملة ولم يقدم أي تنازل شكلي أو جوهري؛ وهذا لا يقاس بمهازل ومضحكات مفاوضات فريق أوسلو المبكيات؛ إن على مستوى الشكل من عناق وقبل وتبادل للأنخاب؛ أو على مستوى الجوهر فيما يخص التنازل عن الثوابت.
وفي مثال آخر على إساءة استخدام المنطق تلجأ فتح عادة في الدفاع عما يجري فيها من تخوين متبادل وحرق لصناديق الاقتراع في انتخاباتها الداخلية – تلجأ لمنطق من قبيل: “الحركات الحية يحدث فيها حراك سياسي وخلاف؛ وبما أننا نشاهد خلافات فتح في العلن كما تنقل الأنباء فهذا دليل على أن حركة فتح حركة حية”! هكذا بكل خفة؛ وبتجاهل بديهية أن الخلاف يجب أن يكون ضمن ضوابط حزبية وأخلاقية؛ ولا يجب أن يتطور لحد التراشق اللفظي والمسلح أيضا.
لبس الباطل بقشرة من المثاليات: هنا يتم الاستعانة بصور جميلة ومثالية تحظى بتعاطف شعبي من اجل تمرير مخططات باطلة وأفكار مغلوطة. كمثال على هذه الأداة يقوم أحد مواقع الانترنت التابعة لجبهة التفريط بعرض مستمر لصور وتقارير عن “أطفال بعلوشة” الذين استشهدوا في حادثة لم يحل غموضها للآن – يقوم بعرضها واستخدامها كأساس لتبرير الحرب على المقاومة وسلاحها؛ باعتبار أن المقاومة مسؤولة عن قتل الأطفال! والحقيقة أن أطفال عائلة بعلوشة قد استخدموا استخداما قبيحا وبشعا على أعلى المستويات؛ حين ظهر علم “الخمسة بلدي” في مجلس عزائهم وفي حركة مكشوفة لحصد الشعبية الرخيصة؛ وكجزء من بروباغندا “لبس الباطل بقشرة من المثاليات”.
كذلك وفق هذه الآلية يمكن تفسير سر الاستعانة بامرأة عجوز ووالدة لأحد الشهداء – الاستعانة بها لمصاحبة سياسي فلسطيني وهو يشن الحرب على المقاومة في خطاب شعبوي مضى فيه لأبعد حد في الصدام مع مشروع المقاومة والترويج لمشروعه التفريطي – التفريطي وغير المنسجم مع ما يموت عليه الشهداء!
التغلب على مواقف الخصم المثالية بتجاهلها التام: وكما يشرح العنوان يعمد الإعلام المضلل هنا لحماية نفسه وحماية ما يمثل من تفوق الخصم عليه إلى تجاهل كل القصص والمعطيات التي تشهد للخصم بالمثالية والتفوق. ولعل هذه الخصلة تعد حجر الزاوية في منهجية إعلام التفريط والتضليل في حربه على المقاومة؛ والأمثلة لا تكاد تحصى في هذا الباب. يكفي أن نتذكر كيف أن هذا الإعلام تجاهل أي دور للقوة التنفيذية في صد الاجتياحات بأمر عسكري رسمي صادر لها؛ ويكفي أن نتذكر كيف أنه تجاهل أنها قدمت عشرات الشهداء في القتال ضد الصهاينة بعد أسابيع من نشأتها؛ وكيف أنها بدأت جهازا تطوعيا دون عوائد مادية للعاملين فيها حتى قبل أن تتضح للعلن حقيقة الأزمة المالية في فلسطين. تجاهل إعلام المرجفين كل هذا وأراح نفسه من أزمة السؤال الضميري وهو ينقض على هذا الجهاز الوطني الشريف النظيف!
كذلك يمكن النظر إلى الطريقة العجيبة التي يغيب فيها إعلام التفريط خبر خطف واعتقال حوالي أربعين نائبا من حماس عن صفحاته؛ حتى لا يكاد هؤلاء يذكرون أبدا؛ مع أن دواعي ذكرهم لا تنقطع؛ سواء لكثرة الأنباء التي تتصل بالمجلس التشريعي؛ على الأقل لتعدد عقد جلساته؛ أو حتى لكثرة مظاهرات “الخبز” عنده؛ واقتحامه على يد الشرطة الجائعين من كل شيء إلا من طلقات الرصاص التي يضربونها في السماء بلا حساب!
الخداع البصري: آلية البروباغندا هنا تعمل على استغلال صورة أو مشهد ما في غير سياقه؛ للوصول لاستنتاج يدمغ الخصوم بصورة سلبية.
أحد مواقع جبهة التفريط يمارس ذلك بشكل يبلغ أحيانا حد الطرافة؛ فهو يحافظ منذ أشهر على وضع صورة للرئيس الايراني “محمد أحمدي نجاد” وهو يصافح حبرا يهوديا؛ ويطلب من القراء التعليق وإبداء رأيهم في علاقات إيران بإسرائيل!
طبعا الموقع لا يبذل جهدا في الشرح لزواره أن الصورة المقصودة هي لعناق مع يهود لا يؤمنون بالصهيونية؛ ويحاربون “دولة إسرائيل” فكريا؛ ويطالبون بتحرير فلسطين كاملة من البحر إلى النهر؛ أي أنهم لهم سقف وطني فلسطيني يعلو على سقف السياسي الفلسطيني المتمول والمشبوه والذي يشغل الموقع المقصود!
وغير هذا من أدوات بروباغندا التفريط الكثير الكثير مما يضيق المقام عن شرحه كله في جلسة أو اثنتين؛ لذلك فاننا نتوقف اليوم عند هذا الحد؛ مع أمل بعودة قريبة لتسليط المزيد من الضوء على أباطيل وأسمار المتخرصين من أعداء المقاومة وأعداء فلسطين وثوابتها وشعبها…
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إصابة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدروع في حي الشجاعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بإصابة عدد من جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة نيران المقاومة الفلسطينية. وقال...

جامعة كولومبيا تعلّق دراسة 65 طالبا احجوا ضد الإبادة في غزة
واشنطن - المركز الفسطيني للإعلام علقت جامعة كولومبيا دراسة 65 طالبا من "مؤيدي فلسطين" لمشاركتهم في احتجاج داخل المكتبة الرئيسية للجامعة يوم الأربعاء...

باكستان تطلق عملية “البنيان المرصوص” ضد الهند
إسلام أباد - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت باكستان فجر اليوم السبت، عملية عسكرية مضادة للهجمات العدوانية الهندية على أراضيها ومنشآتها العسكرية تحت...

لجنة أممية تحذر من خطر المجاعة والمرض على الفئات الهشة بغزة
جنيف - المركز الفلسطيني للإعلام قالت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري إن نفاد الغذاء في قطاع غزة، إلى جانب الدمار الواسع...

إصابتان برصاص الاحتلال وهجمات للمستوطنين في الضفة
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شاب فلسطيني برصاص الاحتلال في بلدة تقوع جنوب شرق بيت لحم، فجر السبت، في الضفة الغربية المحتلة، إثر اقتحام...

“الجهاد الإسلامي” تنعى القائد بسرايا القدس الشهيد نور البيطاوي
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام نعت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الشهيد نور عبد الكريم البيطاوي، القائد في "كتيبة جنين" التابعة لسرايا القدس،...

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...