السبت 10/مايو/2025

حصاد واقع عربي

سوسن البرغوتي
في اجتماعات الرياض الأخيرة، قرارات مكررة وممجوجة، ولا أمل في تفعيلها على أرض الواقع، وهي ليست أكثر من حبرٍ رخيص على ورق أرخص. ولو تناولنا مناقشتها بموضوعية لأدركنا أنها لا ترقى إلى مستوى الأحداث، بينما الأخطار الكارثية محدقة بالأمة العربية. لكن الفضيحة هي أن الرؤساء والملوك العرب لا يتقنون التحدث باللغة العربية السليمة، وكأن مشايخ القبائل العربية دُجّنوا وتشرّبوا إتقان لغات أخرى، كجزء لا يتجزأ من شخصيتهم التابعة، أو لأن “سيبويه” أعجمي الأصل فقد أعلنوا الحرب عليه!..

فكما قيل، حرف الجر يجر الكون بأسره، والفاعل والمفعول، كل له مكانه ووضعه في الجملة، ومع ذلك، فإن مخارج ألفاظ الحروف العربية، كانت متلعثمة.. متعثرة، وهذا ما يرجح انعكاس وهن وضعف الأمة العربية وتأثير ذلك على لغتنا العربية، ولا يخفى أن المتحدث بلغته الأم يعبّر عن تشكل أصيل لشخصيته وقولبة أفكاره، أما الخطورة فتكمن في تبني ثقافة مدجنة.

رغم أن الخطابات مكتوبة ومجهزة مسبقاً من قبل مستشارين ومختصين، إلا أنهم كانوا يرتكبون أخطاء لغوية وغير لغوية في خطابهم السياسي المباشر، ويتحايلون في النقر على وجدان الشارع العربي، الذي أنهكته الانقسامات حول الكثير من القضايا العربية الملحة.

ما حدث إبان الاعتداء الصهيوني على لبنان، وما رافقه من غضب شعبي عربي، كان أقل بكثير مما لو حدث في زمن ثورة القومية العربية خلال الستينات، والفضل يرجع إلى “الاعتدال” العربي وإنكار نصر حزب الله المقاوم، أو تصنيفه على أساس أنه صدى إيراني، متجاهلين ما يكرره السيد حسن نصر الله في أن مقاومة حزبه من أجل تحرير كل الأرض اللبنانية، وأنها لن تستمر للأبد في حال تشكيل جيش لبناني قوي، يستطيع الدفاع عن سيادة لبنان. كما تم عزل المقاومة الإسلامية في فلسطين، للسبب نفسه، مع العلم أن مذابح جنين، ومجازر بيت حانون، وجهت ضربة موجعة للمقاومة، وأن التغني ببطولات، حلت مكانها الاتهامات المغرضة، وأنها تلفظ أنفاسها في المساومة على الثوابت، بدل منحها الوقت ودعم الجهود للنهوض مجدداً.

كما تم بنجاح استبدال إيران كعدو قدري للأمة العربية، وكأنها أتتنا مدججة بالسلاح لتحتل الأرض العربية، لنتحول عن الهدف، وهذا يساهم في تبرير بقاء الاحتلال الأمريكي من أجل أمن العراق والبلدان العربية!. وكأن الانقسام الطائفي لم يهدد العرب المتحالفة معه في تدمير العراق، إن هو فشل في تثبيت هيمنة قواته على أرض محروقة بالكامل، وشعب منهك وسط حرب أهلية طاحنة.

أما الفئة الثانية من الشعب العربي، فتعتبر العدو الواحد هو المحتل المباشر، الذي سمح لتوغل إيراني وغيره من العابثين بتفجيرات تخريبية على أرض وشعب العراق. وهذه الفئة، تبدو متضامنة مع إيران، بغض النظر عن أفعالها المشينة في العراق، وأن هذا الدعم سيكشف ظهر المقاومة في العراق.

لا يمكن لأي وطني حر، أن تفوته المناورات السياسية والرحلات المكوكية لـ “رايس” والمسؤولين الغربيين، وهدفهم محاصرة المقاومة العربية بأكملها، وسلب حق الدفاع عن الأوطان والحقوق، وكسر إرادة الإنسان العربي، بالحملة والهجمة على المقاومة العربية على مختلف جبهاتها، لذلك فإن الوعي العربي على المحك وعلى مفارق الطرق.
الحاجة الملحّة والفورية هي في حمل لواء “كلنا مقاومة”، ففيه تفويت الفرصة لأي طامع بأمتنا، ومن شأنه أن يتراجع عن مشروع السيطرة والنفوذ على بلادنا العربية، فهل ننتصر للمقاومة المسلحة بمنأى عمن يدعمها عسكرياً، حتى يتم التحرير، أم ننتصر عليها لنقف في خندق عدونا جميعاً؟.

عند الحاجة لإطلاق نظريات تقاطع المصالح، تصبح أمريكا حليفة وصديقة، وهي التي تدعم العرب الهاربة من مواجهة “إسرائيل”، والأنظمة تخزن الأسلحة المستوردة من أمريكا والغرب، لأجل لا يعلمه إلا الله، لتنتهي في مزابل المستودعات، فلماذا يرفضون لغيرهم ما يرتضونه لأنفسهم، أفلا يحق للمقاومة أن تأخذ الأسلحة حتى من شياطين الأرض؟!.

الوعي والنضج العربي لا يفرق بالفضل بين مقاومة مسلحة وأخرى، على مبدأ المساواة بينها، حتى يتحقق مشروع التحرير، ويعمل على تشابك خطوط التصدي، مهما اختلفت فيما بينها، فالهدف واحد. فحماقة أولمرت قادته إلى مداراة خيبة وذل جيشه في الجنوب اللبناني، لدور المساعي الخبيثة لجهات عربية، سعت إلى الانتقاص من فوز وانتصار حزب الله، وسيجدون في كل مرحلة من مراحل النضال أدوات رخيصة بالتهجم على أي جبهة مقاومة عربية مسلحة.

الحفلة العربية في القمة الأخيرة “وليتها تكون الأخيرة”، أعجمية اللسان والقرار، تهدف إلى الالتفاف على المقاومة العربية، واعتبارها “إرهاباً” تصديقاً لما صرحت به بومة الشؤم، وان المقاومة بكل أشكالها مرفوضة. لقد اخترق الحكام العرب جبهة الممانعة العربية بالإعلام البديل، ليحلو لهم اللعب على وتر السلام، وغير ذلك من الشعارات الواهمة والمضللة التي لا تعني إلا الرضوخ الكامل لأوامر “أمريكية- “إسرائيلية” بحتة.

وبهذا يتحقق لبوش وإدارته ما خططوا له، بالقضاء على الأطراف العربية الهامشية والاستيلاء على مناطق النفط العربية، بتكريس ثقافة الثأر العربي وحرب البسوس طويلة الأمد مع إيران، بينما يدار القرص السحري عن بعد، لإشعال حروب عربية- إيرانية طويلة الأمد، ليحل الدمار والخراب والفوضى، في كل منطقة الشرق الأوسط الجديد والقديم على حد سواء، ويختفي “الرامبو” الأمريكي وراء شركات احتكار الثروات العربية، ويُعمّد الشر الصهيوني دولة في منطقة هلامية، لا شكل لها ولا هوية ولا كيان.

أما القضية الفلسطينية، والتي لم تكن يوماً بمنأى عن الوضع الشامل للأمة العربية، فستنتحر على أبواب تيار التصهين الفلسطيني والعربي، إذا غلبت سطوة دعاة هذا التيار، وإذا استطاعوا بعد فشلهم في القضاء على المقاومة، أن يعاودوا الكرة مرات ومرات، حتى يصبح النضال مرفوضاً جماهيرياً، قبل أن يكون مطلباً لحكام القبائل المدجنة لغة وثقافة وسلوكاً..
 
الحل المنطقي لإفشال ما هم بصدد تنفيذه، هو المقاومة الموحدة المتماسكة أولاً وثانياً وعاشراً، فكم من الجيوش هُزمت في بداية كل حرب مع العدو، واستمرت المقاومة الشعبية، وحرب العصابات، بإصرار الإرادة الوطنية، ورفض كل أشكال الخنوع والانهزام. فالقول بأن المقاومة يستحيل أن تواجه أقوى آلة عسكرية، كبعوضة تدمي عين الأسد، ابتعاد عن الفكر النضالي، ولنا في التاريخ عبر، توجه بوصلتنا النضالية على جميع الأصعدة إلى القبلة السليمة، ولن يصح إلا الصحيح…

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات