قراءة في منهجية وأدوات إعلام التضليل في فلسطين (1)

فلسطين تشهد حربا مستعرة بين منهجين وطريقين لا لقاء بينهما؛ وان كان اتفاق مكة قد نجح في فرض هدنة ما على قتال الميدان بين أنصار مشروعين؛ فإن حرب العقول بين المدرستين لتبرير المواقف وتسويقها لدى الجمهور لم ولن تتوقف يوما.
ولأنها حرب؛ فمن الواجب علينا النظر للإعلام التضليلي في فلسطين؛ هذا الإعلام المسوق للتفريط بالثوابت والحرب على المقاومة؛ والمروج للدفاع عن الفاسدين والمشبوهين؛ وعلينا أن نفحص منهجيته وأدواته؛ حتى يتسنى لنا فرز أباطيله وأسماره ووضعها في إطارها الصحيح من تكتيكات بروباغندا الحروب؛ وما تنطوي عليه من أقوال وأفعال هي كلها تندرج تحت إطار شهادة الزور والكذب على الله والناس. إن نجحنا في ذلك فسنصبح أكثر قدرة على توقع سياسات هذا الإعلام وأجندته اليومية؛ وسنصبح قادرين على دحض أكاذيبه كما الطبيب الماهر الحاذق الذي لا ينشغل بأعراض المرض الظاهرة والمضطربة والكثيرة عن حقيقة المرض ومصدره وجذوره وما يلزمه من تشخيص وعلاج.
بطبيعة الحال هذا الإعلام التضليلي منه ما هو مرئي أو مسموع أو مقروء في الصحف؛ لكن للنسخة الانترنتية منه لا تقل خطرا عن باقي الأوساط الأخرى المستخدمة في نقل المعلومة؛ ولعل بعض المواقع الانترنتية المرتبطة بأعلام التآمر الفلسطينيين من رجال السياسة المصنوعين في تل أبيب؛ والذين زكاهم بوش وإدارته – لعل بعض هذه المواقع بات يشكل رأس حربة لمشروع البروباغندا التفريطية؛ ومركز صناعة الإشاعة والكذبة في الحرب على الثوابت والمقاومة.
بروباغندا الإعلام التضليلي
يعمد الإعلام التضليلي في فلسطين إلى اتباع أساليب قديمة جديدة في الدعاية المغرضة ضد فريق المقاومة والثوابت؛ والأمثلة أدناه ستلقي بعض الضوء على هذه الأساليب وكيف تم توظيفها في العدوان على فلسطين:
1- الاختيار الرغبوي للأخبار التي يجري بثها: ويتم تسويق هذه القصص المختارة رغبويا وحسب أجندة هذا الإعلام على أساس أنها هادفة وتحكي الحكاية كلها وتغطي كل معطيات ما يجري. كمثال على هذا اللون من حجب الحقيقة؛ يركز إعلام التضليل على قصص القصاص من مجرمي الشوارع من مسلحي الانفلات الأمني و”الخمسة بلدي”؛ ويروي مشهد قتلهم في معركة أو القبض عليهم كأنه الحكاية من أولها؛ مع أن هذا المشهد لا يعدو أن يكون إلا المشهد الأخير من حرب ضروس قام فيها المجرم بتشكيل مربعه الأمني الخاص؛ والذي سام فيه الناس سوء العذاب؛ وقاد منه حملة عصيان أمني مسلح كلف أبرياء كثرا إصابات مباشرة في دمائهم وأموالهم.
2- اعتماد الحقائق الجزئية : هنا يتم وضع الحقائق المنتزعة من سياقها التاريخي أو من سلسلة من الأحداث واستغلالها للنيل من الخصم. وكمثال على هذا يعمد إعلام التفريط للكذب السافر على حماس والمقاومة؛ ولا يتورع عن اتباع سياسة “ما قال ربك ويل للألى كفروا * * * ولكن قال ويل للمصلينا”؛ كما حصل مع نسبة سب الذات الإلهية لرئيس الحكومة إسماعيل هنية؛ رغم أنه لم يكن ينطق النص إلا على لسان صاحب المقولة – عزام الأحمد – وفي إطار مساءلة قيادي آخر من حماس على تقصيره في الاحتجاج علنا على هذه الكبيرة؛ حين تفوه بها الأحمد على الهواء مباشرة؛ وفي لقاء تلفزيوني جمعهما.
3- تكرار عرض الدوافع والمحفزات الباعثة على الأجندة المشبوهة: هذه مدرسة “غوبلز” في التبرير؛ والتي بموجبها يتم إعادة شحن عقل المتلقي بالمبررات حتى يفعل غسيل الأدمغة فيه مفعوله. وكمثال على غبلزة إعلام الخراصين؛ فإن كل خبر في مواقعها الإخبارية يتناول شيئا يمت للوزير السابق سعيد صيام أو لوزارة الداخلية بصلة – كل خبر منها عادة ما يختم بلازمة تشكل أحيانا ثلثي الخبر؛ وتتحدث عن استذكار إنشاء القوة التنفيذية كجهاز دموي وحشي قتل الأبرياء! ويشبه هذا الأسلوب في غسيل الأدمغة ما فعله إعلام فتح بخصوص تكرار قصة الحديث عن الخبز والأرغفة والجوع؛ والتي كانت مادة يومية للبكاء والصراخ أيام كانت حماس تحكم وحدها؛ ثم غابت هذه القصة الآن بقدرة قادر؛ حين صارت فتح تتحمل مع حماس مسؤولية فك الحصار عن فلسطين بعد أن أصبحت جزءاً من الحكومة – على اعتبار أنه كان من حقها أن تجلس على مقاعد المتفرجين قبل ذلك بل أن تشجع الفريق الخصم في كثير من الأحيان!
4- تقليص المرجعيات والخبراء المعتمدين في إبداء الرأي: تعتمد وسائل الإعلام المنحازة مصادر الأخبار التي تعمل هي في صفها ومن أجلها كمصادر موثوقة على الإطلاق؛ وتتعامل معها كمصدر للحقيقة؛ ولا تستضيف عادة أياً من مرجعيات الرأي الآخر أو الخصم. إعلام فتح ينفذ هذه السياسة بحذافيرها؛ ولذلك نجد أنه كثيرا ما يعتمد الأخبار من الصحف الإسرائيلية عن الانشقاقات المزعومة في حماس؛ أو يعتمد أباطيل ناطقي فتح، وحين يكون هؤلاء الناطقون هم المصدر المطلق والوحيد للحقيقة فلا شك أن متصفح مواقع فتح الإخبارية لن يسمع بمخازي التنظيم في الضفة؛ وجرائمهم ضد مؤسسات حماس وأفرادها؛ وسيصدق – هو المسؤول على أية حال إن كان يعيش في كوكب إعلام فتح – أن أجهزة أمن المخربين في الضفة ليست قفازاً لإسرائيل؛ ولا مخلب قط في خدمة حربها على حماس والمقاومة؛ وان الضفة تنعم بوجودهم بأزهى عصور التعددية!
ويلجأ إعلام التفريط لتبني روايات كتاب “الأنظمة” وكتاب المشروع الأمريكي في العالم العربي من الماء للماء. لذلك يمكن أن نرى فقط كتابات عبدالرحمن الراشد وأحمد الجار الله وأحمد الربعي وعلي سالم وأشياعهم في مثل هذه الصحف والمواقع؛ ولا يمكن أن نجد أي تأصيل لموقف حماس من الخونة؛ أو شرحا لوجهة نظرها في النزاع؛ كما قد يكتب مثلا كل من فهمي هويدي أو منير شفيق أو بلال الحسن أو ياسر زعاترة أو غيرهم من الإسلاميين أو الليبراليين الوطنيين.
5- حبس الخصم في محور الشر: ويعني هذا ببساطة فرض إطار قاتم على الخصم يضعه في صورة السيئ والشرير والفاشل في كل شيء وكل مجال. من هنا تحدث إعلام فتح عن تفوقها في العلاقات الدولية وتعامل مع الأمر كمسلمة؛ مع أن حصاد السياسة الدولية الفلسطينية في سني سطوة منظمة التحرير وسلطة أوسلو الفتحاوية كان مرا للغاية ومصنوعا من الفشل المركز في كل شيء؛ من كبريات المسائل على صعيد التفريط في الثوابت؛ إلى الفشل في البديهيات على مستوى الوقوع في أخطاء قاتلة بخصوص المبالغة في عناق ومصافحة الصهاينة؛ مرورا بكتابة اتفافيات خرقاء وحمالة أوجه تفسر دائما لصالح الصهاينة.
الأمر نفسه كان يتعلق برؤية فتح لعمل وأداء نواب حماس في التشريعي؛ فإعلام فتح استطاع أن يقفز بكل خفة عن حقيقة نظافة وطهارة هؤلاء النواب الذين ينزل أربعون منهم الآن أو نحو ذلك في سجون العدو؛ وركز على ما سماه ضعف الثقافة التشريعية لنواب حماس؛ وكأن المجلس التشريعي للسلطة في عهد التفرد الفتحاوي كان خلية نحل من التشريع وإصدار القوانين؛ في عهد سلطة حققت معدلات فساد خارقة للعادة جعلتنا أسفل القائمة من ناحية الشفافية وبراءة الذمة – وهما روح القانون ومعناه – ورمتنا خلف ليبيا القذافي بلجانها الثورية ونظامها الكاريكاتيوري؛ وحسب ما جاء في دراسة منظمة الشفافية الدولية!
6- تضييق حلقة النقاش والمناظرة: وهنا يعمد الإعلام الكذاب لحصر النقاش في جزئيات بعينها وقطعها من الإطار المحيط وجملة الأحداث المصاحبة مكانيا وزمانيا؛ ويفرض على المتناظرين الاقتصار على جزء من الكل الأكبر لتسهيل تمرير المزالق والمغالطات والهوى. وكمثال على هذه الحالة؛ عمد إعلام فتح للتركيز على نزول مسلحي حماس لتأديب برابرة الانفلات الأمني دون أن يشرح كيف ولماذا وصلنا لتلك الحالة. كذلك وجه الإعلام الفتحاوي الجمهور للتركيز على الحصار وعجز حماس عن إدخال الأموال؛ دون التطرق للسبب النبيل الذي وصلت بسببه حماس لهذه النهاية؛ ودون التطرق لدور بعض قادة فتح في فرض الحصار على حماس ومساعدة إسرائيل والحكومات العربية وأمريكا في الشغب على حكومة حماس الأولى.
في اللقاء القادم سنقوم بإلقاء المزيد من الضوء على التكتيكات أعلاه؛ واستعراض المزيد من طريقة إعلام المساومة في الكذب على الله والناس؛ ونرجو أن يكون هذا عونا للمقاومة وحزبها وحزب الثوابت الفلسطينية في فهم دور الإعلام المحلي المعادي لهم؛ والتصدي لكل الخراصين الذين هم في غمرة ساهون…
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

قوات الاحتلال تواصل تصعيدها الميداني في مخيمي طولكرم ونور شمس
طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ 104 على التوالي، ولليوم الـ 91 على مخيم...

إصابة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدروع في حي الشجاعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بإصابة عدد من جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة نيران المقاومة الفلسطينية. وقال...

جامعة كولومبيا تعلّق دراسة 65 طالبا احجوا ضد الإبادة في غزة
واشنطن - المركز الفسطيني للإعلام علقت جامعة كولومبيا دراسة 65 طالبا من "مؤيدي فلسطين" لمشاركتهم في احتجاج داخل المكتبة الرئيسية للجامعة يوم الأربعاء...

باكستان تطلق عملية “البنيان المرصوص” ضد الهند
إسلام أباد - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت باكستان فجر اليوم السبت، عملية عسكرية مضادة للهجمات العدوانية الهندية على أراضيها ومنشآتها العسكرية تحت...

لجنة أممية تحذر من خطر المجاعة والمرض على الفئات الهشة بغزة
جنيف - المركز الفلسطيني للإعلام قالت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري إن نفاد الغذاء في قطاع غزة، إلى جانب الدمار الواسع...

إصابتان برصاص الاحتلال وهجمات للمستوطنين في الضفة
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شاب فلسطيني برصاص الاحتلال في بلدة تقوع جنوب شرق بيت لحم، فجر السبت، في الضفة الغربية المحتلة، إثر اقتحام...

“الجهاد الإسلامي” تنعى القائد بسرايا القدس الشهيد نور البيطاوي
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام نعت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الشهيد نور عبد الكريم البيطاوي، القائد في "كتيبة جنين" التابعة لسرايا القدس،...