السبت 10/مايو/2025

هرم زوجة القيصر

أسامة العربي

اضطرت زوجة العزيز التي راودت يوسف عن نفسها إلى النزوع إلى المكائد لإشراك نسوة المدينة في الشبهة التي بدت تلوكها ألسنتهن لتحافظ على مستوى ريادتها في المجتمع ، فزوجة العزيز علمت أنها لا بد وان تكون فوق الشبهات أو تغمس الجميع بهذه الشبهات حتى تستحق هذه الريادة ، و الإمبراطورية الأمريكية تسعى للريادة وفق منطق زوجة العزيز فهي تريد للجميع إما الانغماس بالشبهات أو الريادة بقوة بسطار اليانكي الامريكي ، منطق العنجهية الذي لم يفارق السياسة الامريكية منذ البدايات الاولى لقيامها ، فلم تسع الولايات المتحدة للأمم المتحدة الا لدمار البشرية او تحقيقا لمصلحتها الذاتية بعدم اكتراث للأعراف الدولية أو المؤسسات الدولية وبعيدا عن أي قيمة اخلاقية تتوجها لتكون عامل جذب للأمم والشعوب الأخرى، واكثر مثال يمكن للمرء أن يسوقه تشريع الحروب الاستباقية والقيام بهذه الحروب تحت حجج واهية كما هو حال العراق والذي ترفض امريكا تصنيفه كبلد محتل !!

رغم مساحيق التجميل التي تحاول القيادة الامريكية أن تزين بها توجهاتها ، كإشاعة تحول العالم الى الافضل بهذه القيادة ، تبقى الوقائع على الارض المرآة التي تفضح هذا الوجه القبيح ، فلقد نادت امريكا بقيم الحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها ، وعندما تعارضت هذه القيم مع مصلحة النازي الصهيوني ربيب الولايات المتحدة ضربت بالقيم عرض الحائط ، ونادت بالديمقراطية ومع فوز حماس بانتخابات حرة نزه تخلت عن مطالبتها للأنظمة بالديمقراطية ، وهكذا بقيت القيم في آخر سجل الولايات المتحدة تستدعيها وتنفيها للمصلحة الذاتية ، ولم تعلم أمريكا أنها بإصرارها على ريادة العالم وهي الغارقة في مستنقع الرذيلة الى مفرق الرأس قد أضافت إلى سجلها المتخم بمخالفة المفاهيم البشرية مخالفة سحقت معها نفسها وتسحق معها المجتمعات الأخرى.

لقد استطاعت الولايات المتحدة بناء قوة رهيبة ، ولكن اصرارها على ريادة العالم والتفرد بفرض هذه الزعامة بقوة السلاح بدون امتلاكها لمقومات هذه الريادة ، هوى بزوجة القيصر الى ارذل العمر وظهرت علامات هذا الى الهرم السياسي والحضاري وتكثفت غزارة المشيب مع تولي جورج بوش الابن قيادة الولايات المتحدة ، وبدأت علاماته جلية في عدة مواقف ومنها .

* قيادة العالم وفق تخاريف فاقدة لكل المعايير اتضحت معها النزعة الامبريالية الامبراطورية التي تقطر عنصرية مقيتة ، فلقد وضع بوش العالم على كف عفريت كما يقال ، فقيادة العالم اصبحت تحت رحمة رؤى بوش وزيارة شياطينه له وقت الفجر ، والأنكى التفسير المنسوب الى الله في هذه الرؤى وما تبع هذه الرؤى من استحقاقات فرضها على العالم دما وأشلاء، فالعراق تم غزوه بناءً على اوامر من الله لبوش لينقل الحضارة لهذا البلد ، ومع هذه الاوامر اضحت دماء الاخوة من اجل حياة الاخوة ، منطق العاجزين عن تبرير اقتراف الشرور والاثام في هذا العالم !!

** دولي قيادي وعسكري ، أما القيادي فهو المتمثل بتصدع التحالف الذي سعت اليه الادارة الامريكية ليكون الجميع في فلك الادارة الامريكية وارتفاع مستوى الريبة بين شعوب الارض لكل خطوة تقدم عليها الولايات المتحدة ، اما العسكري فيتمثل بهذه المهمة التي بدأها بوش ولا يوجد لها نهاية ، كونها مهمة تعيد انتاج اسباب بداياتها ، فالحرب على الارهاب والذي اتخذه بوش عنوانا لهذه المهمة قسم معه العالم الى مع وضد ،الى اخيار واشرار ، وكل من يجرؤ على الانتقاد فهو في خانة الضد ،ومن يسعى الى وضع تعريف لهذا الارهاب وقع في جحيم هذا الضد الذي لا يبقي ولا يذر، تقسيم اصبح النقد الصهيوني لذاته يفوق اضعافا مضاعفة ما تجرؤ عليه ضحايا نازية الكيان الصهيوني ، تقسيم وفر الحاضنة المثلى لإنتاج ما سماه بوش الإرهاب ، فالإرهاب رآه وصنفه بوش على انه عدوا قائما بذاته وبدأ بمطاردته على هذا الأساس ، أو أراده كذلك لتحقيق مخططات ، وهو في حقيقته تعبير ونتيجة لجأت اليها مجموعات كثيرة على مدى التاريخ البشري بعد انسداد السبل في وجهها ، تقسيم طال حركات التحرر من الاحتلال ونال من قيم البشرية ومن قيم كانت تعد فخراً للأمريكي الذي تحرر من بريطانيا بقوة السلاح ، وكنتيجة طبيعية لخلل الرؤيا سقط في وحل مطاردة الاشباح التي لا تنتهي ولا يمكن احراز اي تقدم او نصر عليها وباتت الهزيمة قاب قوسين او ادنى من رأس بوش وترانيمه الشيطانية ، وستبقى إرادة الشعوب الأقوى من تصنيف بوش وادارته في البيت الابيض .

*** المؤشر الآخر وهو الداخلي والتي تمثلت بانتقاص قيمة الحرية الفردية التي كانت الأساس في بناء المجتمع الامريكي والتي قامت عليها تفاصيل الحياة في ذلك المجتمع ، ومع تولي المحافظين الجدد لإدارة البيت الأبيض وصلت قيم التكافل الاجتماعي على قلتها والتي افرزها النظام الذي قام عليه المجتمع وصلت الى الحضيض فباتت كل مجموعة تقيم علاقاتها بمعزل عن المجموعات الاخرى وتسن قوانينها وفق ما تراه مناسبا لهذا التجمع ، وانتشر النزوع الى غرائب الاطباع في المجتمع ،وبات مطلب الادراة تعميم هذه الغرائب على المجتمعات ، فزواج المثل والزنى والتحرر من كل فضيلة بشرية اصبح علامة فارقة في تصنيف الادارة الامريكية نحو التقدم والتطور .

** التطبيق الانتقائي للقانون الدولي وهو ما بات يعرف بسياسة الكيل بمكيالين وتسخير القانون الدولي بدون اي اعتبارات ليخدم المصلحة الامريكية ، ولعل هذا العامل الاكثر تأثيرا في الوقوف بوجه المساعي الامريكية والتي تنفق عليها الملايين من اجل تحسين صورتها امام شعوب العالم والنتيجة الدوران كما يدور الثور في الرحى بلا اي طائل .

والمؤشر الآخر وهو الاخلاقي ولقد احاطت به كل الرؤى من كل جوانبه

لعل كل ما سبق ينطبق عليه وصف حالة قائمة ولكن الأهم ما هو مطلوب منا في ظل هذا الهرم السياسي والحضاري ليكون لنا فعل مؤثر في حركة التاريخ ؟

لا بد من التخلص والتحرر من قيود التبعية فما زالت الانظمة العربية تستجيب لاملاءات الخارج اكثر من استجابتها لمتطلبات الداخل ،بل لا تقيم للمطالب الداخلية اي وزن، فتراها تنكص على عقبيها تجاه هذا الداخل اذا خفت لسبب او لآخر وذلك في سبيل بقاء النظام حتى وان قام على انتهاك حقوق المجتمع بالكامل ، وخير مثال على ذلك ما جرى في مصر في الفترة الأخيرة من تعديل للدستور والإصرار على هذا التعديل برغم الرفض الشعبي والذي تمثل بمقاطعة الاستفتاء على التعديلات الدستورية حتى لجأت الحكومة الى التزوير في سبيل تمرير هذه التعديلات المخالفة للارادة الشعبية وللمصالح الوطنية والقومية ، وما زال تعديل برامج التربية للأطفال والمدارس يتم وفق الإرادة الأمريكية .

البناء الفردي والبناء الاجتماعي والذي يقوم على أسس تستلهم من روح ديننا وثقافتنا ما يؤسس لإنسان فاعل مع محيطه بلا جحود ولا انغلاق فكري ينقطع به إشعاع هذا الدين عن المحيط ، إنسان يسبق فيه الاستجابة لنداء الواجبات قبل نداء الحقوق ، وبناء اجتماعي قادر ان يكون نموذجا جاذب للكيانات الأخرى يؤسس لتقديم الخير للبشرية .
كل المؤشرات للأسف تدل على أننا لم نسع لاستغلال الإنهاك الأمريكي في تنمية الذات وتنمية وتفعيل إمكانياتنا ،وقد يقول قائل ما زال الوقت مبكرا لمثل هذا الطرح ،لكن يبقى وضع الاستراتيجية يحدد المعالم الخاصة والفارقة بالمجتمع ويسعى الى إبرازها بكل السبل ،ويبقى وضع الاستراتيجية يدفع بالتطور للوصول الى منتهاه .

زوجة القيصر قد هرمت ووصلت إلى أرذل العمر فهل نستعد لبناء ذواتنا وبناء مجتمعاتنا بعيدا عن خرفها ام سيبقى شعارنا شفيت على عرج وما من شفاء فيها !!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات