السبت 10/مايو/2025

القمة العربية في الميزان

عمر نجيب

اختتمت القمة العربية في الرياض اشغالها يوم الخميس بتبني بيان ختامي تناول كل القضايا الأساسية التي تواجه الأمة العربية انطلاقا أساسا من قضية الشعب الفلسطيني والأراضي السورية المحتلة من طرف الصهاينة ومأساة العراق والصومال والأزمة اللبنانية والتحديات التي تواجه السودان مرورا بقضايا الأمن العربي والتكامل الإقتصادي والتعامل مع القضايا الدولية الى غير ذلك.

الأقطار العربية صادقت بالاجماع على قرار اعادة تفعيل مبادرة السلام العربية التي سبق أن صادقت عليها من قبل خلال القمة العربية ببيروت سنة 2002 “بكافة عناصرها” والمستندة الى قرارات الشرعية الدولية ومبادئها لإنهاء النزاع العربي الاسرائيلي واقامة السلام الشامل والعادل الذي يحقق الأمن لجميع دول المنطقة ويمكن الشعب الفلسطيني من اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف”، وذلك عبر اتصالات ستقوم بها فرق عمل خاصة على كل المستويات.

بالنسبة لعدد كبير من المراقبين يؤكد هذا القرار أن القمة لم ترضخ على الأقل علنا لضغوط الولايات المتحدة التي طالبت بتعديل فصلبن رئيسيين وهما، التوصل الى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي ينص على حق عودة هؤلاء الى مواطنهم الأصلية بفلسطين وليس الى الدولة الفلسطينية المستقلة كما تريد تل ابيب. والفصل الثاني وهو قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية، في حين أن التحالف الصهيوأمريكي لا يقبل مثل هذا الانسحاب ويريد تعديل الحدود القادمة وعدم التخلي عن السيادة السياسية الصهيونية على القدس.

نفس المراقبين يشيرون إلى أن فرق العمل المنصوص عليها في قرارات القمة يمكن أن تشكل ممرا لحلول وسط أو المرونة التي دعت إليها وزيرة الخارجية الأمريكية رايس وهنا يكمن خطر في فحوى المبادرة.

وقد صرح وحيد عبد المجيد نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بمؤسسة الأهرام المصرية ان قرار “تفعيل” المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل سيقود إلى مسارين حرصت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس على رسم ملامحهما أثناء جولتها للشرق الأوسط التي سبقت القمة العربية بأيام قليلة: الأول “تعديل” المبادرة بما يخفض سقف الحقوق العربية، والثاني: توسيع دائرة التطبيع العربي مع إسرائيل لتدخل فيها السعودية لأول مرة، وأكد ان المسارين لا ثالث لهما وكلاهما يصب في مصلحة إسرائيل على حساب الحقوق العربية.

وأضاف “المسار الأول: الذهاب إلى مجلس الأمن لتسويق المبادرة دوليا، على أمل أن يصدر قرار من المجلس بشأنها، ومعروف أن قرارات مجلس الأمن تخضع عادة للمساومات، لأن قراراته عادة تصدر بالتوافق بين القوى الكبرى، وفي هذه الحالة ربما تضيع قضايا محورية في المبادرة مثل حق عودة اللاجئين من الجانب العربي الذي سيجد نفسه مدفوعا للدخول في التطبيع قبل أن تتم عملية التسوية التي قامت على أساسها المبادرة العربية في الأساس.

أما المسار الثاني، حسب عبد المجيد، فيقوم على أساس دعوة روجت لها رايس خلال زياراتها ولقاءاتها مع المسؤولين العرب، حيث طرحت فكرة عقد مؤتمر “العشرة” أو (4+2+4) الذي يضم الرباعية الدولية وهي الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والرباعية العربية وتضم السعودية والإمارات ومصر والأردن بجانب كل من إسرائيل وفلسطين لبحث سبل تفعيل عملية السلام.

وأشار إلى أن “الهدف الأمريكي المعلن لهذا المؤتمر هو توفير دعم عربي للمفاوضات غير تلك القائمة عمليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن الهدف الخفي هو تحقيق حلم إسرائيل ودون أي تنازلات عملية في التطبيع مع السعودية بالتحديد حيث سيجلس خلال هذا المؤتمر السعوديون مع الإسرائيليين لأول مرة على طاولة التفاوض”.

ويتوقع أن تعمد إسرائيل من خلال هذا الإطار التفاوضي لتمييع القضايا من خلال الحديث حول قضايا كانت أثيرت في الماضي في أعقاب مؤتمر مدريد للسلام عام 1992 مثل الأمن الإقليمي والتعاون الأمني وتقسيم المياه وحماية البيئة وغيرها من الملفات ليجد العرب أنفسهم في النهاية ينزلقون في فخ التطبيع مع إسرائيل تدريجيا دون مقابل.

من جانبه يرى محمد جمعة الباحث المعني بالشأن الفلسطيني أنه “في ضوء التحركات الدبلوماسية المكثفة لرايس في المنطقة قبيل القمة وما سربته وسائل الإعلام عن مطالبها من القمة وفي ضوء حالة الغزل الإسرائيلي المفاجئة للمبادرة العربية المطروحة منذ خمسة أعوام، فإن قرار القمة بتفعيل المبادرة كان متوقعا”. وإنه لما لم يكن بوسع القادة والزعماء العرب الحديث صراحة عن تعديل أو تغيير المبادرة امتثالا للرغبة الإسرائيلية والأمريكية المحمومة، فقد جرى اعتماد السيناريو الأكثر واقعية والمتمثل في السعي لتعديل المبادرة ولكن تحت لافتة التفعيل”.

وبالتالي يجري الحديث عن تمسك القادة العرب بالمبادرة كما هي، مع التأكيد على ضرورة تفعيلها من خلال اللجوء إلى المنظمة الدولية أو مجلس الأمن لاستصدار قرار دولي يكون محله المبادرة العربية، وسيركز هذا القرار كالعادة على جوانب دون أخرى أو سيتوجه إلى الجانب العربي والفلسطيني بمطالب والتزامات محددة مع صيغ ملتبسة وقابلة للتأويل يساوم بها الجانب الإسرائيلي.

ويذكر انه سبق أن أشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى خطة أمريكية للسلام تعتمد على معادلة “العشرة” أي الرباعية العربية والطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إضافة إلى الرباعية الدولية، حيث تسعى رايس إلى عقد اجتماع بين تلك الأطراف في الأسابيع القادمة على أساس البحث في دفع عملية السلام على أساس المبادرة العربية وهنا يمكن أن يكون هناك دور محوري للسعودية باعتبارها رئيس القمة العربية.

ويرى جمعة أن “أخطر ما في هذا السيناريو أنه يسحب من جهة أخرى الملف الفلسطيني من أيدي أبنائه بدعوى رفض إسرائيل التعامل مع حكومة الوحدة الفلسطينية، ويهدف من جهة أخرى إلى قطف ثمار السلام قبل بذرها”.

والأهم أيضا، كما يشير جمعة، قطع الطريق على استحقاقات موقف حماس السياسي التي نجحت على الأقل في إعادة مسالة الاعتراف بإسرائيل إلى دائرة الجدل مرة أخرى.

كلام طنان

قمة الرياض تحدثت عن رفع الحصار الغربي عن الشعب الفلسطيني وضرورة تعامل العالم مع حكومة الوحدة الوطنية وتأييدها، ولكن لم يتم وضع ميكانيزمات لفعل لذلك تماما كما حدث سابقا حين قرر وزراء الخارجية العرب كسر الحصار المفروض على حكومة حماس قبل أشهر.

الأمر الذي خرج عن المعتاد في قمة الرياض هو أنه في الجلسة الافتتاحية يوم الأربعاء وجه ملك السعودية الذي تعتبر بلاده من أهم حلفاء واشنطن في المنطقة، انتقادات شديدة الى الولايات المتحدة واصفا وجودها العسكري في العراق بانه “غير مشروع” ومؤكدا ان القوى الخارجية لا يجب ان تقرر مصير المنطقة، وقال “في العراق الحبيب تراق الدماء بين الاخوة في ظل احتلال اجنبي غير مشروع” وان “الطائفية البغيضة تهدد بحرب اهلية في هذا البلد” الغارق في العنف. واعتبر العاهل السعودي ان القوى الخارجية لا يجب ان ترسم مستقبل الدول العربية في اشارة الى الولايات المتحدة، القوة العظمى في العالم والتي تتمتع بنفوذ سياسي وعسكري كبير في الشرق الاوسط، وأضاف الملك عبدالله “اول خطوة في طريق الخلاص هي ان نستعيد الثقة في أنفسنا وفي بعضنا البعض فإذا عادت الثقة عادت معها المصداقية واذا عادت المصداقية هبت رياح الامل على الأمة”، “عندها لن نسمح لقوى من خارج المنطقة ان ترسم مستقبل المنطقة ولن يرفع علم على ارض العرب سوى علم العروبة”.

كما كان من غير المعتاد أن ملك السعودية وجه نقدا ذاتيا إلى ساسة الأمة حيث قال إن اللوم يقع علينا نحن قادة الأمة العربية، وهذا جعل الأمة تفقد الأمل في مصداقيتنا والأمل في يومها وغدها”. ودعا العرب إلى “بداية جديدة، ومسيرة لا تتوقف، إلا وقد حققت الأمة أهدافها في الوحدة والرخاء”.

قمة مثل سابقاتها

خارج هذا الموقف وما سبق عن المبادرة العربية لم تتميز قمة الرياض عن سابقاتها بالكثير، حيث وزعت قرارت التأييد والمساندة، فلم يتمكن العرب المجتمعون من ايجاد قاعدة لحل عملي للخلاف اللبناني الداخلي، وفيما يخص السودان لم تلب مطالب الخرطوم والتي تتمثل فى دعم الموقف السوداني ضد الهجمة الأمريكية وتهديدات الأمم المتحدة بإرسال قوات أممية، ودعم قوات الإتحاد الأفريقي بجانب المساهمة فى دعم الإعمار والتنمية والتحول الديمقراطي. ويذكر ان الدول العربية لم تف بالتزامات سابقة لتمويل القوات الأفريقية لقطع الطريق على التدخل الأجنبي.

بخصوص العراق ورغم اعتراف رئيس القمة بأن البلد يرزح تحت الاحتلال جاءت القرارات في إطارها اللفظي المعتاد لتؤيد وحدة اراضي العراق وعروبته وإسلامه وتصالحه الوطني ولكنها لم تعترف لا بشرعية مقاومته ولا بضرورة انسحاب القوات الأجنبية منه، ويذكر ان القمة رفضت اقتراحات لحضور ممثلين عن المقاومة العراقية كما ردت طلبا لحارث الضاري رئيس هيئة العلماء المسلمين في العراق للحضور.

في الصومال تعاملت القمة مع المأساة الجديدة بالحديث مع الحكومة المؤقتة وممثليها الذين دخلوا مقديشيو على متن دبابات الغزاة الأثيوبيين المدعومين من طرف الولايات المتحدة، وتجاهلت القمة المحاكم الشرعية التي أعادت الاستقرار الى 80 في المائة من الصومال بعد 15 سنة من الفوضى قبل ان يعيد الجيش الأثيوبي الوضع الى نقطة الصفر.

واشنطن تعاتب

واشنطن رفضت وصف ملك السعودية الوجود الأميركي في العراق بـ”الاحتلال غير المشروع”. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي غوردون غوندرو في مؤتمر صحفي بواشنطن، إن “الولايات المتحدة موجودة في العراق بناء على طلب العراقيين وبتكليف من الأمم المتحدة، ومن الخطأ افتراض العكس”.

كما أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية توم كايسي أن بلاده ستغادر العراق “عندما يصبح العراقيون قادرين على ضمان أمنهم بأنفسهم”. وأضاف في مؤتمر صحفي “ليس ثمة شك في أذهاننا، قواتنا هناك في شكل قانوني وشرعي بكل ما تعنيه هاتان الكلمتان”.

وأكد كايسي أن تصريحات الملك عبد الله لن تؤثر في العلاقات الأمريكية السعودية، وأعرب عن ثقته في أن الفرصة ستسنح لمناقشة الموضوع مع المسؤولين السعوديين وأشار الى أن وزير خارجية السعودية أيد قبل مدة قصيرة وخلال لقائه مع وزيرة الخارجية الأمريكية رايس خطة الرئيس بوش العسكرية في العراق.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات