الجمعة 09/مايو/2025

المؤرخون الجدد وحركة ما بعد الصهيونية

المؤرخون الجدد وحركة ما بعد الصهيونية

صحيفة الاتحاد الإماراتية

لاحظ أحد المؤلفين الإسرائيليين تدني الوعي السياسي لدى الجيش الإسرائيلي بخصوص تساؤلات محورية لا يمكن له أن يظل يقاتل لأمد طويل دون الإجابة عليها، ومن أبرزها: ما هي قيمة الشعب اليهودي؟ وما هي المساهمة التي يستطيع تقديمها للجنس البشري؟ وما هي الفائدة التي تعود على من يشارك في النضال اليهودي؟ وقد تيقن المؤلف من جهل الإسرائيليين الفاضح -حتى بالنسبة للمتعلمين منهم- بجذور ما أسماه التاريخ اليهودي، وعدم تشربهم لروح الشريعة اليهودية بحيث أصبح بعضهم يرى في نفسه (مجرد إنسان) ويستاء ممن يصفه بأنه (يهودي)، علاوة على ما يسمى الدولة ما بعد اليهودية post-Jewish state .

ويرى الكاتب أن السنوات العشرين الأخيرة، والفترة ما بعد أوسلو عام 1993 بالذات، شهدت تراجعاً للأيديولوجية الصهيونية، فظهرت ما بعد الصهيونية تعبيراً عن هذا التراجع، وعن الإحساس بفشل المشروع الصهيوني، وانحسار الأيديولوجية الصهيونية (أساس الشرعية الصهيونية).

وقد قام دعاة ما بعد الصهيونية بمراجعة المقولات الصهيونية الرئيسية وانتقادها، ومحاولة “نزع القداسة” عن كل أو بعض المقدَّسات الصهيونية. فوجَّه حملة خطاب ما بعد الصهيونية النقد لبعض الأفكار السائدة مثل “جمع المنفيين” (أي تجميع كل يهود العالم في الدولة الصهيونية وطن اليهود القومي المزعوم)، والطبيعة العسكرية للمجتمع الإسرائيلي ونزعته التوسعية، وشعار “الأمن فوق كل اعتبار”. بل تناول بعضهم بالنقد الأيقونة الصهيونية والغربية الكبرى، أي الهولوكوست!

وقد قام الأثريون الجدد بمراجعة الرواية الصهيونية لحرب 1948، ومن بينهم “يسرائيل فنكلشتاين”، رئيس المعهد الأركيولوجي في جامعة تل أبيب، الذي يقول في معرض نقده للأساطير التوراتية (أساس شرعية الصهيونية) في كتابه The Bible Unearthed الصادر في عام 2001: “في القرن العاشر قبل الميلاد، كانت أورشليم على حالة متواضعة. حيث لم يزد فيها عدد القرى عن عشرين قرية صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن بضعة آلاف نسمة غالبيتهم من الرعاة المرتحلين”.

“ومن هنا، فإن الاحتمال ضعيف جداً في أن تكون قرية أورشليم الصغيرة هذه ومن ورائها إقليم “يهوذا”، الخالي تقريباً من السكان، قد صارت مركزاً لإمبراطورية امتدت من البحر الأحمر جنوباً إلى العمق السوري في الشمال”.

وينطلق هذا الباحث إلى نقطة متقدمة، حين يصرّح لصحيفة “نيويورك تايمز”: “استناداً إلى فهمي، ليس هناك أي دليل على الإطلاق يثبت وجود مملكة موحدة عظمى حكمت من القدس أقاليم ضخمة. إن قدس الملك داود لم تكن أكثر من قرية فقيرة في ذلك الوقت”.

ويبدو أن هذا الطرح جاء كرد غير مباشر على ثنائية الكنيس والثكنة، والتي شهدت اهتماماً من رجال حرب “إسرائيل” بالآثار التي تخص فلسطين، والذين منهم “موشي دايان” والجنرال “إيجال يادين” الذي كان يقول: “البحث عن الآثار بمجراف في يد، وتوراة في اليد الأخرى”. ومن أهم هؤلاء الأثريين الجدد “زئيف هرتزوج” الذي نشر دراسة بيّن فيها أن الأساطير التوراتية، لا أساس لها من الصحة، وأكد “أن التنقيبات الأثرية المكثفة في أرض “إسرائيل” خلال القرن الماضي قد أوصلتنا إلى نتائج محبطة. فكل شيء مختلق، فنحن لم نعثر على شيء يتفق والرواية التوراتية. إن قصص الآباء (إبراهيم –يعقوب –إسحاق) في سفر التكوين هي مجرد أساطير. نحن لم نهبط إلى مصر ولم نخرج بالتالي منها. لم نتهِ في صحراء سيناء. لم ندخل فلسطين بحملة عسكرية واجتياح. إن مملكة داود وسليمان التي توصف في التوراة بأنها دولة عظمى، كانت في أفضل أحوالها مملكة قبلية صغيرة”. ويصل للاعتراف: “إنني أدرك باعتباري واحداً من أبناء الشعب اليهودي وتلميذاً للمدرسة التوراتية، مدى الإحباط الناجم عن الهوة بين آمالنا في إثبات تاريخية التوراة وبين الحقائق الأثرية التي تتكشف على أرض الواقع”.

وقد ظهر “زئيف هرتزوج” معي في برنامج تلفزيوني وحينما سأله المذيع “إذا كانت القصص التوراتية مجرد أساطير لا أساس لها من الصحة، فلماذا أنتم هنا؟”، فكانت إجابته بسيطة: “نحن هنا لأننا هنا”، وهي إجابة قد تعني أن هذا هو الأمر الواقع الذي لا يمكننا تغييره أو أننا هنا، لأن معنا السلاح القوي. ولكنه في كلتا الحالتين يرفض الصهيونية التي تستند إلى الأساطير التوراتية كمصدر للشرعية. وهناك عدد كبير آخر من علماء الآثار الإسرائيليين الذين يرفضون الأساطير التوراتية، من بينهم الباحث الإسرائيلي “مازار”، وهناك كذلك الباحث الإسرائيلي “تاخاي” و”أوسيشكين” و”أمنون بن تور” وغيرهم.

أما علماء الاجتماع النقديون، فقد درسوا حركات الاحتجاج والفئات المضطهدة في المجتمع الإسرائيلي (الفلسطينيون والسود والسفارد والنساء) بحيث طبق بعضهم منظوراً ما بعد كولونيالي على الظواهر الاجتماعية في الدولة الصهيونية. وخرج المؤرخون الجدد على النهج الصهيوني السائد، والذي يقوم على ليِّ عنق التاريخ والواقع من أجل إرساء المزاعم والادعاءات الصهيونية. فرسميو صورة أكثر واقعية تقترب إلى حدٍّ ما من الرواية الفلسطينية لوقائع تلك الحرب، والتي تبيِّن أن المطامع الصهيونية قد تم تحقيقها على حساب السكان الفلسطينيين، وأن العرب أُبعدوا عن طريق الطرد. وقد أظهر المؤرخون الجدد أن العالم العربي لم يكن قوة عسكرية مخيفة، بل كان مفككاً، وجيوشه سيئة التدريب وقدراتها القتالية شديدة التدني. كل هذا يؤدي إلى نزع البطولة عن اليهود. بل لقد بيَّن هؤلاء المؤرخون الجدد أن “إسرائيل” دولة متعنتة، ترفض السلام. وقد اعتمد هؤلاء المؤرخون الجدد المادة الأرشيفية التي رُفعت عنها السرية بعد مرور ثلاثين عاماً.

وموقف المؤرخين الجدد من الصهيونية موقف مُبهم، فهم يدّعون أنهم “صهاينة” رغم طرحهم لقراءة غير صهيونية. ويتضح هذا في حديث “باروخ كميرلنج” (هآرتس 21 أكتوبر 2006) إذ سأله المحرر: “سمعت أنك تنتمي إلى تيار ما بعد الصهيونية، بل ويُقال إنك مُعادٍ للصهيونية، فأجاب إجابة مراوغة تماماً بل ومتناقضة قائلاً إنه: صهيوني باعتبار أنه يعيش في “إسرائيل”، وينتمي إلى الحضارة العبرية. ويستمر “باروخ كميرلنج” في التأرجح، فيضيف أنه على الرغم من ذلك مُعادٍ للنظام الحالي في “إسرائيل” وأنه ضد تعريفات الصهيونية وممارساتها التي أخذت أشكالاً وحشية، ثم يتحفظ على كل هذا قائلاً إن هناك جزراً رائعة من الإنسانية والإبداع داخل الصهيونية. ثم يضيف “كميرلنج” أن ثمة صراعاً سياسياً وحضارياً حول تعريف الصهيونية ومن هو الصهيوني، وأنه وجد نفسه على الجانب المهزوم، ولهذا السبب يُصنف على أنه معادٍ للصهيونية. كل هذا يعني أنه يطرح تعريفاً للصهيونية لا يشاركه الصهاينة فيه، بحيث تفقد كلمة “صهيونية” مضمونها وتفرغ تماماً من معناها، بحيث يمكن أن تشير إلى أي شيء، وكل شيء.

ويرى بعض المعلقين أن أتباع حركة ما بعد الصهيونية، لا يمثلون أقلية الآن حتى في الدوائر الأكاديمية والأدبية الإسرائيلية، وأنهم يهاجمون الدولة اليهودية ذاتها، وأن هجومهم لا يستهدف وجود “إسرائيل” المادي ذاته، بل يستهدف وضعها القانوني والسياسي والأخلاقي كدولة تزعم أنها دولة الشعب اليهودي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...