الحماسان ومتطلبات المرحلة

نظرة حماس الشمولية التي تغوص في عمق أزمة العالم الإسلامي ، جعلت من الحبل السري الذي يربط المجتمع بالأهداف يحتل الأولوية على سلم أجندتها ،فكان الالتصاق بهموم الشعب والفرد استراتيجية تقوم عليها الحركة ، ولأجل هذا الحبل تنازلت حماس عن المناصب ،ورغم النظرة القاصرة التي وضعت حماس موضع الاتهام في تنازلها عن هذه المناصب إلا انها سارت على الطريق بكل ثقة ،وحددت برنامج كامل واضح المعالم محدد الاهداف والخطوات ليمثل مشروع المقاومة في التحرير والتغيير والاصلاح في المجتمع والامة بشكل عام .

النظرة الشمولية هي النظرة المعاكسة لنظرة التلفيق والتجزئة واهم علاماتها الغوغائية في التعاطي مع المجتمع ، وأول ثمارها نفي المقاومة لتقيم في جزر معزولة ،معزولة عن المجتمع ومعزولة عن الانجازات تتسرب منها الانجازات كما يتسرب الماء من الغربال ،وتجعل المقاومة تخبط خبط عشواء تقتل وتفتك وتفرض أعباء إضافية على المجتمع وتكون سبيلا لنفاذ العدو من خلالها لتشكل خدمة له بلا وعي ولا روية .

النقلة النوعية التي أحدثتها رؤية حماس على الساحة العراقية لإخراج هذه الساحة من الدوران في الحلقة المفرغة ما هو إلا ثمرة هذا العمق ، وللإنصاف فقد شهدت الساحة العراقية جهادا استطاع أن يوقف المشاريع الأمريكية تجاه المنطقة العربية برمتها ، ولكن الجهاد هو الديمومة ،والديمومة تتأتى من قيادة المجتمع نحو هدف واضح المعالم وفق وسائل تبني ولا تهدم ، وللأسف فإن الساحة العراقية شهدت وسائل استطاع من خلالها العدو النفاذ لقطع الحبل السري الذي يغذي الجهاد والمجاهدين انه الحبل الذي يربط بين المجتمع والجهاد ، فقد أرهقت هذه الوسائل المجتمع بدون أن يكون هناك هدف محدد واقعي يقتنع فيه الفرد يحفز فيه أقصى طاقة للبذل والعطاء .

النقلة النوعية لا بد وان تستدعي كل الطاقات الفردية والحزبية والجهود الشعبية وحتى الأنظمة الرسمية إن أحسنت التصور والرؤية ، للعناية بمشروع حماس ورؤيتها ليكون مشروع استثمار إسلامي نحو تنمية شاملة ونهضة حضارية لهذه الامة لطالما انتظرتها الملايين بعد الاقامة مطولا على هامش التاريخ وفي جغرافيا متآكلة ومتناقصة ماديا ومعنويا .

ولعل اول هذه الطاقات التي لا بد من الوقوف عليها ابناء حماس ، فالبعض من ابناء حماس ،ولأن برنامج حماس يقوم على الفرد في المجتمع ومهما كان هذا البعض قليلا فبرنامج حماس يقوم على توحيد الطاقات والعناية بها مجتمعة ومتفرقة ، هذا البعض يخلط في الرؤية بين النظرة الشاملة القائمة على التحليل العميق وتلك التي تقوم على الغوغائية وتعتمد التحليل العقيم ،ونتيجة طبيعية لهذا الخلط تقع حماس تحت سياط الجلد من بعض أبنائها نتيجة لنصب موازين تفتقد التصور الصحيح للمنهج وأهدافه ووسائله ، فيغيب العدل في الحكم لعدم توفير عناصر هذا العدل قبل الشروع في المحاكمة .

مشاريع النهضة هي مشاريع الوعي الحضاري أولا ، والوعي هو نقيض السياسة العاطفية والانفعالية ، أو سياسة الفرقعة ، والتي لا تقوى على السير بالمشروع الحضاري قيد أنملة ، فما يفرضه الواقع الأليم الذي تعيشه هذه الأمة يتطلب الانتقال من السياسة العاطفية والجعجعة بلا طحن إلى النضج السياسي والوعي التام بكل ما يحيط بنا ، نقلة تجعل من الفرد سياج يحمي مشروعه الحضاري على دراية وبصيرة ، الانتقال من تأليه الشخص وجاهلية منحه الجنة والنار الى سمو الفكرة والاهداف والوسائل والتي معها تتدفق رحمة رب العالمين (الجنة) ، فهناك فرق بين النظرتين ولا يمكن جمعهما في عقلية واحدة تكون على بينة من أمرها ، فالتعايش السلمي مع مكونات المجتمع واعتماد التغير السلمي لا يمكن أن يتوافق مع تغيير المجتمع بالاضطهاد وقوة السيف، التغيير من الأسفل لا يتلاقى في الوسائل مع التغيير من أعلى ، التغيير من أسفل يحفظ الانجازات ويجمع الطاقات ،والتغيير من أعلى يبدد الانجازات ويبدد الطاقات ،

مشاريع النهضة تقوم على رؤية لا تشوبها الشوائب ، وهي حصيلة فكر يعمل في واقع ، وكما انه لا يمكن إنتاج كائن من تزاوج الدجاج مع الأرانب لا يمكن إنتاج حضارة بتزاوج عمق الرؤية مع الغوغائية ، وما أحوج أبناء حماس لضرورة هضم المنهج الذي تتبناه حماس وطريقة التغيير التي تقوم عليها ، ولا استثني نفسي من ضرورة هذه الوقفة .

اما من الناحية الحزبية فحري بحماس فلسطين وحماس العراق (وسيكون لكل غاصب محتل حماس تكسر شوكته ) تبيان هذا النهج للانتقال بالفرد والمجتمع من السلبية الى الايجابية في التعاطي مع الفكرة ، فكلاهما تعملان وفق برنامج كامل متكامل وهذا كفيل بتوضيح الرؤية لدى الأتباع والمجتمع والتحفيز لنيل الأهداف ، وخلل التصور يبقي الماء عكرا ومحببا لمصطادي الماء العكر .

أما الطاقات الجماهيرية فلا بد من وقوفها موقف المتفاعل مع هذه الرؤية كونها تقوم وفق منظومة المجتمع وعلى أسس هادئة ومتزنة وسلمية وتعطي أفاقاً واسعة نحو نهضة شاملة ، أي أنها ساعية لمواصلة طريق الثورة للوصول إلى ابعد الغايات والأهداف وهذا ما ينشده كل فكر يقدس التضحيات التي قدمتها حماس والأهداف الساعية لها ، فما شهدته الساحة الفلسطينية ينبئ بما لا يدع مجالا للشك انه لا تراخي لدى القيادة في هذه الحركة عن تحقيق كامل الاهداف الساعية لها وفي مقدمتها الانسان.

بقي القول أنه في ظل حاجتنا الماسة للنهضة أصبح واجبا على كل فرد بما يحمله من طاقة ان يحدد موقفه ،وعليه أن يختار طريقا لتوظيف امكانياته وطاقته،وما بين النظرة العميقة وتلك الغوغائية العقيمة مسافة شاسعة ، وبقدر بعد المسافة بقدر أثرها في المجتمع ، وشتان بين تجميع الطاقات وتبديدها ، وتبقى الحماسان وحراكهما الحضاري مشعلاً لكل ذي بصيرة .
ويبقى على الحماسين التنسيق والمناصرة حتى تتحقق الأهداف جميعها فما أحوجنا للوحدة والتوحد في النهج والأهداف