الثلاثاء 24/سبتمبر/2024

سلام بلا ثمن

سلام بلا ثمن

صحيفة النهار اللبنانية

على رغم إعادة العرب بالإجماع، “معتدلين” و”متشددين”، إطلاق المبادرة العربية للسلام، فإن الجواب الإسرائيلي الحقيقي ليس ذلك الوارد على لسان وزيرة الخارجية تسيبي ليفني أو نائب رئيس الوزراء شمعون بيريس اللذين طالبا العرب بالتطبيع أولاً قبل التفاوض، بل الجواب الحقيقي هو الذي قاله رئيس الأركان غابي اشكنازي من أن “إسرائيل” تستعد للحرب المقبلة وهي “ستكسبها حتماً”، وان حرب تموز من العام الماضي لن تتكرر.

إذن مهما بالغ العرب في مد اليد للمفاوضات، بناء على نصيحة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، فإن “إسرائيل” ليست شريكاً مهيئاً للدخول في المفاوضات من موقع الفاقد لقوة الردع، أو من موقع المضطرب سياسياً بسبب حرب تموز وما تلاها من لجان تحقق في الإخفاقات.

باختصار “إسرائيل” تعمل الآن للحرب، ولا تعد نفسها للسلام لأنها لا تعتبر نفسها في موقع المنتصر.

ولقد كان بالغ الدلالة أن تعود رايس أدراجها من جولتها الأخيرة في المنطقة بإعلان هزيل عن معاودة الاتصالات المباشرة بين إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس. فالعرب الذين كانوا ذاهبين إلى القمة ليعيدوا إطلاق مبادرتهم على أمل أن يلقوا جواباً إسرائيلياً مشجعاً، خاب أملهم تماماً. وحتى عندما اعتبروا أن المبادرة ستكون “أساساً” للتفاوض، وهو ما يحمل ضمناً احتمال تعديلها، ولكن خلال التفاوض وليس قبله، جاءهم الرفض الإسرائيلي على لسان شمعون بيريس بأن لا يمكن التفاوض على أساس هذه المبادرة، داعياً العرب إلى التفاوض من غير شروط.

وعلى رغم أن المبادرة العربية أقرت بالإجماع، فإن “إسرائيل” لا تزال تفرق بن عرب “معتدلين” وعرب “متشددين”. وهي تستغرب كيف لا يقبل “المعتدلون” بمد اليد إلى “إسرائيل” لمواجهة ” الخطر الإيراني” المتحالف مع “المتشددين” العرب. وهي تتجاوز بذلك مسألة الصراع مع الفلسطينيين لتطرح محوراً أوسع على مستوى المنطقة يقف في وجه إيران وسوريا و”حزب الله” و”حماس”. من هنا تريد “إسرائيل” تحقيق “الشرق الأوسط الجديد” الذي هي محوره، لتعود القضية الفلسطينية مجرد مسألة إنسانية وليست قضية وطنية.

وإذا افترضنا أن العرب وافقوا على التطبيع والتخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، فهل هذا يضمن لهم أن “إسرائيل” ستنسحب من الضفة الغربية والجولان وما تبقى من الأراضي اللبنانية وتقبل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة؟

لا شيء في “إسرائيل” يشي بالاستعداد لتنفيذ أي جزء من المبادرة العربية باستثناء تلك التي تصب في مصلحتها، أي أنها تريد التطبيع والسلام من العرب في مقابل لا شيء. وإذا كانت الولايات المتحدة هي ضمان العرب في إقناع “إسرائيل” بدفع ثمن في مقابل التطبيع والسلام مع العرب، فإن ذلك غير مضمون أبداً. فرايس لم تجرؤ مثلاً على القول إن واشنطن مستعدة لتكون وسيطاً، أو مستعدة لتقديم أفكار من شأنها المساعدة على إيجاد حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بل قالت عندما سئلت عن ذلك أنها ربما قد تفكر في ذلك في مرحلة من مراحل المفاوضات بين الفلسطينيين و”إسرائيل”.

وما دام الوضع كذلك، فعبثاً يحاول العرب تشكيل وفود للترويج للمبادرة تارة في أوروبا وطوراً لدى اللجنة الرباعية، وكان المطلوب إقناع العالم بها. حتى وإن اقتنع العالم بها فماذا يستطيع أن يفعل إذا استمرت “إسرائيل” في الرفض؟

عام 1991 أتت “إسرائيل” إلى مؤتمر مدريد بضغط مارسه عليها جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر، تعويضاً لمشاركة العرب أميركا في الحرب لطرد القوات العراقية من الكويت. اليوم بعد الاحتلال الأميركي للعراق، يطلب منهم بوش الابن ووزيرة خارجيته رايس مشاركة أميركا في مغامرة جديدة حيال إيران ومن دون ثمن.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات