قمة الرياض وإعادة تفعيل النظام العربي الرسمي

جاءت قمة الرياض بمثابة تدشين لعملية دمج النظام العربي الرسمي في المشاريع والمخططات الأمريكية التي تستهدف منطقتنا وشعوبنا العربية، وذلك من خلال إعادة تدوير بعض أنظمة الحكم التي تعاني من فقدان الصلاحية والشرعية وترميم بعضها الآخر، وكذلك من خلال سحب البساط من تحت أقدام قوى الممانعة والمقاومة التي تتصدى لتلك المشاريع الأمريكية.
تأتي هذه القمة في ظل حالة مزمنة ومتراكمة من خيبة أمل شعبية واسعة، وسخط شعبي عارم على النظام العربي الرسمي المتخاذل تجاه ما تتعرض له شعوبنا من عدوان متصاعد في سياق الهجمة الصهيوصليبية، والمتواطئ مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود هذه الهجمة وتجند حلفاءها والقوى الموالية لها من أجل إنجاح مشاريعها، كما أنها تأتي في ظل حالة يأس شديد من التغيير والإصلاح وتخليص شعوبنا من الأوضاع المزرية وحالة البوار التي تشهدها مجتمعاتنا.
وتتزامن هذه القمة مع حالة التأزم الشديد، والانهيار الوشيك، التي تعاني منها الولايات المتحدة بسبب الفشل الذريع الذي منيت به مشاريعها في العراق وفلسطين ومناطق أخرى من العالم العربي والإسلامي، حيث إن هذا الانهيار وهذه الحالة من التأزم الشديد لها انعكاساتها الخطيرة على الأنظمة العربية الحاكمة وتؤذن بسقوطها بلا رجعة، ولهذا فقد باتت الولايات المتحدة الأمريكية مقتنعة أكثر من ذي قبل بأنها لن تستطيع إنجاز مشاريعها دون مساعدة الأنظمة العربية الموالية لها والتي تعد حليفاً استراتيجيا لواشنطن وراعياً مخلصاً لمصالحها في المنطق.
لقد التقت الرغبة الأمريكية مع حاجة الأنظمة العربية الموالية لها في ضرورة إعادة تفعيل هذه الأنظمة عن طريق خداع شعوبها، والظهور بمظهر التائب إلى ربه والعائد إلى حضن شعبه وأمته، والمتطلع إلى نيل رضا الشعوب المقهورة، والمتظاهر بالحرص على مستقبل الأمة، والساعي إلى تحقيق الحقوق الإنسانية للمواطن، والمتباكي على تمزق الأمة وانحطاطها وضياعها…
لذلك كان لا بد لهذه الأنظمة العربية من تغيير خطابها السياسي وتعديل مواقفها، حتى ولو شكلياً أمام شعوبها؛ لكي تتمكن من طرح نفسها بديلاً عن قوى التغيير والمقاومة والممانعة التي تسعى لتحقيق التغيير الذي تنشده شعوبنا، ولكي تتمكن من إعادة تأهيل نفسها لتنال ثقة المغفلين من أبناء شعوبنا، ويؤكد ذلك التوجه ما تمخضت عنه القمة من قرارات غلب عل مفرداتها الإيحاء بالحرص على المحافظة على الهوية العربية، ومواصلة رسالة الأمة العربية، ومواجهة التحديات الثقافية، والإشارة بخجل إلى استباحة حرمة البلاد العربية، والكثير من العبارات التي تأتي من قبيل استمالة الشعوب ودغدغة عواطفها وذر الرماد في عيونها…
لم يأت إعلان الرياض بأي جديد سوى حقن الجسم الإسلامي المريض والمثقل بالجراح بالمسكنات؛ علها تخفف من السخط الشعبي على الأنظمة العربية الحاكمة وتمد في عمرها وتهيؤها للاضطلاع بالدور الذي أناطته بها الإدارة الأمريكية، وذلك من أجل إنجاح مشاريعها الرامية إلى الهيمنة الكاملة على منطقتنا وإعادة صياغتها لضمان حماية مصالحها ومنع نشوء أي نظام إسلامي يقف في وجه الأطماع الأمريكية ويهدد تلك المصالح.
لقد جاء إعلان الرياض إيذاناً بمنح ما يسمى “محور الاعتدال العربي” دوراً فاعلاً في عملية تسوية القضية الفلسطينية وفق الرؤية الأمريكية، فقد تقرر في قمة الرياض تشكيل لجان منبثقة على جامعة الدول العربية لتسريع عملية التسوية وحل الصراع العربي الصهيوني على ذات الأسس القاضية بالتنازل عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م وجعل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين أمراً قابلاً للتفاوض بين الصهاينة المغتصبين والفلسطينيين أصحاب هذا الحق الشرعي، وكذلك الإذعان لمطالب الأمريكان والاحتلال، الذي سام شعبنا أشد صنوف العذاب ولا يزال يتوعد شعبنا بالمزيد من المجازر والإجرام، بعقد سلام معه ودمجه في منطقتنا.
ماذا يقصد الزعماء العرب الموالين للأمريكان بإعادة تفعيل المبادرة العربية غير تجديد تعهدهم بالتنازل عن فلسطين وحماية كيان الاحتلال الغاصب؟! فلم تكن المبادرة العربية فاعلة في أي يوم من الأيام، ولم يقبلها الاحتلال الصهيوني حينما طرحت لأول مرة عام 2002م وحتى في هذه المرة رغم كل ما فيها من تنازلات؛ لأن الاحتلال يطمع في مزيد من التنازلات من منطلق تغوله وتفوقه عسكرياً على شعوبنا في زمن أصبح “الاستسلام” شعاراً لكثير من الأنظمة العربية.
ومما يؤسف له أن الأنظمة العربية الخانعة ستظل مضطرة باستمرار إلى التأكيد على نهجها الاستسلامي والبرهنة على استعدادها لدمج كيان الاحتلال الصهيوني في المنطقة ومنحه شرعية على حساب القضية الفلسطينية، في وقت لا تكف سيدة هذه الأنظمة والاحتلال الصهيوني عن التنكيل بشعوبنا العربية والإسلامية والمكر بها والكيد ضدها…
إن إصرار النظام العربي الرسمي على التمسك بالاستسلام “خياراً استراتيجياً” في التعامل مع القضية الفلسطينية يسيء إلى هذه الأنظمة ويعجل في انهيارها، ولن يحث هذا الإصرار الاحتلال الصهيوني ورعاته إلا على طلب المزيد من التنازلات المجانية…
لقد أخطأ المؤتمرون في قمة الرياض بظنهم أن التمسك بالمبادرة العربية دون تعديل يمكن أن يخدع الشعوب ويضللها بحقيقة النهج الاستسلامي لهذه الأنظمة… فهذا محض وهم، ولن يلدغ مؤمن من جحر مرتين.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

وثيقة للشاباك تحذر من خطر انتشار السلاح في الأراضي المحتلة عام 48
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام حذّر جهاز الأمن الإسرائيلي العامّ "الشاباك"، من أن النطاق الواسع لانتشار الأسلحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة...

الأونروا: الاحتلال يحرم 550 طالباً في القدس من الوصول إلى مدارسهم
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن سلطات الاحتلال تحرم 550 طالبا من...

قوات الاحتلال تواصل تصعيدها الميداني في مخيمي طولكرم ونور شمس
طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ 104 على التوالي، ولليوم الـ 91 على مخيم...

إصابة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدروع في حي الشجاعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بإصابة عدد من جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة نيران المقاومة الفلسطينية. وقال...

جامعة كولومبيا تعلّق دراسة 65 طالبا احجوا ضد الإبادة في غزة
واشنطن - المركز الفسطيني للإعلام علقت جامعة كولومبيا دراسة 65 طالبا من "مؤيدي فلسطين" لمشاركتهم في احتجاج داخل المكتبة الرئيسية للجامعة يوم الأربعاء...

باكستان تطلق عملية “البنيان المرصوص” ضد الهند
إسلام أباد - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت باكستان فجر اليوم السبت، عملية عسكرية مضادة للهجمات العدوانية الهندية على أراضيها ومنشآتها العسكرية تحت...

لجنة أممية تحذر من خطر المجاعة والمرض على الفئات الهشة بغزة
جنيف - المركز الفلسطيني للإعلام قالت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري إن نفاد الغذاء في قطاع غزة، إلى جانب الدمار الواسع...