السبت 10/مايو/2025

حماس.. إلى أين؟

د. محمد عطية عبد الرحيم

تقف الآن حماس في موقف يثير قلق ومخاوف محبيها الذين أنا واحد منهم وكم أتمنى على الله عز وجل أن يسدد خطاها لما يحب ويرضى وأن يلهم قادتها سلوك الطريق السديد لخدمة الإسلام والوطن لقد قدمت حماس الكثير من التضحيات من شهداء وجرحي ومعتقلين وقدمت قادة صفها الأول وصدقت الأقوال بالأفعال وهذا هو الذي أكسبها احترام الصديق والعدو على حد سواء. ووصلت شعبية حماس إلى أعلى ذروتها عندما انتزعت انتصارا ساحقا في الانتخابات الأخيرة مما مكنها من كسب أغلبية برلمانية ساحقة ومكنها كذلك من تشكيل حكومة بمفردها .

عندما اتخذت حماس قرار الدخول في الانتخابات التشريعية الأخيرة بعد أن رفضت بشدة الدخول في الانتخابات التشريعية الأولى لم يكن هذا القرار حسب تصوري حرا تماما بل شابته    الكثير من الضغوط العربية والدولية والفلسطينية التي لم تترك لحماس مناص سوى الدخول في الانتخابات والاحتكام للعبة الديمقراطية أو مواجهة حرب قاسية جدا تشتت من التفوا حولها وتحطم بنيتها التحتية وتجربة عام (1996) ما زالت ماثلة أمام العيان . وكثر القول لو أن حماس دخلت الانتخابات الأولى لما وصل الحال ما وصل إليه من فساد وتردٍ للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية للشعب الفلسطيني . لقد كانت تجربة حماس وأبنائها وهي خارج النظام السياسي الفلسطيني مرة ومؤلمة. وهذا شكل أحد المبررات التي دفعت بحماس لدخول الانتخابات الأخيرة بجانب الضغوط العربية والإسلامية والأوروبية والأمريكية تحديدا.

لكن السؤال المهم في هذا الشأن هو: لماذا ضغطت أوروبا وأمريكا وحلفاؤها من العرب على حماس لدخول الانتخابات؟.
بكل تأكيد كانوا يعلمون علم اليقين بأن حماس خارج النظام السياسي بأيديولوجيتها الإسلامية ومدها الجماهيري الحاشد وعمقها في المجتمعات العربية والإسلامية أخطر بكثير من دخولها النظام السياسي الفلسطيني حتى لو حصدت فوزا ساحقا. وأنا أظن أنهم لم يتنبؤوا بالنتائج التي أدت إليها الانتخابات وإن كانوا قدروا بأنها ستشكل معارضة قوية ستلتزم مجبرة بالقرارات التي تتخذها الأغلبية البرلمانية التي ستكون لفتح وتحالفها مع فصائل صغيرة أخرى. فحماس خارج النظام السياسي تستطيع أن تقاوم دون تحمل الكثير من الأعباء التي تتطلبها إدارة أحوال الشعب الفلسطيني. وبقيت حماس تمارس هذا الوضع بأريحية تامة فهي ليست مسئولة عن أمن ورفاهية ودفع رواتب للشعب الفلسطيني. وأدرك الغرب وحلفاؤه هذه الحقيقة تماما. لذلك تم الدفع بحماس لدخول الانتخابات لتدخل النظام السياسي الفلسطيني فحماس في الحكومة ستتغير تصرفاتها على أرض الواقع حتما. فلا يمكن لحماس التمسك بالحكومة والمقاومة في آن واحد وأرادت حماس أن تثبت أنها قادرة على المقاومة والحكم في آن واحد. ولكن حتى الآن لا توحي تجربة حماس بالنجاح في هذا الإطار.  وقد مالت حماس للتمسك بالحكم على حساب بعض أيديولوجيتها. ويجب أن نكون صريحين في هذا الإطار لأننا نوجه النصح لمن نحب والتعبير أخذ شكلين هامين:-

 برنامج الحكومة لا يتضمن صراحة على أن الحكومة تسعى لجعل الإسلام المصدر الوحيد للقوانين وهذه ملاحظة أبداها شيخ من شيوخ حماس الأجلاء وأحد مؤسسيها في المجلس التشريعي الفلسطيني وهو الأستاذ/ عبد الفتاح دخان. لقد تعلمنا منذ نعومة أظافرنا بأن حركة الإخوان المسلمين تسعى لإقامة الدولة الإسلامية وعندما فازت حماس بهذه الأغلبية في البرلمان ولم تذكر شيئا عن هذا الموضوع. هل يمكن لحركة إسلامية في أية بقعة من بقاع الأرض أن تنجح نجاح حماس في الانتخابات؟.

تخلت حماس عن المقاومة عمليا وإن ذكرت في برنامج الحكومة بأن المقاومة حق للشعب الفلسطيني فنحن لم نسمع عن عمليات ضد الكيان الصهيوني وهذا ليس عجزا عملياتيا في حماس بل لأسباب سياسية.

لماذا حدثت هذه التغيرات؟.

بالتأكيد لأن الحكومة التي شكلتها حماس واجهت حصارا شرسا من العرب والمسلمين والرئاسة الفلسطينية لم تكن تحلم به حماس. لقد دخلت حماس تجرب الحكم وكلها أمل بأن الشعوب العربية والإسلامية ستساندها ولن يستطيع الحكام العرب مهما انغمسوا في الرذيلة أن يحاصروها هذا الحصار القاتل. وهنا أخطأت حماس في حساباتها؛ فمصر والأردن والسعودية والرئاسة الفلسطينية منعت حماس من الحكم وفرض الأمن فضلا عن تأمين لقمة العيش.

هذا وقد كان أمام حماس خياران إما أن تتنازل عن الحكم وتبقى في البرلمان تراقب أعمال الحكومات الفلسطينية وتترك الحكومة للتكنوقراط وتبقى بذلك على طهارتها وعفتها أو أن تستمر في الحكم وتقدم بعض التنازلات لفتح والرئاسة للوصول إلى برنامج مشترك. حقيقة لقد كان الضغط هائلا جدا ولكن حماس للأسف اختارت الطريق الثاني وهو البقاء في الحكم لخدمة مناصريها. وهي بذلك نقلت عن نفسها انطباعا وإن كنت أظن أنه انطباع خاطئ بأن شهوة الحكم لدى قيادة حماس لا تختلف عنها لدى قيادة فتح. لقد وضعت حماس أمام خيارين لا ثالث لهما إما مواجهة حرب أهلية طاحنة أو تشكيل حكومة وحدة وطنية تتنازل فيها حماس عن بعض مواقفها وكان أن اختارت الخيار الأول.

الآن وقد تشكلت حكومة وحدة وطنية ماذا بقي أمام حماس من خيارات؟.

إن أخوف ما أخاف على حماس منه هو عدم قدرتها على إدارة تجربتها الأولى في الحكم بنجاح والنجاح يعني الجمع بين الحكم المقاومة والتمسك بالنهج الإسلامي. إذا كان الأمر كذلك يمكن لحماس أن تركز بكل قوة وبشكل ينعكس على تصرفاتها على أرض الواقع على الأمور التالية:-

1-  التفريق بين برنامج حكومة الوحدة الوطنية الذي يمثل برنامجاً اجتمعت على خطوطه العريضة والفصائل الفلسطينية وبين برنامج حماس كتنظيم رائد على الساحة الفلسطينية.

2-  أن تواصل أعمال المقاومة المشروعة لتثبت للجميع أنها لم تتخل عن المقاومة من أجل الحكم وتجعل ذلك ممارسة معتادة.

ربما هذا البند الأخير الذي جعل وزير خارجية بلجيكا يقول بأننا لن نحكم على الحكومة من  خلال تشكيلها بل من تصرفاتها على الأرض.

لقد قامت حماس بما قامت به لكي نحظى بقبول دولي وعربي وإسلامي. أما القبول الدولي وهو الأهم فهو في يد أمريكا وجعله العرب كذلك . دول الإتحاد الأوروبي التي تتبنى المواقف الإسرائيلية تماما ولا ترى إلا بعين إسرائيل ووضع الإتحاد الأوربي شروطا للتعامل مع حكومة الوحدة الوطنية من بينها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير ونبذ الإرهاب (أي المقاومة) وهذا الأمر يرجع الكرة إلى ملعب حماس مرة أخرى. فإن لم تستطع حكومة الوحدة الوطنية فك الحصار فماذا ستفعل حماس حينئذ؟.

هل ستقدم حماس مزيدا من التنازلات لتحظى بهذا القبول الدولي المشروط والظالم؟ أم ستترك الحكم وتعود إلى أحضان شعبها مدافعة عن حقوقه كما عودتنا؟
 
* جامعة الأقصى / غزة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات