الإثنين 01/يوليو/2024

الجاليات الفلسطينية في أوروبا

الجاليات الفلسطينية في أوروبا
يزداد أبناء الشعب الفلسطيني في اللجوء والشتات عدداً ويزداد الحديث عنهم وعن دورهم، خاصة في ظل ما يحاك لإسقاط حق العودة الذي يمس ويهم كل فلسطيني أينما وجد. هذا الدور شبه مغيب لأسباب سأحاول هنا حصرها واقتراح حلول لها مع برنامج عمل مقترح، وذلك لتفعيل دور الجاليات في الشتات عموماً وفي أوروبا خصوصاً ليستمر التواصل مع وطننا الأم حتى تحقيق الحلم بالتحرير والعودة.

لمحة تاريخية

خاض الشعب الفلسطيني خلال القرن الماضي صراعاً مريراً ومتصلاً في ظل انحياز عالمي كامل ضده وتآمر إقليمي ودولي، أسفر عن ضياع فلسطين على مرحلتين وتشريد مئات الآلاف من أبناء فلسطين وتهجيرهم من وطنهم الأصلي ليتوزعوا على مناطق اللجوء والمهجر، وليبدأوا رحلة عذاب جديدة لإثبات الذات وبناء مجتمعات الشتات والتواصل مع الوطن السليب وإبقاء حلم التحرير والعودة حياً يورثه الآباء لأبنائهم.
لم تكن الدول الأوروبية ملاذاً أساسياً لموجات الهجرة القسرية الأولى عام 1948 التي أجبرت الفلسطينيين على مغادرة الوطن كما هو الحال بالنسبة للدول العربية المجاورة لفلسطين، باستثناء بريطانيا التي هاجر إليها البعض عام 1948 لينشئوا نواة لمجتمع جديد.
تغير هذا الوضع بعد هزيمة عام 1967 والممارسات القمعية للاحتلال والتي حولت أبناء فلسطين إلى لاجئين داخل وطنهم، وكذلك الضغوط والإجراءات المتشددة من قبل الدول المضيفة للاجئين، وامتداد المواجهات المسلحة لما عرف بدول المواجهة والتي أدت جميعها لموجة نزوح جديدة وهجرة نحو المنافي البعيدة والتي كان للدول الأوروبية منها نصيب.
شكّل الطلبة الجزء الأساسي من موجات الهجرة الجديدة خاصة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، مما يفسر ارتفاع نسبة المتعلمين من الفلسطينيين في بعض هذه المجتمعات. بعد ذلك وصل آلاف الفلسطينيين خاصة من مخيمات لبنان بعد اجتياح عام 1982 وحروب المخيمات (1985-1987) إلى الدنمارك وهولندا والنرويج والسويد وألمانيا.
الموجة التالية كانت بعد اندلاع الإنتفاضة الأولى؛ خاصة بعد قرار الحكومة الألمانية قبول طلبات اللجوء من أبناء الضفة والقطاع مما يفسر ارتفاع عدد أبناء قطاع غزة خاصة في مدينة برلين.
آخر موجات الهجرة الجماعية كانت عقب حرب الخليج الثانية حيث التحق العديد من سكان الخليج من الفلسطينيين الميسورين نسبياً بأبنائهم المتواجدين في الشتات خاصة بريطانيا وفرنسا، إضافة لأميركا الشمالية.

توزيع الجاليات وخصائصها

حصْرُ أعداد الفلسطينيين في أوروبا مسألة شاقة ومعقدة لعدة أسباب، أهمها غياب أي حصر رسمي لهم خاصة في ظل القوانين المحلية التي لا تعترف بهم في كثير من الأحيان كجنسية أو فئة أو أقلية منفصلة، بل تضعهم ضمن تقسيمات مثل (من الشرق الأوسط، آخرين) أو تردهم للدول التي قدموا منها كتصنيف حمَلة الوثائق حسب البلدان التي أصدرت تلك الوثائق، أو اعتبارهم دون وطن (Stateless).
يقدر العدد بشكل عام بحوالي مئتي ألف حسب المجلس الأوروبي، موزعين كالتالي: ألمانيا 80 ألفاً – الدنمارك 20 ألفاً – بريطانيا 15 ألفاً – السويد 9 آلاف وفرنسا 3 آلاف، ولكن للأسباب السابقة الذكر فإنه بحكم المؤكد أن العدد الإجمالي أكبر من ذلك بكثير، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن عدد الفلسطينيين في ألمانيا وحدها يتجاوز المئتي ألف وفي بريطانيا حوالي 50 ألفاً، وكذلك الدول الأخرى والتي لم يشملها تقدير المجلس الأوروبي والتي يتواجد فيها عدد لا بأس به من الفلسطينيين كهولندا وإيطاليا والنمسا وإسبانيا وغيرها.
بالرغم من الخصائص المشتركة التي تجمع الفلسطينيين في الشتات، إلا أن هناك اختلافات لا يمكن التغاضي عنها كالوضع الاجتماعي والخلفية الثقافية ودرجة التأقلم مع المجتمعات المضيفة.
أهم الاختلافات وبشكل عام هي أن الهجرات الجماعية الأولى أبرزت طبقة من حملة الشهادات العليا والذين استطاعوا الاندماج في المجتمعات المضيفة بعكس الموجات الجديدة التي تعتبر أقل تعليماً وأقل اندماجاً في المجتمعات مع وجود نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل.
سأحاول هنا تناول بعض خصائص الجاليات الرئيسية في أوروبا حسب ما ورد في عدة بحوث، كان أهمها ما نوقش في ورشة عمل خصصت للاجئين الفلسطينيين في أوروبا أقامتها كلية ((سان أنطوني)) بجامعة أوكسفورد عام 2000، وشارك فيها باحثون من مختلف الدول الأوروبية. وكذلك سنستقي المعلومات من عدة دراسات أخرى.

ألمانيا

ينطبق على ألمانيا ما ينطبق على غيرها من الدول، وأعني هنا صعوبة الإحصاء والخصائص العامة وموجات الهجرة، ويُقدر عدد أفراد الجالية الفلسطينية في ألمانيا بين 80 ألفاً و200 ألف مع تركز عدد كبير منهم في مدينة برلين التي يقدر عدد الفلسطينيين فيها بعشرات الآلاف.
تتشكل غالبية الجالية هناك من مجموعتين أساسيتين: لاجئين من مخيمات لبنان، ومن أبناء قطاع غزة عقب اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987 ومعظمهم من الشباب.
يغلب على أبناء الجالية هناك تدني المستوى التعليمي بشكل عام وصعوبات من ناحية اللغة والتخاطب وانتشار البطالة والعمل في المهن الحرفية، ويعتمد الكثيرون منهم على المعونات الاجتماعية التي تقدمها الدولة، وهذا لا ينفي أن بعض أبناء الجالية حققوا نجاحات ملحوظة خاصة في مجال التجارة.
تعاني فئة السيدات في ألمانيا بشكل خاص من شعور عام بالانطوائية والعزلة حيث تتشكل غالبيتهن من زوجات التحقن بأزواجهن. أيضاً تجد النساء الفلسطينيات في ألمانيا صعوبة في التعامل مع أبنائهن لضعفهن في اللغة الألمانية التي يجيدها الأبناء.
تتميز الجالية في ألمانيا وبشكل عام بانعدام التنسيق بينها وتوجد عدة جاليات رسمية في المدن الرئيسية؛ بل أحياناً أكثر من جالية في المدينة الواحدة دون تنسيق يذكر أو فعل حقيقي.

الدول الاسكندنافية

تشترك الجالية الفلسطينية في الدول الاسكندنافية وبشكل كبير مع ألمانيا في الخصائص، ولكن يضاف إليها أن الكثيرين من أبناء الجالية فيها يعانون من أمراض نفسية تتعلق بتجاربهم المأساوية السابقة وبخاصة Post Traumatic Stress Syndrome وكذلك من البطالة (حوالي 70%) وانعدام الرغبة الحقيقية في التعلّم (أقل من 5% يتجه نحو التعليم العالي).
بشكل عام ينظر أبناء الجالية بعين من الشك والريبة لمحاولات دمجهم في المجتمعات المضيفة وبنظرة سلبية واضحة عبّر عنها أحد اللاجئين في الدنمارك بقوله: ((نحن هنا في حالة تقاعد مبكر، في لبنان كنا نموت ببطء أما هنا فالموت سريع!))، إضافة للتصادم الثقافي والاجتماعي بين المجتمعات الأصلية المحافظة نوعاً والمجتمعات الغربية الأكثر انفتاحاً.
يلاحظ أيضاً ارتفاع نسبة الطلاق بين أبناء الجالية وانعدام التواصل والتباين الجغرافي مع غياب حضور فاعل وحقيقي لجالية منظمة.
متوسط أعمار أبناء الجالية الفلسطينية في الدول الاسكندنافية هو 40 عاماً.

بريطانيا

تختلف الجالية الفلسطينية في بريطانيا عن مثيلاتها في ألمانيا والدول الاسكندنافية، حيث وصلت موجات الهجرة الأولى في الأربعينيات والخمسينات عقب النكبة مباشرة، وتلتها هجرات متعاقبة كان آخرها عقب حرب الخليج الثانية عندما التحق عدد كبير من سكان الخليج الميسورين نسبياً بأبنائهم المقيمين في بريطانيا. وقد شهدت بريطانيا موجة هجرة غير شرعية من فلسطينيي لبنان في أواخر الثمانينات وأواخر التسعينات.
الاتجاه العام هو تعليمي؛ حيث حصل العديد من أبناء الجالية هناك على شهادات عليا ويشغلون مراكز مرموقة خاصة في الجامعات والمستشفيات. كذلك هناك نجاحات على مستوى رجال الأعمال والذين يتركز نشاطهم داخل العاصمة لندن.
رغم نشاط الجالية النسبي إلا أن حجم المشاركة الفعلي في القضايا التي تهم الوطن الأم يبقى محدوداً خاصة من طبقة معينة تحاول الانفصال عن مجريات الأمور في فلسطين والاندماج بشكل أكبر داخل المجتمع البريطاني المتعدد الأعراق، تحديداً في المدن الرئيسية حيث يتركز وجود الجالية بشكل رئيسي.
يوجد أيضاً عدد لا بأس به من طالبي اللجوء من الشباب والعائلات الذين لم ينظر في أمرهم بعد، وهو ما يجعل وضعهم غير مستقر بشكل عام خاصة بعد صدور العديد من القوانين التي تقيّد طلبات اللجوء.

فرنسا

يتشابه وضع الجالية في فرنسا بعمومياته مع وضعها في بريطانيا مع ملاحظة الفروقات التالية:
غياب أي تمثيل رسمي للفلسطينيين في فرنسا، وانعدام وجود المؤسسات الأهلية مع ضعف واضح في التواصل واندماج ملحوظ في المجتمع الفرنسي المبني على نظرية الاستيعاب والاندماج، وهو ما كان له تأثير واضح على الجالية الفلسطينية صغيرة العدد هناك.
يعتمد حوالي 300 طالب فلسطيني دارس في الجامعات الفرنسية على دعم أسرهم من الخارج، عكس الطلبة في ألمانيا الذين يعتمدون في الأساس على المساعدات الحكومية رغم قلة عددهم مقارنة بحجم الجالية هناك (حوالي 3000 طالب).
برغم التنوع والامتداد الجغرافي للفلسطينيين في أوروبا التي تفتقر لأية إحصاءات أو دراسات رغم تواجد أعداد لا بأس بها من أبناء فلسطين فيها، يتضح أن الجاليات الفلسطينية في أوروبا تعيش حالة من التشرذم والتشتت وضياع البوصلة السياسية وفي بعض الأحيان ضعف الرابط مع الوطن الأم وكذلك التباين الكبير في نشاطاتها وإنجازاتها.
تعكس هذه الجاليات الصورة الأصلية للمجتمع الفلسطيني وكأنها مرآة تعكس طبقات وفئات وأفكار الشعب الفلسطيني ككل، ففي هذه الجاليات المتعلم والثري والعاطل عن العمل والمفكر والثورجي والانتهازي والناجح وغيرهم في نسيج غريب من الإيجابيات والسلبيات، لكنها أيضاً تختلف عن المجتمع الفلسطيني الأم بحكم وجودها في مجتمعات تختلف فكرياً واجتماعياً وثقافياً، وفي بعض الأحيان مجتمعات عدائية ومتحيزة ضد حقوق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يضع تلك الجاليات في موقع المسؤولية ويفرض عليها التزامات وواجبات.

أسباب تراجع وفشل تجربة الجاليات

مع استثناءات بسيطة، كان الفشل هو العنوان الرئيسي المصاحب لهذه الجاليات، لا أعني هنا الفشل على المستوى الفردي؛ ولكن الفشل على مستوى العمل المشترك وتفعيل دور الجاليات والتواصل بينها وبين الوطن الأم والقيام بالدور المنشود في التعريف بقضايانا العادلة وحشد التأييد لها والنهوض بالمستوى الثقافي والحضاري لأبناء الجالية والتأكيد على حق العودة خاصة أن معظم أبناء الجاليات إن لم يكن جميعهم هم بالأساس لاجئون.

أسباب الفشل
يصعب تعميم أسباب الفشل والتراجع لخصوصية الجاليات التي سبق ذكرها ولكن هناك أسباباً عامة تنطبق على الجميع دون استثناء وتشمل:
اجترار الماضي والبكاء على الأطلال: بمعنى رفض الاعتراف باختلاف المجتمعات المضيفة مقارنة بالمجتمعات الأصلية وصعوبة الحياة في بدايتها، حيث قد نجد أن فلسطينياً ناجحاً في بلد الإقامة الأصلية في مجاله وتخصصه يضطر أن يصبح طالباً من جديد، وهو ما لا يسهل ابتلاعه ليبقى ذلك الطبيب في أوهام النجاحات السابقة، وليصبح عدواً لكل ما حوله رافضاً أية مشاركة في فعاليات أو غيرها.
تكرار الأخطاء وعدم الاستفادة من تجارب الآخرين: هناك جاليات أقدم بكثير من الجاليات الفلسطينية عاشت نفس تجاربها وأخطائها وبعضها تجاوزها ومن المهم الاستفادة من تلك التجارب خاصة في عصر السرعة الذي نعيشه.
أيضا هناك تجارب فاشلة متكررة داخل الجالية الواحدة والتي يصر أبناؤها على تكرارها بقصد أو دون قصد.
الإرث التنظيمي لأبناء الجالية الواحدة: وهو ما أصبح واضحاً بعد موجات الهجرة الأخيرة من الد

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات