السبت 10/مايو/2025

القلاب وقلب الحقائق

أحمد سعيد

يبدو أن الكاتب الأردني والوزير السابق صالح القلاب سُمّي بهذا الاسم نتيجة جهوده غير العادية في قلب الحقائق وتلفيق الوقائع والابتعاد عن الموضوعية انطلاقاً من مواقف مسبقة، والقلاب صيغة مبالغة من القلب، فهو اسم على مسمى، إذ هو يبالغ في قلب الحقائق للدرجة التي يستحيل معها تصديق أي حرف يخطّه أو يتفوه به.

لنقرأ بعضاً مما كتبه القلاب في مقال له تحت عنوان “فلسطين: حكومة واعدة وآمال عريضة والفشل كارثة”.

يقول في أول فقرة من فقرات مقاله أن “أهم إنجاز” للحكومة السابقة (حكومة حماس العاشرة) هو أنها “استدرجت” الحصار الظالم الذي لا يزال مفروضاً على الشعب الفلسطيني استدراجاً، وأنها كادت “تقحم” هذا الشعب في أتون حرب أهلية مدمرة لولا عناية الله ورحمته، ولولا المساعي السعودية الخيّرة التي اجترحت اتفاق مكة في اللحظة المناسبة”!!

مصدر استغرابنا واستنكارنا لكلام القلاب ليس قناعته مثلاً بأن برنامج الحكومة السابقة أدى إلى فرض الحصار عليها، فمن حقه أن يقتنع بما يريد، لكن ألا يقتضي الإنصاف والصدق أن يشير ولو إشارة إلى مسؤولية الغرب وإسرائيل عن هذا الحصار الظالم الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً، حيث عوقب الشعب بسبب ممارسته الديمقراطية المشهود لها، وجرى ابتزاز المواقف السياسية من خلال منع لقمة خبز وحليب الأطفال؟!

ثم كيف استدرجت الحكومة الشعب إلى أتون حرب أهلية؟! إن العقل والمنطق يقول إن الحكومة بحاجة إلى الهدوء والاستقرار حتى تستطيع أن تعمل وتنفذ برنامجها، فما مصلحتها “بجر” الشعب إلى الحرب الأهلية؟! يغفل القلاب بالطبع بشكل فج وصارخ حقيقة أن الحكومة كانت تدافع عن نفسها، وأنها كانت تصد انقلاباً عسكرياً وتمرداً مسلحاً مورس ضدها، وأن فشل هذا الانقلاب والتمرد كان أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى اتفاق مكة.

يضيف الكاتب المتخصص في قلب الحقائق أن الحكومة انخرطت في صراع إقصائي مع السلطة الوطنية، ورفضت أن تكون جزءاً من منظمة التحرير!!

وهل الحكومة هي حكومة النظام السيريلانكي؟ أليست هي حكومة السلطة؟ ثم من الذي أقصى الآخر، ومن الذي سحب الصلاحيات من الآخر؟! وكيف ستعترف حماس وهي صاحبة الأغلبية بمنظمة تحرير لا تضمها؟ ولماذا لا نسأل السؤال الجوهري وهو: لماذا لا يُشرع فعلاً بإعادة إصلاح منظمة التحرير لتكون فعلاً ممثلاً حقيقياً للشعب الفلسطيني بكل فصائله وتنظيماته؟

أخطر وأغرب ما كتب القلاب ادّعاؤه أنه بوجود حكومة فلسطينية تتبنى مواقف تنظيم (أي حماس) متحالف مع إيران، ورافض لكل القرارات الدولية التي بُنيت على أساسها عملية السلام، فإن إسرائيل كانت قادرة على تسويق كذبة عدم وجود الطرف الفلسطيني المفاوض، وكانت –أي إسرائيل- تتمنى لو أن العرب “يرتكبوا الخطأ التاريخي” ويعترفوا بهذه الحكومة…!!!!

هل كذبة إسرائيل بعدم وجود شريك فلسطيني (الحمد لله أنه اعتبرها كذبة!) مرتبطة بوجود حماس في الحكومة؟! وماذا عن المراحل السابقة التي لم ننسها بعد؟ ألم يعتبروا الرئيس الراحل عرفات غير ذي صلة وأنه ليس شريكاً؟ أكثر من ذلك، هل شكّل أبو مازن شريكاً مقبولاً بالنسبة لهم، وماذا عن مدة عام قضاها في الرئاسة قبل الانتخابات التشريعية؟ ألم يكن بإمكان إسرائيل –ولا تزال- أن تفاوضه وتعتبره شريكاً كما يطالبها هو دون ملل؟!

وبالنسبة للقلاب فإن العرب تجنّبوا “خطأً تاريخياً” من خلال عدم اعترافهم بالحكومة الشرعية المنتخبة!! بمعنى آخر فإن القلاب يريد أن يقول أن اشتراك الأنظمة العربية وموافقتها الضمنية على الحصار موقفاً سليماً وذكياً!!!

تكفي هذه الأمثلة -وهي على أية حال غيض من فيض- في توضيح قلة الموضوعية والمصداقية التي تطغى على كتابات البعض، وهو أمر مؤسف ولا ريب، إذ أن الخلاف الفكري والسياسي لا ينبغي أن يؤدي إلى هذا المستوى من التجني والهبوط.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات