الأحد 20/أكتوبر/2024

قراءة في حقيقة الموقف الأمريكي والصهيوني من مبادرة السلام العربية

قراءة في حقيقة الموقف الأمريكي والصهيوني من مبادرة السلام العربية
على الرغم من الصخب الذي صدر عن الولايات المتحدة الأمريكية  قبل أو بين يدي انعقاد القمة العربية في الرياض، بشأن رغبتها في تحريك ما يسمى بعملية السلام في الشرق الأوسط، على أساس من “المبادرة العربية”، التي صادقت عليها قمة بيروت عام 2002، وإظهار الكيان الصهيوني الترحيب المفاجئ بها، بعد رفض مسبق لها إبان عهد رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق شارون، باعتبارها تتضمن “أفكارا إيجابية”، فإن الحقيقة كما رصدها مراقبون سياسيون تؤكد أن الحلف الأمريكي – الصهيوني مازال يقف على النقيض من ذلك تماما من خلال مواقفه وتصريحاته المعلنة.

                                                تساؤلات مشروعة

على الرغم من أنها كسابقاتها مما يسمى باتفاقيات السلام لم تقدم شيئا ملموسا للفلسطينيين، فإن السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه بداية، دون أن تكلف الإدارة الأمريكية نفسها عناء الإجابة عنه بصورة مقنعة، هو: ما مصير اتفاقية “خارطة الطريق”، باعتبار أن هذه الاتفاقية من ترتيبات المطبخ الدبلوماسي الأمريكي؟ ولماذا قام حليفها (الكيان الصهيوني) بإصدار شهادة وفاة بحقها، متجاهلا إياها وما تضمنته من التزامات، دون سابق إنذار أو إيضاح؟ وما السر وراء الاندفاع المفاجئ نحو “المبادرة العربية” بدون مقدمات مفهومة؟.

برأي المراقبين فإن الاندفاع الأمريكي لتحريك ما يسمى بمسار السلام في المنطقة، ما هو إلا محاولة للهروب نحو الأمام، على ضوء الفشل المتصاعد والمستمر للسياسة الأمريكية في العراق وأفغانستان، والذي ينذر بانهيار كامل، بعد تدهور الأوضاع الأمنية وخروجها عن السيطرة، والزيادة المضطردة في خسائر القوات الأمريكية هناك، وما بدأت الإدارة الأمريكية تستشعره مؤخرا من عزلة في موقفها على المستوى الدولي، بعد أن بدأ الحراك الأوربي في إبداء المرونة للتعامل مع حكومة الوحدة الوطنية، واستعداده لرفع الحصار الظالم المفروض على الفلسطينيين منذ نحو عام، والموقف المتقدم لكل من روسيا والنرويج وبعض الدول الأوربية الأخرى في هذا الجانب، كما جاء في تصريحات رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، على هامش  لقائه بوزير الخارجية النرويجي في الرياض عشية انعقاد القمة.
 
                                            عملية تجميل فاشلة

يبدو أن التحركات المكوكية لوزيرة الخارجية الأمريكية “رايس” عبر بعض العواصم العربية، أو بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة الصهيونية “أيهود أولمرت”، وإبداء رايس استعدادها لمتابعة ودعم لقاءاتهما نصف الشهرية، التي اقترحتها عليهما، ما هي إلا محاولة إما لتحسين رصيدها الشخصي، كمسؤولة عن الدبلوماسية في إدارة شغلت كل وقتها في الحروب، وأهمها “الحرب على الإرهاب”، وغزو واحتلال دول ذات سيادة، وانتهاك حقوق الإنسان، والاعتداء على الحريات العامة، أو لتجميل وجه إدارتها، التي كسبت عداوة شعوب العالم للأسباب السابقة.

وتدرك رايس في قرارة نفسها أنها غير منشغلة بالمبادرة العربية، إلا بالقدر الذي يسمح لها بالضغط على الدول العربية للتطبيع المسبق مع الكيان الصهيوني، وتدرك أكثر من غيرها أن حكومة “أولمرت” التي تعتبر من أضعف الحكومات الصهيونية شعبية، لا تملك اتخاذ قرارات بهذا الحجم والمستوى، وأنها ستصطدم بحاجز صد صهيوني، لا يمكن أن يسمح بعودة لاجئي عام 1948إلى ديارهم، أو الانسحاب إلى حدود الأراضي التي تم احتلالها عام 1967 بما في ذلك القدس والجولان ومزارع شبعا.

                                             تناقضات أمريكية

بقراءة تحليلية لبعض المواقف والتصريحات، التي تم رصدها في الأسابيع الأخيرة، يمكن الوقوف على تناقض أمريكي واضح إزاء التسوية السلمية بين أطراف العلاقة في المنطقة إن جاز التعبير، أو حقيقة موقف الإدارة الأمريكية من مزاعم السلام، التي تتبجح بها، أو تسعى لترويجها وتسويقها، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

– لم تكتف الوزيرة الأمريكية “رايس” بإصرارها على موقفها، وموقف إدارتها المتحجر، بخصوص شروط الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية، وهي إقرار الحكومة الفلسطينية بما يعرف “بشروط الرباعية الدولية”، أي الاعتراف بالكيان الصهيوني، وإسقاطها لحقها في مقاومة المحتل، الذي كفلته القوانين الدولية، والاعتراف بالاتفاقات المسبقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وسلطة الاحتلال. بل زعمت أن هذه الحكومة تمثل عقبة في طريق الوحدة الوطنية، وعملية السلام، على طريقة “رمتني بدائها وانسلت”، وهو ما اضطر المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية الدكتور غازي حمد للقول إن الإدارة الأمريكية هي العقبة الحقيقية في طريق التسوية، لأنها تعقد المسار السياسي في المنطقة، برفضها التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية، التي تعبر عن مجمل الشعب الفلسطيني، واتهم واشنطن بالانحياز الأعمى للكيان الصهيوني، وفقدانها لمصداقيتها، لأنها لم تعد وسيطا نزيها أو محايدا.

– وفي نفس الاتجاه جاء تصريح أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، لدى افتتاح أعمال قمة الرياض، حيث قال “إن الصراع العربي ـ الصهيوني، في ضوء الانحياز الغربي الكامل للكيان الصهيوني، هو لب الاضطراب، وأساس التوتر في الشرق الأوسط”، ومعروف أن الداعم الرئيس والأكبر للدولة العبرية عالميا هو الولايات المتحدة.

– “المبادرة العربية” التي سبق أن رفضت من قبل الإدارة الأمريكية ومن الكيان الصهيوني أول ما أعلن عنها عام 2002، تعلن الجهتان ترحيبهما بها اليوم، وواضح أن هذا الترحيب لا يعدو أن يكون ترحيبا شكليا مخادعا، لأن حقيقة الأمر تتضح من اعتراض الكيان الصهيوني على جوهر المبادرة، وما طفا على السطح حتى الآن على الأقل رفض شرط عودة اللاجئين الفلسطينيين، على لسان وزيرة خارجية الكيان الصهيوني. ولما أبدت الدول العربية إصرارا على التمسك بكامل المبادرة، وفقا لتصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، عاد الاحتلال ليتحدث عن عودة اللاجئين إلى الدولة الفلسطينية في قطاع غزة أو الضفة، وهذه المراوغة الصهيونية، دفعت أمين عام جامعة الدول العربية للقول: إذا كان طلب الصهاينة في ما يخص المبادرة العربية يقول “عدلوها أولا”، فنحن نقول “اقبلوها أولا”، كما دفعت رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل للقول إنه آن للعرب رسم استراتيجيتهم الخاصة، وتحديد مطالبهم العربية، واحترام الحقوق، حيث لا تقبل التنازلات “فلا تنازل عن القدس والأقصى وحق العودة”.

وفي الوقت الذي وجهت “رايس” الدعوة للقادة العرب، كي يسرعوا في ما أسمته “الانفتاح حيال إسرائيل”، لكي تظهر للكيان الصهيوني “أنها قبلت أن يكون له مكانه في الشرق الأوسط”، في إشارة واضحة للشروع في التطبيع بين الجانبين، دون انتظار لاتفاق نهائي بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، أو لإقامة الدولة الفلسطينية، أو عودة اللاجئين.. فإن ما كان مستغربا جدا ألا توجه الوزيرة الأمريكية الدعوة لإدارتها أو لحلفائها، للقبول بحكومة الوحدة الوطنية، والاعتراف بها، وإنهاء الحصار كبادرة حقيقية للسلام في المنطقة، ولعل هذا ما دفع العاهل السعودي لتوجيه الدعوة في الجلسة الافتتاحية لقمة الرياض، “من أجل رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، لكي تتاح لعملية السلام أن تتحرك في جو بعيد عن القهر والإكراه”على حد تعبيره.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات