الخميس 08/مايو/2025

أمريكا الإسرائيلية وإسرائيل الأمريكية

أمريكا الإسرائيلية وإسرائيل الأمريكية

يعتبر التشابك، والتكامل، والتبعية، والشراكة، والتبادل من المصطلحات التي يحاول البعض إطلاقها في محاولة لوضع وصف للعلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية. في هذا الإطار من الغموض، يقدم الكاتب الأردني/ حسني عايش ـ الأستاذ بالجامعة الأردنية، والكاتب بجريدة «الرأي» وصاحب العديد من المؤلفات في مختلف المجالات

ومنها: امتحان عام أم استغفال للرأي العام، وأصل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والبقاء في عالم متغير ـ رؤيته لطبيعة تلك العلاقة، مشيراً إلى أن الصهيونية وإسرائيل تتحكمان بالسياسة الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط، وبخاصة الجزء العربي منه لا العكس، وأن السياسة الأمريكية (المدنية والعسكرية) الخاصة به مسخرة من أجل إسرائيل أولاً وأخيراً.

وأن مقاليد الأمور في كل ما يتعلق بالصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي، ليس بيدها، بل بيد اللوبي اليهودي الصهيوني فيأمريكا وإسرائيل، كما أن أمريكا بحكوماتها وكونغرسها وإداراتها وسائر السلطات فيها وعلى كافة المستويات عبارة عن أداة يهودية إسرائيلية.

في البداية يتطرق المؤلف إلى جذور اليمين الصهيوني المسيحي في أمريكا وأفكاره والتي بدأت مع جماعات المهاجرين الأوائل في القرن الثامن عشر وعن طريق بعض الجماعات الدينية مثل: الكويكرز أو المنتفضين، والمطهرين، وجماعة الصحوة الكبرى الأولى، والصحوة الكبرى الثانية، كما كان بعض الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية مثل: توماس جيفرسون، وبنيامين فرانكلين، من أتباعها.

وفي العصر الحديث انقسمت أمريكا البروتستانتية إلى معسكرين: معسكر الحداثيين، ومعسكر الأصوليين. ومع فوز «جيمي كارتر» بالرئاسة عام 1976م تصور الناس أن الإنجيليين قد وصلوا. وفيما بين عامي 1980- 1990 زاد عدد المسيحيين المتجددين من 32% إلى 39% مما زاد من قوة المسيحية الأصولية الأميركية.

وبسرعة أصبح الأنجيليون المسيحيون أو اليمين المسيحي الجديد جزءا من اليمين الجديد(دينياً ـ سياسياً) أو ما يعرف الآن بالمحافظين الجدد الذين رافقوا نمو الأصولية الجديدة وشجعوها واستغلوها سياسياً. ثم يتحدث الكاتب عن بعض رواد المسيحية الصهيونية والذي كان لهم دور كبير في تحقيق الحلم الصهيوني بإقامة دولة،

ومنهم «آرثر جيمس بلفور» زعيم حزب المحافظين وصاحب وعد بلفور الشهير في الثاني من تشرين الثاني عام 1917م، وكذلك «ديفيد لويد جورج» رئيس وزراء بريطانيا في فترة الحرب العالمية الأولى، والتي أثرت تربيتهما الدينية في بيت أنجيلي على مواقفهما في تبني التوجهات اليهودية الصهيونية.

كما يتناول الكتاب ما يسمى بـ «السفارة المسيحية العالمية بالقدس» والتي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1980م في مقر سفارة دولة تشيلي والتي انتقلت إلى تل أبيب إثر صدور قرار الكنيست الإسرائيلي بضم القدس واعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل، والذي رفضته بعض الدول ومنها تشيلي.

وقد أصبح لتلك السفارة ـ بلا دولة تمثلها ـ دوراً سياسياً هاماً لكسب الدعم المسيحي الإنجيلي في الغرب لتدعيم السياسات الإسرائيلية، ومن ثم الحصول على الدعم المالي والاقتصادي من الجماعات الإنجيلية المسيحية. وخلال وقت قصير أصبح لتلك السفارة ممثليات (مكاتب) في ثماني وثلاثين دولة تمتد من أمريكا الشمالية إلى الجنوبية، وأوروبا، واستراليا، وأفريقيا.

ويتناول المؤلف العقيدة الدينية، والأهداف المعلنة لتلك الكنيسة، وكذلك الرد المسيحي على ادعاءات تلك السفارة المسيحية والتي قدمت نفسها بديلاً للكنائس المحلية الفلسطينية والعربية، مما يسمح لإسرائيل باستخدامها والترويج لها من خلال ظهور أهم الشخصيات الإسرائيلية في مؤتمراتها ولقاءاتها، وإفاضة وسائل الإعلام اليهودية والصهيونية في العالم عن أنشطتها.

ثم يتعرض المؤلف، كضرورة منطقية، إلى اللا ـ سامية والنظريات اليهودية وغير اليهودية في تفسيرها باعتبارها الصيغة التي نشأت في الخلفية التاريخية للتراكم اليهودي الصهيوني. وكيف تحولت من أداة لاضطهاد اليهود إلى أداة يضطهدون بها الغير، مع تقديم نماذج وأمثلة على قوة هذا السلاح اليهودي الفتاك الذي يكممون به أفواه كل ناقد للسياسة الإسرائيلية أو معارض لها.

ويشير الكاتب إلى اللا ـ سامية من المنظور اليهودي الماركسي ووضع اليهود في أوروبا بعد عصر النهضة (عصر التنوير)، وحال يهود أوروبا الشرقية حتى القرن التاسع عشر، وكذلك اللا ـ سامية من منظور يهودي صهيوني والتي يعتبرونها كراهية للديانة اليهودية، والتي يعود السبب فيها إلى عدة عناصر فرعية يدور كل منها حول التحدي اليهودي لقيم وثوابت المجتمعات التي عاشوا بها،

وهي: الغربة، وتحدي المجتمعات الأخرى، وإشكالية شعب الله المختار، والحياة اليهودية المثلى. ويرى الكتاب أن تهمة اللا ـ سامية سوف تصبح أشد فتكاً لكل ناقد للسياسة الإسرائيلية بعد صدور القانون الأمريكي لمناهضة اللاـ سامية، والذي يراقب المكتب الخاص به في وزارة الخارجية الأمريكية كل من ينتقد سياسة إسرائيل أو اليهود أو أفعال الصهيونية على مستوى العالم. ويقدم الكاتب بعض مظاهر التغلغل اليهودي (الإسرائيلي) في المجتمع الأمريكي،

لاسيما في المفاصل الحيوية منه، مثل: وجود عدد من اليهود في الحكومة أو في مكاتب أعضاء الكونغرس، وتسريب الأخبار والتجسس واختراق البنتاغون (يقدم بعض الحوادث على سبيل المثال)، والسيطرة على الجامعات، والتحكم بالبيت الأبيض، والسيطرة على الرأي العام الأمريكي، بل والمساهمة في تشكيله،

عن طريق الإعلام التليفزيوني والإذاعي والسينمائي والسيطرة على بعض الجرائد (النيويورك تايمز ـ الوول ستريت جورنال ـ الواشنطن بوست ـ الهيرالد تربيون الدولية)، والكتب وما يتبعا من دور نشر(دار راندوم هاوس ـ مجموعة كراون للنشرـ دار سيمون وسوشتر ـ تايم وورنر التجارية ـ ليتل بوكس)، وكذلك السيطرة على مراكز الدراسات والبحوث أو ما يسمى بـ «مخازن المعلومات».

ثم يتحرك المؤلف باتجاه المعونات الأمريكية إلى إسرائيل، والتي يقدرها البعض بحوالي 105 مليارات دولار منذ قيام إسرائيل وحتى العام 2004م. كما يتم منح إسرائيل، بشكل أو بآخر، مساعدات خفية نتيجة التزام أميركا ودعمها لأعمال إسرائيل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

كما لا تشمل تلك التكلفة ما تتكبده أمريكا مالياً وبشرياً من كلفة غزوها للعراق باعتباره يصب في المصلحة الإسرائيلية على المستوى الاستراتيجي. كما أن المخفي من تلك المساعدات في ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية يجعل من الصعب تحديد المبلغ الحقيقي لتلك المساعدات.

فهي مثلاً لا تشمل المساعدات المقدمة من برنامج الغذاء من أجل السلام، ولا مبلغ 2 1 مليار دولار المقدمة بموجب اتفاقية «واي»، ولا المنحة المقدمة لإعادة توطين اليهود الروس، ولا تلك المخصصات المعنونة تحت بند مخططات ومشاريع التطوير المشترك.

وتقضي بنود المساعدات الاقتصادية المقدمة لإسرائيل بالسماح لها بإنفاق ما نسبته 27% من تلك المساعدات في دعم التصنيع العسكري الإسرائيلي، بينما تفرض بنود تلك المساعدات على الدول الأخرى إنفاق ما قيمته 100% منها في التصنيع العسكري الأمريكي، والشراء من خلال وزارة الدفاع الأمريكية، بينما يتم السماح لإسرائيل بالتعامل المباشر مع الشركات الأمريكية دونما مراجعة أو مراقبة لقوائم تلك المشتريات من أحد!؟.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات